يكمل الربيع العربي عامه الثاني متنقلا بين بلدان مختلفة حيث تغيرت قيادات تلك الدول وحل محلها آخرون فهم إما قدموا من صفوف معارضة تعرضت للقمع خلال فترة الحكم السابق كما في مصر أو تونس، أما في ليبيا فلأن النظام كان قاسيا ومتسلطا فقد اكتشف العالم أن الرماد الشعبي في ليبيا يقبع تحته عشرات الأفكار السياسية التي دفنها القذافي حية ولكن الشعار الإسلامي ظل مرفوعا وراغبا في إثبات نفسه بالسلم أو بالقوة. ليس هناك من شك اليوم أن المعادلة السياسية في الأزمة السورية لم يعد موضوعها الثورة فقط وتغيير السلطة مع العلم أن هذا مطلب رئيس لحماية الدم العربي السوري ولكن السؤال يقول هل الغرب يعيد البوصلة إلى اتجاه جديد حيث تختلط أوراق كبرى في صراع المنطقة؟ في سورية تقترب الثورة من عامها الثاني في بلد قريب من إسرائيل حليف الغرب كله بلا استثناء، ففي الثورة السورية تتغير خطط الغرب الداعم للثورات العربية ويصل بالسياسيين الغربيين إلى ابداء قلقهم من الفكرة الإسلامية المدموجة داخل الثورات العربية بعدما كان الأمر لا يعنيهم بشكل كبير في مصر وتونس وليبيا، ولكن التحركات السياسية الغربية أبرزت أن الأمر مختلف في سورية فلماذا تتغير متطلبات الثورات العربية من جانب الغرب هناك في سورية..؟ الدول العربية تتطلع إلى وقف حمام الدم والغرب لا يهمه ذلك النهر من الدماء العربية كما يبدو، ولم يتردد وزير خارجية روسيا من القول بأن نهر الدم سوف يستمر في سورية ثم تأتي بعده وزيرة الخارجية الأمريكية لتعلن أن الموقف الأمريكي يتغير من جانب المعارضة، وأن المؤهلين للحكم وقيادة سورية بعد الأسد مختلفون تماما عن المحاربين الذي نراهم في الصورة الإعلامية. إذن ما هي الحقيقة التي تخيف الغرب اليوم..؟ لماذا نجد الغرب يتقارب اليوم مع روسيا باحثا عن منظر جديد في الأزمة، فروسيا بقيت معارضةً كل الوسائل الدولية لمعاقبة نظام الأسد وطرده من الحكم، ثم لماذا يبحث الغرب عن مخرج بوجود روسيا؟ ولماذا تهدأ تركيا وتختفي إيران من الصورة بينما تدير هي الأزمة بل تدير سورية بكاملها ..؟ أسئلة مقلقه قد تعيد حسابات الشارع العربي الشعبي والذي أصبح تأثيره أقوى مما كان عليه سابقا وخاصة إذا ما اكتشف العرب والمسلمون أن الهدف الغربي وتقلباته مرتبطان بالقلق من فكرة الإسلام نفسه. حينها سوف يتجرد المسلمون من حزبيتهم عندما يكون الإسلام هو الهدف، فعندما انطلقت الثورات العربية لم يكن هناك الكثير من القلق حول من يأتي إليه الدور ليحكم في دول الربيع العربي ونشأ في داخل التيارات الإسلامية على اختلاف أشكالها نوع من الهدنة السياسية مع الغرب لأنها سمحت بتمكن تلك المجموعات من أن تشق طريقها نحو قمة الحكم في بلدان معروفة من أوطان الربيع العربي. تداول الغرب الكثير من المسائل حول قدرة الإسلاميين على إدارة تلك الدول وآليات التعامل مع المعاهدات الدولية ولكن الخطاب السياسي لدول الثورات العربية بدأ وكأنه يريد أن يقول شيئا مختلفا فبعد خطاب الرئيس المصري محمد مرسي في الجمعية العمومية أمام العالم اجمع بدا أن هناك حديثا جديدا يجب أن يُسمع من تلك الدول القادمة إلى الساحة السياسية الدولية. تصاعد الخطاب الإسلامي وطريقة تداوله جعلا الغرب يفكر بطرق مختلفة من اجل حماية نفسه ومصالحه وخصوصا إسرائيل وأصبح الغرب بشقيه المتنافسين على سورية قلقاً بشأن تقرير من هو القادم الحقيقي، وما صورته هل هم الإسلاميون أم هو الإسلام..؟ ما يبدو مقلقا للغرب اليوم هو سؤال حول إمكانية انقسام الإسلام وقدرة معتنقيه من السياسيين نحو بناء حزب إسلامي له طابع سياسي يستطيع أن يتكيف مع متطلبات المنطقة السياسية ومتطلبات المصالح الغربية، وهنا لابد أن يتعلم الغرب أن المسلمين يمكن أن يكونوا فرقا ومذهبيات متصارعة ولكن يستحيل أن يكونوا أحزابا سياسية متنافسة. في بداية الثورات العربية توقع الغرب أن الإسلاميين هم القادمون بحزب مشتق من الإسلام سوف يجعلهم قادرين على فهم اللعبة السياسية، عندما وصل الأمر إلى سورية اتضح أن الصورة الحقيقية تغيرت وبدأ الغرب يفكر بطريقة جديدة لأن الغرب قد يجد نفسه أمام مواجهة الإسلام ذاته، وهنا يمكن أن تعود تلك النظريات القائلة بحتمية المواجهة التاريخية بين الأديان. ليس هناك من شك اليوم أن المعادلة السياسية في الأزمة السورية لم يعد موضوعها الثورة فقط وتغيير السلطة مع العلم أن هذا مطلب رئيس لحماية الدم العربي السوري ولكن السؤال يقول هل الغرب يعيد البوصلة إلى اتجاه جديد حيث تختلط أوراق كبرى في صراع المنطقة؟ وهذا ما يجعل القلق يزداد كثيرا حول مستقبل هذه الأزمة في سورية. لم تعد القضية ثورة تنتهي بالإطاحة بالرئيس بل أصبحت متشعبة تتداخل فيها أطراف كثيرة منهم الخائفون على مصالحهم، ومنهم المدعوون إلى مواجهة حتمية مع الأزمة؛ ولذلك يجب على الذين يحاولون تفسير تلك التراجعات وانخفاض الحماسة من الدول ذات العلاقة بالأزمة السورية أن يدركوا أن الثورة السورية فتحت لها مخارج كثيرة واحتمالات متعددة كلها تحمل في طياتها مخاطر إقليمية ودولية. في البداية كثير منا كان يعتقد أن روسيا تحاول عقاب الغرب القريب منها وخاصة أمريكا لما فعلته بها في أفغانستان ولكن اليوم نكتشف أن الغرب يستميت بكل أركانه كي لا تتحول سورية إلى أفغانستان وطوابير جهاد.. كل هذا الخوف ليس من اجل مصلحة سورية ولكن من اجل مصلحة إسرائيل التي يخشى الغرب أن تحيط بها دول تدار بفكر الإسلاميين وخاصة أن الشعوب العربية جاهزة لتذكر كل تجاوزات إسرائيل واحتلالها ومذابحها.. ومهما كانت قوة الغرب وإسرائيل فلن تكون الشجاعة الغربية قادرة على إيقاف قوة العاطفة التي يمتلكها المسلمونن عندما تشكل الدول التي تحكمها مسارات سياسية إسلامية أكثر من نصف العالم العربي. لماذا يخاف الغرب قدوم الإسلاميين اليوم في سورية بينما لم يخف منه في مواقع أخرى في العالم العربي؟ هل يعبر ذلك عن تدارك خطأ سياسي ام عن اكتشاف لصور جديدة في الثورات العربية؟ هذه معادلة صعبة ولن تكون اللعبة السياسية قادرة على إدارتها وقد يعيد الإسلاميون منظمة القاعدة واستنساخ ابن لادن جديد وخاصة أن هناك مَواطن كثيرة ينشط فيها التيار الجهادي الإسلامي فهو متواجد في اليمن وشمال مالي وفي أفغانستان وباكستان وفي سورية وفي دول الربيع العربي كلها دون استثناء..