لسكة حديد الحجاز قصة طويلة ترويها لنا، فهي جزء لا يتجزأ من التاريخ العربي الحديث، وهي أحد شواهده، وتعرضت لما تعرض له العالم العربي من جزر ومد وإقدام وإحجام، وانتصارات وانهزامات وأخيرا (انتكاسة)، وسبات لم تفق منه حتى الآن، وتبدأ قصتها مع السلطان عبدالحميد الذي بدأ في بنائها في عام 1900، وانتهى منه في عام 1908، وكان الغرض من بنائها خدمة الحجيج، ولكن ربما بدون أن يريد فإنها ربطت الحجاز الذي كان معزولا بقلب العالم العربي في دمشق، ولكن عندما قامت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، أرسلت بريطانيا جاسوسها لورنس في عام 1916 ليقطع أوصال الامبراطورية العثمانية ويفصل الحجاز الذي تتجه إليه أفئدة العالم الإسلامي عن الامبراطورية العثمانية، وقد استطاع لورنس أن ينجح في مهمته بمساعدة الشريف حسين أمير مكةالمكرمة الذي كلف ابنه فيصل بمساعدة لورنس، ورغم أن لورنس انتصر في مهمته، إلا أنه تعمد تخريب الخط الحديدي، حتى يقطع أي اتصال بين الحجاز وباقي بلاد العروبة كجزء من معاهدة سايكس - باكو الذي تقاسمت بريطانيا بموجبها مع فرنسا الدول التي كانت تتبع الامبراطورية العثمانية، ولما تولى الملك عبدالعزيز حكم الحجاز، كان من أول اهتماماته إصلاح الخط، كما يشهد بذلك شهود عيان قابلتهم في مطلع حياتي وعرفت ذلك منهم، وفعلا تألفت لجنة سعودية - سورية لإصلاح الخط، ولكن الأردن التي كانت على عداء من السعودية اعترضت عليه، وحين تحسنت العلاقات بين الأردن والسعودية جاءت الحرب العربية الإسرائيلية، وعرقلت تنفيذ الخط، ثم استؤنفت أعمال اللجنة في عهد شكري القوتلي، ولكن عندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا تعطلت أعمال اللجنة لأن عبدالناصر لم يكن راغبا في إصلاح الخط للعداء بينه وبين السعودية، ثم مرت أحداث وحروب وانقلابات في سوريا، وتعطلت أعمال اللجنة، ودخل مشروع الخط كما قلت في سبات عميق، وهو لن يفوق منه الآن نظرا للحرب الأهلية في سوريا التي ستختفي من الخريطة عندما تنتهي الحرب، وسيكتب الموات الدائم لهذا الخط، ولا نملك إلا أن نأسف على ذلك.