أطلق صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة مبادرة للحرب على ثقافة الإحباط، ودعم ثقافة التفاؤل وصولا إلى أعلى المستويات علميا وثقافيا وصناعيا. وتبنى سموه هذه المبادرة إذ اعتبر ثقافة الإحباط هجمة شرسة قيدت عزيمة الشباب والفتيات، وكان مما قاله في محاضرته الأخيرة في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة ردا على سؤال إحدى التربويات: «فعلا هناك ثقافة للإحباط وهي من الهجمات الشرسة التي يواجهها مجتمعنا، وهناك تأثيرات خارجية كبيرة تريد أن تقنعنا بأننا لا نستطيع أن نفعل شيئا وللأسف صدقتها بعض العناصر في الداخل». وأضاف: «لا يجب أن نكون ببغاوات ننقل كل ما يقال عنا ونردده، أنا ضد ثقافة الإحباط وضد الأمثلة الشعبية التي نرددها كل يوم مثل «مدد رجولك على قد لحافك» وكأننا لا نستطيع شيئا، بل كل ما يفعله الإنسان في البلاد المتقدمة نستطيع أن نفعل مثله وأكثر منه إن شاء الله، نحن بلد الإسلام وأهل القرآن ونعتز ونفخر بديننا وبوطننا وترابنا وسمائنا ونستطيع الوصول إلى أرقى المستويات علميا وثقافيا وصناعيا، ويجب أن ننفض عنا غبار الإحباط ونبدأ بالتفاؤل والأمل والثقة في النفس وأعتقد أن المجتمع السعودي أصبح في هذه الآونة بالذات يتمتع بهذه الثقة والتفاؤل، وتستطيعون أن تثبتوا للعالم أجمع أن الإنسان السعودي يستطيع أن يفعلها». هذه الكلمات تعبر عن مدى هذه المبادرة القوية التي يجب أن نسير عليها وصولا إلى الهدف الأسمى والغاية العظمى في بناء الوطن والإنسان وتنمية الذات ونفي روح الكسل والخمول والتثبيط. في جولة سريعة لأخذ مفهوم بعض أفراد المجتمع من شرائح مختلفة حيال ثقافة الإحباط يقول أحدهم وقد رمز لاسمه ب(بدون اسم): «إن يكون مجتمع معين يعاني كل أفراده من إحباط مزمن بدون وجود سبب مباشر، الشخص الذي يعاني من إحباط مزمن هو شخص يحتاج كميات كبيرة من التشجيع والتصفيق والتهليل، وبث روح الأمل والعطاء من أجل أن يقوم بعمل صغير عادي نفعله كلنا بدون أن ننتبه». ويقول آخر بالاسم ذاته، الإحباط هو العيش على ذكرى الفشل وعدم نسيانه والسباحة في آثاره الجانبية، أما «الكونت» فيقول: ثقافة الإحباط هي أن تفشل في اختيار شريكة حياتك أي زوجتك، وتفشل في اختيار عملك وتفشل في اختيار مستقبلك. أما «عمر السوري» فيقول: المقصود، إذا شخص ما أبدع في مجال ما أن يقال له كسر الله من أمثالك بدلا من أن يقال له كثر الله من أمثالك. هذه نماذج يسيرة لبعض المفاهيم حيال هذه الثقافة، وهنا يقول الدكتور عوض القرني وهو الداعية وخبير في البرمجة العصبية اللغوية: المؤمن لا يصح ولا يجوز إلا أن يكون متفائلا، واليأس والإحباط لا يجتمعان مع الإيمان. ويضيف: المؤمن حسن الظن بربه تعالى وأمر المؤمن كله إلى خير إن أصابته سراء أو ضراء، والمؤمن إذا ادلهمت عليه الخطوب وتكالبت عليه الأحداث رأى في ذلك فرصة لكسب الأجر وتصحيح المسيرة وإعادة التقويم وارتفاع الدرجات. ولذلك المؤمن لو كشفت له حجب الغيب لما اختار غير ما اختاره الله له وهو يعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء، وأن الله تعالى بنا رؤوف رحيم يغفر الذنب العظيم ويقيل العثرة وبالتالي فلا يضر المؤمن حال يكون فيه مصابا باليأس والإحباط، وبالذات أنه يعلم أن العاقبة لأهل التقوى والإيمان وأن الله تعالى وعده بفضل منه ونصر منه وتأييد ومن هنا فالمؤمن لا يمكن أن يكون محبطا ولا يائسا. وفيما يتعلق بالبرمجة العصبية اللغوية يقول القرني: إنها آليات وطرائق معينة، فمن وقع في الإحباط واليأس يمكن في هذه الوسائل والطرائق أن يستعيد توازنه ليدرك حقيقة الموقف الذي يجب أن يكون عليه والذي أشرت إليه قبل قليل وهو موقف المؤمن السليم. المحيط الاجتماعي أما الدكتور عبدالله البريدي، الكاتب والأكاديمي الحاصل على الدكتوراة في السلوك التنظيمي، فيقول: الإحباط يمكن أن نتعلمه من محيطنا الاجتماعي، والخطورة الأكبر أن الإحباط قد يتحول إلى سمة ثابتة في شخصياتنا بعد أن كان مجرد حالات عابرة، وهذا يعني أن هناك ثقافة إحباط لابد من تفكيكها. وأضاف: حين نقول (ثقافة الإحباط) تتخلق في الذهن تساؤلات عدة من أهمها، هل الإحباط بوصفه كائنا نفسيا أو اجتماعيا له ثقافة ونحن نروم الآن التعرف عليها، وهل الثقافة بوصفها المشكل لشخصية الإنسان والمجتمع هي التي تصنع الإحباط ونحن نتطلع إلى التعرف على كيفية حدوث ذلك ومسبباته؟ أم أننا كبشر نقوم بإنتاج الإحباط ومن ثم تصديره لتلك الثقافة؟ أم أن هنالك خيارا ثالثا يذهب إلى أن التأثير تبادلي تفاعلي؟ وفي هذه الحالة نتساءل: من يسبق من في التأثير والتأثر؟ ويوضح البريدي أن التعاطي مع تلك الأسئلة وتفكيكها أمر معقد، لاسيما إن كنا نريد اجتياز مستويات وصف الظاهرة إلى مستويات تفسيرية لها، غير أن هذا المقام التحليلي المكثف لا يتيح لنا التوسع كما يقتضيه الحال. ويؤكد أن الإحباط يمكن تعلمه من المحيط الثقافي للإنسان وأن مصادره ثلاثة: إحباط متراكم أو متقادم من الماضي، وإحباط تخلق من جراء كارزمية الرموز الثقافية، وإحباط تأسس بسبب تقليد الآخر (داخل الثقافة أو خارجها). ويوضح أن الإحباط حالة تشعر الإنسان بالعجز أو فقدان الأمل من الوصول إلى غاية ما أو تحقيق إشباع ما، وقد يكون ذلك الشعور واعيا وقد لا يكون، وهو حالة طارئة على الإنسان، فالإحباط ليس أصلا، بل هو استثناء، غير أنه قد يتحول إلى سمة لازمة، أي أنه يستحيل إلى (الإحباط السمة) بعد أن كان (الإحباط الحالة)، وهنا تكمن خطورة بالغة، حيث ينشط الإحباط كفيروس متخصص في الهجوم على جهاز (المناعة النفسية)، الأمر الذي يعني أن الفعل الإنساني معرض للإصابة بأمراض التشاؤمية والقلق الحاد والاكتئاب واليأس، وقد تحول اتجاه الضبط أو مركز التحكم Locus of control لدى الإنسان إلى (الضبط الخارجي)، فكل شيء يلصق بجهة خارجية، مع إصدار صك تبرئة مطلقة للذات. ويضيف: هنا يجب أن نعاود السؤال: ما ثقافة الإحباط؟ وهل مصدرها نحن البشر بأفعالنا وتصرفاتنا؟ أم أن الثقافة لها قابلية إنتاج الإحباط أيضا بطريقة تشبه أو لا تشبه طريقتنا لتقوم بعد إنتاجه بتصديره لنا من خلال بعض الأدوات الثقافية كالتفكير الجمعي والذاكرة الجمعية؟ وفي تلك الحالة هل (الإحباط) سمة للثقافة أم و وظيفة لها؟ الضغوط المحبطة الإعلامي تركي الدخيل يقول: المجتمع السعودي مثلا وبعض المجتمعات الخليجية تخضع لضغوط من الثقافة المحبِطة، فما أن يحاول أحدهم أن يبدع، أو أن يقوم بابتكار أو تطوير موهبته التي يحب ألا يتعرض للسخرية والتهريج من قبل المحبِطين، فإن أراد أن يكون شاعرا نعتوه بالمتنبي سخرية، وإن أراد أن يكون أديبا عيروه بنجيب محفوظ تهكما. تفشي الإحباط أما الكاتب السعودي عبدالله المغلوث فيفسر سبب تفشي الإحباط في مجتمعنا مرجعا ذلك إلى تخلينا عن الفرح وانصرافنا عن البهجة، ونسياننا أن الأفراح الصغيرة وقود للأفراح الكبيرة، وأن السيل يبدأ بقطرة، والشجر ينهض من بذرة. وسائل الإحباط أما خبير التنمية البشرية الدكتور سليمان العلي فطالب بالابتعاد عن الوسائل المؤدية إلى الإحباط والقلق والتردد، موجها الشباب بالانطلاق وتحقيق أهدافهم في الحياة بما يتناسب مع قدراتهم، لافتا إلى أن الإنسان في الحياة بدون أهداف كالقارب بلا شراع تتقاذفه الأمواج. الإحباط والمعاناة الدكتور محمد بن شيبان العامري مدير إدارة البرامج العامة والتدريب في وزارة التربية والتعليم، أكد أن الإحباط والمعاناة يساعدان دائما على التقدم إلى الأمام متى اتعظ الفرد منهما، فهذا العالم الذي نعيش فيه ما هو في الحقيقة إلا فرصة لك لتطور شخصية الإنسان. ويوجه العامري نصائحه للجميع بقوله: أعلم أن الإيمان بالله أساس كل نجاح، وهو النور الذي يضيء لصاحبه الطريق، وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي، فالإيمان يمنحك القوة وهو بداية ونقطة الانطلاق نحو النجاح، وهو الوقود الذي يدفعك نحو النجاح، والأمل هو الحلم الذي يصنع لنا النجاح. فرحلة النجاح تبدأ أملا ثم مع الجهد يتحقّق الأمل، فلا تقف عند الذكريات الأليمة، وتبقّي نفسك سجين الدمعة والآهات لأن هذا شيء سلبي؛ بل اجعل لك أهدافا سامية تأمل بإذن الله تحقيقها وتسعى جديا لذلك؛ فالطموح كما قالوا ينسيك الجروح. وعليك بعد ذلك أن تكتشف مواهبك وقواك الداخلية، وتعمل على تنميتها، ومن مواهبنا الإبداع والذكاء والتفكير والاستذكار والذاكرة القوية. ويمكن العمل على رعاية هذه المواهب والاستفادة منها بدل أن تبقى معطلة في حياتنا. ثمّ عليك أن تبقى وسط أحداث الحياة ونشاطاتها، فالحياة عبارة عن فصل دراسي تتعرض فيه للاختبار ويتوقع منك أن تحقّق تقدما مهما خلال فترة زمنية معقولة، وإن لم تستفد في فصل الحياة فإنها ستعيد لك الدرس تلو الآخر حتى تتعلّم وتنجح، وهذا يشبه إلى حد كبير الفصول الدراسية، فمتى ما رسب الشخص فإنه إما أن يعيد الفصل حتى ينجح أو ينسحب! فانظر، هل كنت تنظر لحالات الفشل بأنها فشل كلي، أم كنت تنظر لها بأنّها فشل للمحاولة ذاتها والتي قد قمت بها؟ إذ أن هناك فرقا كبيرا بين الاثنين. فإن كنت تعتقد بأنك شخصيا قد فشلت فهذا من شأنه أن يثنيك عن أداء محاولات أخرى، لأنك تكون بذلك قد قللت من شأنك، ومن قدراتك الشخصية. أما إن كنت تعتقد أن محاولتك كانت فاشلة، فهذا من شأنه أن يجعلك تقوم بدراسة سبب فشل محاولتك الأولى لتقوم بتجنب مسبباتها. وعلى أية حال، لا يوجد هناك فشل حقيقي، فما ندعي بأنه فشل ما هو إلا خبرة قد اكتسبناها من واقع تجاربنا في الحياة، إذ إن الشخص الفاشل هو الذي لا يتعظ من تجاربه، بل يعتبر الأمر منتهيا من حيث فشله! حسن الظن الداعية الدكتور عائض القرني، يقول: لنكن جميعا ممن كان حسن ظنهم بالله تعالى ناشئا عن شهود جماله ورؤية كماله فلا ينقطع حسن ظننا بالله سواء واجهنا بجماله أو بجلاله؛ لأن اتصافه تعالى بالرحمة والرأفة والكرم والجود لا ينقطع، فإذا أصابنا بجلاله أو قهريته علمنا ما في ذلك من تمام نعمته وشمول رحمته فغلب علينا شهود الرحمة والجمال، فدام حسن ظننا على كل حال. أو نظرنا إلى سالف إحسانه وحسن ما أسدى إلينا من حسن لطفه وامتنانه فقسنا ما يأتي على ما مضى فتلقينا ما يرد علينا بالقبول والرضى. ولا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خصلتان ليس فوقهما من البر شيء: الإيمان بالله والنفع لعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء: الشرك بالله والضر لعباد الله». روح التفاؤل أما الدكتور سلمان العودة، فيقول: إن التفاؤل روح تسري في الروح؛ فتجعل الفرد قادرا على مواجهة الحياة وتوظيفها، وتحسين الأداء، ومواجهة الصعاب، والناس يتفاوتون في ملكاتهم وقدراتهم، ولكن الجميع قادرون على صناعة التفاؤل. ويضيف: الجبرية المطلقة انتحار، واعتقاد المرء أنه ريشة في مهب الريح، أو رهن للطبائع والأمزجة التي ركب عليها أو ورثها عن والديه، أو تلقاها في بيئته الأولى، وأنه ليس أمامه إلا الامتثال إهدار لكرامته الإنسانية، فلا بد من قرار بالتفاؤل ؛ فالتفاؤل قرار ينبثق من داخل النفس هذا أولا. فالمظهر والشكل الموحي بالثقة في المشي والحركة والالتفات والقيام والقعود والنظر والكلام والمشاركة مهم؛ فلا تتوهم أن الناس ينظرون إليك بازدراء، واثق الخطوة يمشي ملكا، وحتى تلك العيوب أو الأخطاء في مظهرك وشكلك وحركتك، عليك ألا تقف عندها طويلا، ولا تعرها اهتماما زائدا، وتدرب على الابتسامة. وزاد: انضح قلبك بالطيب وأنت بإذن الله على ذلك قادر، انوِ النية الطيبة ، ولا تحسد الناجحين، افرح للناجحين، واهتف لهم، واكتب لهم، وأثنِ عليهم ، وابتسم لنجاحهم؛ تكن شريكا لهم، لا تجعل الناس مادة للسخرية أو الابتزاز، وعليك بالنظرة الإيجابية. وجود الفرصة المفكر الإسلامي الدكتور عبدالكريم بكار، يقول: إن أعظم ما في التفاؤل أنه يشير دائما إلى وجود فرصة لعمل شيء أفضل وأجود ، وإذا تأملنا في أحوال المتفائلين، فإننا نجد أنهم ينقسمون أيضا إلى فريقين: فريق يتحدث عن التفاؤل، ويطرب لسماع كل ما يشير إليه، وفريق يصنع التفاؤل، أي يسهم في تقدم الحياة العامة وازدهار معاني النبل والفضيلة.