على مدى السنوات التي عملت فيها في الطب النفسي، سواءً كان في المملكة العربية السعودية أو في بريطانيا، فإن واحدة من أكثر المشاكل التي كانت تُثير دهشتي هي قضايا شكوك الزوج في زوجته، حيث أن بعض المرضى (ونُطلق على هؤلاء الاشخاص مرضى، لأنهم فعلاً مرضى)، يأتي إلى العيادة وهم في حالةٍ من التشوّش في موضوعٍ شائك ومُعقّد. عدد ليس قليلاً وكذلك ليس كثيراً من الرجال يأتون إلى العيادات النفسية بسبب مشكلة الغيرة والشكوك في سلوكيات الزوجة. رجال كثيرون يشكّون في تصرفات زوجاتهم ولكن لا يصل بهم الأمر إلى الاعتقاد بصحة ذلك، ولكن يكون الأمر مجرد شكوك وهواجس تمرّ في خاطر الزوج ولكنها لا تؤثر فيه كثيراً بشكلٍ يجعله يُشكّل خطورة. هذا النوع من الشكوك التي تمّر في خاطر الزوج وتنتهي داخله دون أن يُخبر أحداً، وكذلك دون أن يؤثر هذا الشك في العلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته. هناك أحياناً ثمة سلوكيات قد تجعل الرجل يشك في أن زوجته على علاقة بشخصٍ آخر، برغم أن هذا الأمر قد لا يكون صحيحاً إطلاقاً مثل أن تتحدث في الهاتف في أوقاتٍ غير مناسبة، وتكون وحيدة عندما تتحدث وبصوتٍ خافت وكلمات مُقتضبة، وسلوكياتٍ أخرى يختلف الرجال في تفسير بعض سلوكيات المرأة التي قد تُثير شكوكهم و كذلك بالطبع شخصيات الأزواج التي قد تكون بطبعها تميل إلى الشك، وكذلك علاقات الشخص النسائية عندما لم يكن متزوجاً أو حتى بعد الزواج. الزوج الذي له علاقات نسائية متعددة قبل الزواج أو بعد الزواج يكون أكثر شكاً بزوجته من الزوج الذي ليس له علاقات زوجية، خاصةً بعد الزواج. أكثر من يأتي إلى العيادات النفسية بحثاً عن حلٍ لمشكلة شكوكه بزوجته هم الأشخاص الذين تتّحول الفكرة في اذهانهم إلى إعتقاد راسخ غير قابل للشك بأن الزوجة لها علاقة أو علاقات برجل أو رجال آخرين، و بناءً على ذلك الاعتقاد فإن الزوج يقوم بتفتيش الأغراض الشخصية الخاصة بالزوجة مثل حقيبتها اليدوية، ملابسها الداخلية، هاتفها الجوّال وكل متعلقاتها الخاصة والشخصية بحثاً عن دليل مادي ليؤكد ما يُفكّر فيه ويعتقده بالنسبة لزوجته. هنا الأمر ليس خاضعاً لسلوكٍ تقوم به الزوجة يُثير شكوك الزوجة ولكنه نابع من اضطراب نفسي في الزوج ذاته وليس تحت تأثير سلوكيات تقوم بها الزوجة. غالباً ما يكون الزوج قد بدأ يشك في زوجته منذ وقتٍ طويل ولكن الفكرة لم تصل إلى درجة الاعتقاد والتأكد من أن الزوجة فعلاً خائنة. تبدأ المشكلة في التضخّم داخل عقل الزوج ولكنه يُخفي الموضوع عن زوجته ولكن يبدأ في مراقبتها بشكلٍ لا تعرف الزوجة عنه شيء، ثم يتطوّر الأمر إلى أن يُصارح الزوج زوجته بأنه تأكد بأن لها علاقات مع آخر أو آخرين، ويكون بالتأكيد يُراقب جميع تحركاتها وكذلك قد يُراقب هاتفها الخاص وهاتف المنزل، وكذلك يُراقبها عن بعد عندما تكون ذاهبة لزيارة أهلها أو قريباتها أو صديقاتها أو حتى عند الذهاب إلى عملها. قد يصل الأمر إلى العنف عندما يبدأ الزوج يفقد السيطرة على أفكاره ومعتقداته المرضية، ولم يجد ما يؤكد هذا الأفكار والمعتقدات. قد يبدأ الزوج في سؤال زوجته عن علاقاتها الشخصية أو علاقاتها العاطفية قبل الزواج ثم ينتقل إلى بعد الزواج حتى وإن كانت الزوجة تنفي أي علاقةٍ لها قبل الزواج، ولكن هذا كله لا يشفع للزوجة لأن المشكلة هي في عقل الزوج. كان رجلاً كثير العلاقات العاطفية مع النساء قبل زواجه وكذلك استمر الأمر بعد زواجه. عندما تزوّج فتاةً هادئة، قليلة التعليم، وبعد الزواج أخذ يتهمها بأنها لم تكن عذراء عندما تزوجها، واستمر الأمر بينهما، هي تُقسم بأنه لم يكن لها أي علاقة مع أي رجل وهو يؤكد بأنها لم تكن عذراء. أخذها إلى طبيبات نساء وولادة وأكدّوا له بأنها عذراء عندما دخل بها وكذلك بعد أن أنجبت طفلاً، أصبح يُعيد نفس القصة عن علاقاتها بعد الزواج بأشخاص آخرين، وكانت المشكلة بأن هذا الزوج - وهو شاب وسيم - له علاقات متعددة بعد الزواج، وكانت بعضها مع نساء متزوجات، كان يسألهن كيف استطعن الخروج معه؟ فيشرحن له الطرق التي احتلن بهن على أهلهن أو على أزواجهن إن كنّ متزوجات. وضع هذا الأمر في ذهنه، فأصبح لا يسمح لزوجته بالخروج إلا معه حتى ولو كان إلى بيت أهلها ومع شقيقها أو حتى والدها!. ملتّ الزوجة من هذا العذاب، خاصةً بعد أن أصبح الزوج يأخذها إلى المعالجيين الشعبيين والقراّء في داخل وخارج المملكة وبعضهم كان يرى فيه صيداً لمكاسب مادية فيبدأون في دغدغة مشاعره بأنها ربما تكون فعلاً ليست عذراء أو تكون على علاقات مع أشخاص آخرين، وهذا كان يجعله يشعر بنشوة الانتصار ويُتابع مع من يؤيد من يدور في رأسه. وفي نهاية الأمر أصبحت الزوجة تُصاب بفقدان وعي، كأنما هو نوبات صرع، وفي الواقع كان صرع هستيري أو ما يُعرف حالياً بالاضطراب التحوّلي. وكانت أثناء هذه النوبات يسألها زوجها عن موضوع عذريتها، وفي أحد المرات أجابت بأن من أفقدها عُذريتها هو جني وذكرت اسم الجني!. يقول الزوج بأنه بعد أن سمع ذلك من زوجته شعر بارتياح كبير وفرحة عظيمة لأن من فعل ذلك هو جني وليس بشراً، وهذا أكّد صحة قوله وفي نفس الوقت لم يجعله يشعر بالعار فيما لو كان من قام بهذه العملية شخص من البشر الذين قد يكون يعرفهم. حقيقة الأمر أن الفتاة كانت بريئة ولم يُسعفها ذكاؤها المتواضع وتعليمها القليل من الدفاع عن نفسها، فلجأت إلى حيلةٍ نفسية قدر ما يُتيح لها ذكاؤها المتواضع فأصطنعت موضوع الإغماءات المتكررة التي تستمر ساعات وطبعاً لا توجد نوبات صرع تستمر كل هذه الساعات، وتلفّظت خلال نوبات الإغماءة بموضوع الجني الذي افقدها عُذريتها، وكان هذا الأمر هو الفرج بالنسبة للزوج حيث شعر بارتياحٍ كبير، وافتكت هي من التحقيق والتنغيص الذي يقوم به زوجها يومياً بحثاً عن علاقاتها وكذلك عمن أفقدها عذريتها. زوج آخر وصل به الأمر إلى القناعة بأن زوجته على علاقة برجل، وأصبح الأمر يقيناً لديه بأن زوجته وأم أطفاله على علاقة بشخصٍ ما. بدأ يُضايقها في كل تحركاتها ويتنصت على مكالماتها الهاتفية ويرُاقب زياراتها لأهلها أو لأي شخصٍ آخر. بدأ يضع أجهزة تنصّت في المنزل لكي يسمع ماذا تقول خلال غيابه، ولكنه لم يحظ بشيء مما في ذهنه. واجهها عدة مرات فثارت هي، ولأنها متعلمة وتعمل فقد واجهته بكل قوة وحسم بأنه لو أعاد ما قاله لها مرة أخرى فإنها سوف تترك له المنزل و الأطفال!. نفع التهديد بضعة أيام، لكن الأمر فوق ما يحتمل الزوج، فأعاد الكرة مرةً آخرى، بأنها على علاقة برجل آخر، فما كان منها إلا أن ترك المنزل والأولاد وذهبت إلى منزل أهلها، وشرحت لهم القصة فغضبوا لأن الزوج يتهّم أبنتهم بمثل هذه التهّم. وعندما جاء للحديث معهم، قابلوه غاضبين وطلبوا منه تطليق أبنتهم، فعاد إلى منزل غاضباً. وبعد بضعة أيام ذهب ليُعيدها إليه لكنها رفضت وكذلك أهلها رفضوا أن تعود بعد أن طعنها وطعنهم في أمرٍ في غاية السوء وحاول أن يجد اعذاراً لكن الأهل رفضوا هذه الأعذار، وعندما ذهب إلى الطبيب النفسي كان متألماً لفراق زوجته ونادماً على أن فعل ذلك معها، وعندما تم شرح الأمر له، وبأن هذا الأمر هو مرض نفسي، لم يكن مقتنعاً ولمن يكن مُتقبلاً لأخذ أي علاج لمساعدته على تخطّي المرحلة الحرجة التي يمّر بها. الغيرة والشكوك المرضية ليست لها علاقة بسن الزوجة أو جمالها، فقد كان رجلاً يُعاني من الشكوك المرضية بالنسبة لزوجته، فقد كان لا يسمح لها بزيارة أي أحد إلا بصحبته، ومنع أن يزورها أي شخص عندما لا يكون هو متواجداً في المنزل، فلا أشقاء ولا أخوال أو أعمام أو أي أقارب من محارمها مسموح له بالزيارة عندما لا يكون هو غير موجود في المنزل. كان يُغلق المنزل عليها عندما يخرج بحيث لا يمكنها أن تفتح الباب لأي زائر، وبرغم أن لديه أكثر من ستة أطفال من هذه الزوجة إلا أن الزوج لايزال يشك في زوجته بأن لها علاقة برجل أو رجال آخرين، وبرغم أنه يقوم بكل هذه الأعمال، وبرغم تقدّم زوجته في السن، إلا أنه يقوم بتهديدها بالسلاح، حيث يضع المسدس على رأسها ويطلب منها أن تعترف بمن هم أباء أولاده (الذين هم أبناؤه)، وتقول له كيف يمكنها أن تقوم بأي علاقة وهو يمنع عنها الزواّر وكذلك يمنعها من الزيارات الخارجية إلا برفقته؟. وبرغم أنه تزوّج فتاة صغيرة جميلة، إلا أن شكوكه المرضية لم تتجهه نحو الزوجة الصغيرة، الجميلة، بل بقيت الشكوك مستمرة في الزوجة الأولى، التي تقدمت في السن وأصبحت جدةً لها أحفاد ومع ذلك لا يزال يتهمها بأنها غير وفيّة في علاقتها معه، وأن لها علاقات عاطفية مع رجال آخرين!. وبرغم عدم وجود المنطق في إتهامات الزوج لزوجته التي عاشت معه سنوات طويلة، برغم جميع القيود الصعبة التي تمنع تحرّكها لأي مكان. إن هذا الأمر هو مرض إذا وصل إلى المرحلة التي يُهدد الزوج فيها زوجته بالإيذاء - وقد حدثت بعض الجرائم نتيجة هذا الاضطراب - فإن الحل قد يكون الفصل الجغرافي بين الزوجين، كآخر الحلول. قد يساعد العلاج في التخفيف من هذه الضلالات والأفكار التي يعتقد بها الزوج ولكن هذا ليس ضماناً لأن تُجبر الزوجة على العودة إلى زوجها، خاصةً إذا لم يكن هناك تأكد كامل من أن الزوج قد تغيّر تفكيره، وأصبح واضحاً بأنه لا يُشكّل خطورة على حياة شريكة حياته. الوقوف في وجه الزوج و محاولة مُجابهة العنف بالعنف قد يقود إلى نتائج وخيمة، لأن الزوج في حالته تلك قد يكون في غير وعيه وإدراكه، لذلك يجب تجنب مواجهته بالعنف، ومن الأفضل أن يتم التعامل معه على اساس أنه مريض، وإذا استطاعت عائلته إقناعه بأنه مريض وأن عليه أن يلتزم بتناول الأدوية التي قد تساعده في التخلّص من هذه الأفكار المؤذية. الجهل بهذه الأمور قد نتج عنه إزهاق أرواح برئية، وقد حدث عدة مرات أن قتل الزوج زوجته نتيجة شكوكه المرضية و التي ليس لها أساس ولكن الآخرين، المحيطين بالزوجين لم يتنبّهوا إلى أن مايقوله الزوج والسلوكيات التي يتصرفها هي نِتاج مرض صعب وخطير