من وقع في الفخ في المأساة الدائرة على ارض سورية؟ هل وقع الغرب واكتشف حدود قدرته واكتشف ايضاً رغبة اللاعب الروسي في الثأر لمصالحه وهيبته وأسلحته من شوارع حمص الى قاعة مجلس الامن؟ وهل وقع الرعاة الاقليميون ل «الربيع العربي» في الفخ، واكتشفوا ان ما يصدق في ليبيا لا يصدق في سورية؟ وهل تؤدي التطورات الميدانية الى قلب الصورة فيتضح في النهاية ان روسيا الراغبة في معاقبة الغرب وتركيا والعباءة «الإخوانية» ل «الربيع العربي» هي التي وقعت في الفخ؟ اسئلة كثيرة تثيرها المذبحة المفتوحة في سورية، مع الالتفات الى ضرورة تحديث الاجابات في ضوء المستجدات الميدانية وبينها انخراط دمشق وحلب في دائرة النار علاوة على التفجير الذي اودى بعدد من حراس النظام. شرح الرئيس فلاديمير بوتين لمن التقاهم في الاسابيع الماضية موقف بلاده من الاحداث المأسوية الجارية في سورية. قال ان الاكتفاء بقراءة هذا الموقف من زاوية مستقبل القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس او من زاوية مشتريات سورية من السلاح الروسي هي قراءة ناقصة ومبسطة. اشار بوتين الى خصوصية الوضع السوري. دولة متعددة المكونات الدينية والمذهبية والإثنية تقع في قلب الشرق الاوسط مجاورة لإسرائيل وتركيا والاردن والعراق ولبنان. قال بوتين ايضاً ان ما يجري في سورية يعني امن المنطقة واستقرارها. لفت الى ان انفجار التركيبة السورية، بفعل حرب اهلية مدمرة، سيبعث برسالة سيئة وخطيرة الى دول الجوار. وأشار الى ان سورية تمتلك ترسانة من الاسلحة الصاروخية والكيماوية يمكن ان تتحول خطراً كبيراً، اذا فقد الجيش السوري سيطرته عليها. رأى الرئيس الروسي ان مقاربة الدول الغربية للوضع السوري غير واقعية. وأكد ان بلاده لن تقبل ان تستيقظ ذات يوم على مشهد ليبي في سورية، ولهذا تعارض في مجلس الامن اي مشروع قرار يمكن ان يعتبره الغرب تفويضاً بالتدخل العسكري هناك. حذّر من ان مثل هذا التدخل سيؤدي الى إشعال المنطقة وخلق حرائق عابرة للحدود وشيوع التطرف وتهديد تماسك دول. انتقد الحماسة الزائدة لدى تركيا، مستغرباً اصرار رجب طيب اردوغان على اسقاط بشار الاسد، بعدما كان وعلى مدى سنوات صديقه ولا يفوّت فرصة للإشادة به. واستبعد حصول تدخل عسكري غربي لأسباب كثيرة، مؤكداً في الوقت نفسه ان روسيا لا ترسم سياستها على اساس مستقبل شخص او مصيره. وترى ان الحل يجب ان يكون سياسياً وأن يقرر السوريون بأنفسهم مستقبل الاسد. قال احد الذين التقوا بوتين انه يتصرف وكأن الغرب وتركيا وقعا في فخ الازمة السورية. يطلقان المواقف ويعجزان عن التدخل العسكري ويعجزان ايضاً عن تجنيد مجلس الامن لإسقاط الاسد. خرج المحاور بانطباع ان روسيا تريد الاستمرار في استثمار عائدات وقوع أخصامها في الفخ. توقف ايضاً عند قول بوتين ان عدد المنتمين الى الاقليات في سورية ليس بسيطاً وأن موسكو لا تستطيع قبول تعرض هذه الاقليات لمذابح او عمليات تهجير. روسيا بوتين تكره اصلاً منظمات حقوق الانسان والرعاية الغربية لحق الاحتجاج. تخشى على نفسها ومن انتقال العدوى الى مسلميها. لدى الصين ايضاً ما تخشاه في هذا السياق. وربما ارادت روسيا تذكير اميركا بالحاجة الى اعادة رسم مناطق النفوذ ومعالجة ملفات عالقة بينها الدرع الصاروخية. التطورات الميدانية في سورية تنذر بإرباك الاستثمار الروسي لما تعتبره مأزق الآخرين. واضح ان النظام في سورية لا يزال قادراً على القتال لكنه لم يعد قادراً على الخروج من النفق. ما يجري في دمشق وحلب قد يغير الصورة. كانت روسيا تطالب الغرب بأن يدفع ثمن الحل. التطورات قد تلزمها بأن تدفع هي ثمن فتح الباب. ربما تكتشف روسيا انها وقعت في الفخ. فخ رهان خاسر في سورية. وفخ الاصطدام بالمشاعر العربية والاسلامية والغربية في آن. ايران بدورها ستكتشف حجم الفخ الذي وقعت فيه. موقفها في الازمة السورية يضاعف عزلتها العربية والاسلامية والدولية ويرشحها لمزيد من المخاوف في منطقة حبلى بالمفاجآت. حصدت ايران سابقاً عائدات وقوع اميركا في الفخ العراقي ويمكن ان تدفع الآن ثمن وقوعها هي في الفخ السوري. «حزب الله» معني هو الآخر بقراءة أثمان الخروج من الفخ.