مرة أخرى تدخل الساحة الرياضية السعودية اختبار العقلانية وترسب فيه، وهذه المرة على إثر أحداث مباراة الأهلي والاتحاد الأخيرة في إياب نصف نهائي دوري أبطال آسيا، إذ على الرغم من أن المحصلة النهائية للمباراة في نهاية المطاف جاءت بانتصار سعودي بعبور أحد طرفيها للنهائي الآسيوي الكبير إلا أن التعاطي مع الحدث كان سيئاً من جميع أطرافه. لن أقف هنا طويلاً عند الحماقة التي ارتكبها لاعب الاتحاد إبراهيم هزازي والتي شاركه فيها بعض زملائه في الفريق، ولا عند ردة الفعل التي لا تقل عنها حماقة من لاعب الأهلي منصور الحربي وإن حاول البعض تبرير ذلك تحت ذريعة الدفاع عن النفس كما فعلت إدارة ناديه، فتصرفهم جميعاً على شدة بشاعته إلا أنه لم يكن مستغرباً لا من اللاعبين أنفسهم، ولا من الحدث نفسه. الأجواء التي سبقت المواجهتين كانت تحضر لشيء من هذا النوع سواء داخل الملعب أو في المدرج منذ أحداث النهائي الخليجي في بطولة الطاولة بين الفريقين وأهزوجة "تش.. تش" العنصرية وما صاحبها من اعتداءات جماهيرية، وقد حذرت شخصياً ودعوت إلى حتمية مواجهة الحقيقة الخطيرة وعدم الالتفاف على الواقع، وإن تجاوبت إدارتا الناديين عبر بيان مشترك تضمن لغة راقية وعبارات جميلة؛ لكنه لم يكن كافياً، خصوصاً مع وجود جوقة لم يكن من عمل لها في تلك الأثناء إلا عزف الألحان التعبوية التي تلهب الحدث وتغذيه بكل ما من شأنه إحداث الانفجار في ساعة الصفر. المؤسف وعلى الرغم مما حدث فلا زالت جوقة الجنون تعزف لحن تجييش مشاعر الاستعداء والكراهية بين الناديين، والمؤلم أن ثمة في الناديين من يتفاعل مع هكذا ألحان، سواء عبر بيانات، أو مقالات، أو مداخلات تلفزيونية وإذاعية، وكلها تذهب باتجاه واحد وهو التأليب على هذا النادي أو ذاك، في وقت يفترض أن يحضر صوت العقل في كلا الناديين خصوصاً في الجانب الرسمي، بدلاً عن التماهي مع الفعل ورداته، فالأهلي أمام مهمة باتت أكثر صعوبة حيث سيواجه أولسان الكوري في النهائي الآسيوي بعد أيام، والاتحاد أمام مهمة معالجة أوجاعه حتى لا تتفاقم. في هذه الأجواء الملبدة بالفوضى يستحق الاتحاد السعودي لكرة القدم التحية، إذ لم يتجاوب مع الدعوات المتشنجة باتخاذ عقوبات خارجة عن صلاحياته، ولم يركب موجة التحريض بحتمية تدخله، إذ نجح بالنأي بنفسه من الدخول في لعبة الاصطفافات، على الرغم من أنه متهم بذلك، إذ لا تخفى على أحد الاتهامات المباشرة أو الإيحاءات الواضحة التي طالت ولا زالت رئيسه أحمد عيد من جهة أهلاويته، والتي تعززت عند البعض بسبب بعض الأخطاء التي ارتكبها لكنه نجح هذه المرة في تجاوز هذا الاختبار الصعب بالاحتكام للقانون. الأمر لا يقف عند هذا الحد فالعقلانية غابت في المشهد الاتحادي- الأهلاوي إلى حد أن ثمة من دعا إلى التدخل الحكومي عبر مطالبة الرئيس العام لرعاية الشباب باستصدار عقوبة شطب بحق المتسببين في الأحداث، وهي دعوة تعيدنا إلى الاعوام التي كان يغيب فيها القانون ويحضر فيها التسلط، وهو ما لا تقره المرجعيات الرياضية الدولية، لكن كل ذلك ليس مستغرباً، فإذا غاب العقل حضر الجهل، وليس لنا ونحن نشاهد حفلة الجنون هذه إلا أن نتمتم: ألا قاتل الله الجهل!