تواجه الشخصية المبدعة والناجحة كثيراً من الاحباطات من متخاذلين وكسالى وبلداء في بيئة العمل «راتبك وراتب اللي ما اشتغل سوا»، وتصطدم بواقع مرّ «والله محد درى عنك»، وتنهزم أمام محاولة التغيير للأفضل «لا تتعب نفسك» و»غيرك أشطر»، وربما أكثر من ذلك تتوقف عن التجديد والعطاء «خلّك مثل غيرك». وتبقى مثل تلك الكلمات الانهزامية، والقاسية، والمستسلمة كافية لكسر الدعم المعنوي، والثقة في الذات، والاستمرار في النجاح، ولكن يبقى الموقف منها أكثر تعقيداً؛ فهناك من يُضعفه ذلك، وهناك من يتأثر لبعض الوقت ثم يعاود نشاطه، ومنهم من يطول تأثّره، ومنهم من لا يكاد يتأثّر بها لقوة شخصيته وثقته في نفسه، ومنهم من تبعث الكلمات والعبارات المحبطة التحدي في نفسه فيزداد حماسة للعمل ويزيد انتاجه، وهو ما يُحتم على رؤساء العمل تهيئة بيئة خالية من المُتخاذلين، مع وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إلى جانب تبصير كل موظف بالمطلوب منه، مع نشر العدل والمساواة والرقابة والثواب والعقاب. كلماتهم انهزامية: «راتبك وراتب اللي ما اشتغل سوا»، «والله محد درى عنك»، «لا تتعب نفسك» كسر مجاديف! وقال "سليمان العبدالكريم": إننا نصادف تلك النوعية من الأشخاص -الذين برأيي لا يحبون أن يروا غيرهم ناجحاً- يتحدثون بعبارات قد لا تكلفهم الكثير، لكنها تؤثر في الشخص المتلقي، مضيفاً أنه لابد من عدم الإصغاء لهم؛ لأن هؤلاء يبحثون عن مواطن الضعف في ذلك الشخص، حتى يبعدوه عن كل ما كان ينتجه في يومه أو عمله. الموظف الناجح يتجاوز كلام المُحبطين ويؤدي مهمته بإخلاص ويخدم العملاء "أرشيف الرياض" وأوضح "مازن الكثيري" أن كثيراً من الأشخاص الذين كانوا منجزين، تغيرت أحوالهم فجأة؛ نتيجة الاحباطات التي يتلقونها من حولهم، وهذا الأمر ملاحظ، مضيفاً أن البعض يحاول إحباط ما في داخل المبدعين من خلال الأشخاص المتخاذلين والمهملين، مبيناً أنه مع مرور الوقت ومع كثرة التخاذل و"تكسير المجاديف" نرى الشخص يقف عن مزاولة المهمة التي كان يزاولها بإتقان وتميز، ثم يصبح في مصافهم، مشدداً على أهمية تحفيز الشخصية الجادة والمتميزة، وأن لا تقارن بغيرها، حتى تستمر فيما هي عليه، ناصحاً أن يتنبه المدير أو رئيس العمل لهؤلاء المتميزين، كي يستمروا على الانجاز ولا ينصتوا لأحد. سلمان الشمراني غيرة داخلية وأكدت "الجازي السعدون" على أن تلك الشخصيات تكون غالباً في نطاق العمل وبشكل ملحوظ ومتكرر، وهم على النقيض يحبذون الكسل والفكاهة وقلّة الانجاز، وربما تأجيل المهام الى أوقات متأخرة، مضيفةً أن المُبدعين يتعرضون لمضايقتهم، الأمر الذي يجعلهم يستسلمون ويتوقفون عن الإنتاجية. وذكرت "هبه عبدالله" أنه ربما يدعوك شخص إلى التخاذل، ومع تكرار ذلك ترى نفسك متخاذلاً، وعلى الصعيد نفسه تراه أنت أو من حولك أنه أصبح منجزاً أكثر من إنجازك، مضيفةً أن ذلك ناتج عن غيرة داخلية، حيث يريد أن ينجز مثل ما تُنجز، لكن بعيداً عنك، مشيرةً إلى أن مثل هؤلاء لا يرغبون في المنافسة إطلاقاً.وقالت "بدرية الصبحي": إن افتقاد الشخص للمنافسة والبحث عن أفكار جديدة هو ما يجعل عطاءه ينعدم، فهو على وتيرة واحدة، يقضي كافة يومه بلا تجديد، وربما يشعر بالملل بما يقدمه طيلة عام، ومع الاحباط يرى أن ما يعمله شيء ممل ثم يتخاذل، مضيفةً أن بعض الأشخاص يعمل على تغيير مكان عمله كل فترة زمنية، بحثاً عن تجديد البيئة، وربما تعرف على شخصيات لها قدرتها على التحفيز، فينمي ما بداخله من نشاط وحيوية. عبدالرحمن الشمري استسلام للإحباط وبيّن "سلمان الشمراني" -مستشار في تطوير الأعمال والتنمية البشرية- أن هناك عدة دلالات للأشخاص المتخاذلين، وتختلف باختلاف دوافعهم، فمنهم من يخذل لأنه لم يستطع أن يكون جاداً في عمله، بل ولا يريد لهذا العامل الجاد أن يتميز عليه، ومنهم من يفعل ذلك لأنه يريد أن يكون هو الوحيد الذي يبدو جاداً في عمله، بل ولا يريد لآخر أن يشاركه ذلك، ومنهم من يفعل ذلك لأنه كان جاداً فأُحبط ثم استسلم للإحباط، ولا يريد أن يبقى هو الوحيد المخفق والمستسلم، كما أن منهم من يفعل ذلك لأنه كسول ولا يريد أن ينكشف بسبب جد شخص آخر، مبيناً أن منهم من يفعل ذلك ليستفيد من الوضع القائم، كأن يحصل على بدل عمل إضافي، حتى يزعم أنه لا يمكن إنهاؤه وقت الدوام العادي، فيأتي هذا الجاد فيفسد عليه مصلحته، لافتاً إلى أن منهم من يفعل ذلك لأنه لا يرى أن هناك فائدة للعمل الجاد، ففي نهاية الأمر الكل سواسية في الترقية بغض النظر عن الجد في العمل. اختلاف طبائع وأشار "الشمراني" إلى أن العبارات والكلمات المحبطة تختلف باختلاف طبائع وشخصيات من يتلقاها من العاملين، فهناك من الناس من تضعف الكلمات والعبارات المحبطة حماسه للعمل، بل قد يصل الحال ببعضهم إلى التوقف عن العمل تماماً، وهناك من يتأثر لبعض الوقت بها ثم يعاود نشاطه، ومنهم من يطول تأثره، ومنهم من لا يكاد يتأثر بها بطبيعته، ومنهم من تبعث الكلمات والعبارات المحبطة التحدي في نفسه فيزداد حماسه للعمل ويزيد انتاجه، مؤكداً على أن تأثير الكلمات والعبارات المحبطة يعتمد من ناحية أُخرى على طبائع وشخصيات المُخذلين، وكذلك مواقعهم في العمل، وعلاقاتهم بمن حولهم، فمنهم من له شخصية قوية ولسان حاد، وقد يكون صاحب منصب، أو يكون شخصاً مؤثراً في بيئة العمل، مبيناً أن بعض الكلمات والعبارات شديدة التأثير. وذكر عدة طرق يمكن من خلالها تهيئة بيئة عمل خالية من الأشخاص المحبطين، وتحقيق ذلك من خلال وضع أهداف واضحة وواقعية في العمل، مع وجود توصيف وظيفي واضح لكل وظيفة، وحسن اختيار العامل، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إلى جانب تبصير كل موظف بالمطلوب منه، وتمكين العامل بكل ما يجعله يتقن عمله من المعدات إلى التدريب، كذلك العدل والمساواة والرقابة والثواب والعقاب. عدة حلول وقدّم "الشمراني" عدة حلول منها استراتيجية طويلة الأجل، لكنها تحل المشكلة من جذورها، وذلك من خلال البرامج الاستشارية العملية، وهي برامج تعمل على دراسة بيئة المنشأة، مع تحديد مواطن الاحباط وأسبابه الحقيقية، ثم معالجة تلك الأسباب حتى تتهيء البيئة المناسبة للعمل الجاد، مضيفاً أن حلول تنظيمية تحتاج وقتاً وجهداً وخبرة، وهي تعنى بوضع الموظف خاصةً الجاد في المكان الذي يناسب طاقاته وقدراته، ثم تقدير ما يفعله من عمل، إلى جانب رفع مستوى ومهارات التواصل الفعال في بيئة العمل، ورفع الروح المعنوية للمحبطين، والتعرف على ما يبث روح الاحباط وعلاج مشكلاتهم إن كانت حقيقية، أو محاولة علاجهم، أو التخلص منهم إذا لم يمكن علاجهم، حفاظاً على روح التفاؤل والجدية، مؤكداً على أن هناك حلولاً سريعة تُعنى بمساعدة الموظف في تحصين نفسه من الاحباط والمحبطين، وذلك من خلال ما يسمى برامج التنمية الذاتية، التي تركز على النجاح الشخصي للموظف في التعامل مع النقد والاحباط، وهي برامج توجيهية تقدم من خلال متخصصين ويتم تكررها كل ما دعت إليها الحاجة. مشاعر سلبية وقال "عبدالرحمن بن ساير الشمري" -مستشار في الشؤون الاجتماعية-: إن الأشخاص المحبطين هم أصحاب مشاعر سلبية، ومن كان لديه هذا النوع من المشاعر فهو شخص ضار، بل ومدمِّر لنفسه وللوسط الذي يعيش فيه، مطالباً الاشخاص من ذوي الشخصية الناجحة أن يجتهدوا في تقليل الاحتكاك بهؤلاء ما استطاعوا، وفي نفس الوقت أن يوجد حولهم مجموعة إيجابية داعمة ومحفزة للإنتاج والعمل والتطور، مُشدداً على ضرورة تنشئة الأطفال بطريقة متماسكة ومتوافقة مع شخصياتهم، بحيث تستطيع أن تتعامل مع مثل هؤلاء المحبطين دون تأثر يذكر، مبيناً أن هناك عدة أسباب تجعل هؤلاء الأشخاص يحاولون إحباط من حولهم، ذاكراً أحد العوامل الهامة وهي التنشئة الأسرية التي يتلقاها الأفراد أثناء فترة حياتهم الأولى، والأدوار التي ينتظمون فيها، مشيراً إلى أن نظريات علم الاجتماع تركز على السبل التي بها تتشكل الذات وتتم السيطرة عليها من خلال التنشئة، مُشدداً على أهمية أن تعي كل أسرة الدور المطلوب منها في غرس القيم الإيجابية، وأن تركز بشكل واضح على ما يزيد من الصحة النفسية والتوافق الشخصي لطفلها، ثم يأتي دور وزارات التربية والتعليم في إكمال مسيرة الغرس القيمي الإيجابي. وأضاف: هنا رسالة يجب أن تنشر في مجال التربية والتعليم أنه حان الوقت لتربية الناشئة على القيم؛ لأن كل شيء ممكن أن ينسى إلاّ القيم عندما يتشربها الفرد في صغره، ثم يأتي دور الإعلام بكافة أنواعه.