عندما كنا صغاراً كان في حيّنا القديم سيارة خربة، بلا عجلات، ولا أبواب، وبها مقود "دراكسيون" وكانت مأوى للقطط، والكلاب في الليل.. ومكاناً للعبنا وعبثنا بالنهار.. كنا نتعاقب على قيادتها، وكان الركاب يأتون بما يشبه "العفش" فيحملونها به ويركبون.. ويبدأ السائق يتفقد أحوالهم، ثم يقول: أغلقوا الأبواب.. سوف نمشي، ويظل يقود السيارة، والركاب يتماوجون، ويغنون، ويصفقون، إلى أن يقول السائق وصلنا، فينزلون سراعاً، ويأخذون حاجياتهم، وكأنهم فعلاً قطعوا بسيارتهم الواقفة، أرضاً بعيدة، في سفر طويل..!! ما تذكرت سيارتنا الخربة، إلا تذكرت جامعة الدول العربية أعزها الله، وما تذكرت، قواد تلك السيارة إلا تذكرت رؤوساء جامعة الدول العربية العتيدة، والتي لا شك أن عمرها يزيد عشرات السنين على عمر تلك السيارة التي أكلها الصدأ وحرارة الشمس وتعاقب الأيام، فأصبحت ركاماً على تراب الأرض... اليوم يجتمع العربان في جامعتهم العتيدة، ويملأون الصحف، ووسائل الإعلام بالأحاديث، والتصريحات، ويصدقون ما يقولون، ويظنون أن الناس أيضاً يصدقون كلامهم، وينسون أنهم في جامعة، لا عجلات لها، ولا وقود. بل بلا مكنة.. فهي أكثر تجانساً وتشابها بتلك السيارة المفككة الغارقة في رمل الإهمال والخراب.. وبمناسبة الحديث عن الخراب، والأشياء الخربة، فقد وقف الرئيس الإيراني في علانية وصراحة شديدة التباهي بأنه مُصر على خراب سوريا مع حليفه النظام الأسدي.. حيث أعلن بأن النظام الأسدي والنظام الإيراني الفارسي شيء واحد لا يقبل التفكيك ولا يأتيه الخراب، وأن رباط الصلة الروحية، والسياسية بينهما مقدس.. ومن ثم فان بلاده لن تتوانى في تكديس السلاح فوق السلاح لذبح الشعب السوري.. ولم يعد سراً من أن النظام الإيراني قد فتح طريقاً معبداً من قم إلى دمشق مروراً ببغداد التي دمرها الاحتلال الأمريكي كأهم وأعظم عاصمة إسلامية عبر التاريخ ثم سلمها لتصبح ضمن النفوذ والهيمنة الفارسية.. هيمنة فكرية وروحية في أقل الأحوال، وكأنه يراد للعاصمة العربية الأولى "دمشق" أن تصبح مخلوعة الجذور.. مخلوعة العروبة، كي يكتمل المشروع، لتظل جزءا من الهيمنة الفارسية الإيرانية، والمتتبع والمستقرئ للأحداث، يدرك أن ما يحدث ويدور، هو شيء من إحياء التراث الانتقامي الفارسي الحاقد الذي صادف هوى غربياً وشرقياً معاً لتمزيق أوصال بلد عربي، عريق في عروبته، عريق في كفاحه ضد حملات، الغزاة من الصليبيين والمستعمرين، ومن ثم فإن شله وتخريبه بهذا الشكل يشكل أمنا للكيان الصهيوني.. وهاهي الجسور الجوية، والطائرات الضخمة تعبر أجواء العراق محملة بالسلاح والجنود، لذبح الشعب السوري وتغيير وجهه العربي السني..!! ولقد شاهد كثير من الناس وعبر وسائل الإعلام العالمية تلك الطائرات التي كتبت عليها هذه العبارة " هدية من إيران الإسلامية، إلى سوريا الأبية"..!! هدية.. إنه إجرام حتى في حق اللغة..عجيب هو الأمر!! وكأن إيران تقدم هدايا إنسانية فاخرة من الأدوية والأغذية والملابس والحلوى وكتب الأطفال.!! بينما هي هدايا باذخة من الرصاص والبارود والجواسيس، والاستخبارات والجنود العسكريين وكل وسائل الإهلاك التي تخلف القتلى والجرحى، واليتامى، والأيامى، وتُراكم الخراب على الخراب.. أمام هذه البضائع القذرة.. تقف هيئة الأممالمتحدة وحقوق الإنسان موقف من يجيد ثقافة التفرج، أما السيد نبيل العربي فيؤكد لنا أنه ضد التدخل العسكري لإنقاذ الشعب السوري، ويقول في تصريح آخر إنه لا يخشى شيئاً كما يخشى الحرب الأهلية..!! حرب أهليه تخشاها يا سيد الجامعة العربية، وتخشى من تدخل عسكري لإنقاذ الشعب السوري..؟ إذا كانت الترسانة العسكرية السورية مع القوات الفارسية بما فيها القطع البحرية في اللاذقية وطرطوس مطعمة ومدعومة، بالسلاح الروسي النوعي الذي يصل بسخاء.. ويقتل بسخاء فالطائرات الروسية الجبارة تمارس فنون الفتك بمهنية عالية عن طريق صواريخ ووسائل قذف جهنمية، وقنابل عنقودية وبراميل البارود المحرقة، للتنكيل الشنيع بالشعب السوري، وتدمير مساكنه حيث دك مالا يقل عن مليون ومائتي منزل.. فقد بلغ عدد المهجرين من مساكنهم والمخرجين من ديارهم في الداخل والخارج أكثر من مليونين..، وباطن الأرض تفوح منه رائحة الموت من القتلى ومن الذين يعذبون في الأقببة والزنازين، كل ذلك ببركات التدخل العسكري الإيراني الروسي ومع هذا يقول النبيل العربي إنه يرفض التدخل العسكري لحماية الشعب السوري، ويخشى من حرب أهلية.. أهلاً وسهلاً يا سيادة الرئيس.. ولك الشكر على خوفك وخشيتك.. ولكنني أعتقد أن هذه الخشية في غير محلها. بل إنها لا تليق بك.. ومثل هذا القول يعتبره حتى السذج ضرباً من ضروب التغفيل وامتهاناً لكرامة العقول.. بل امتهاناً للجامعة التي تتولى رئاستها.. تماماً كامتهان مجلس الأمن وامتهان الحكومات الغربية واحتقارها للدم ولكرامة الإنسان السوري.. حيث يعلنون التنديد في وسائلهم الإعلامية.. وهم يصفقون في الوقت نفسه في فرح وابتهاج لمشاهد الذبح والدمار.. حتى أصبح التواطؤ الغربي الشرقي يقيناً لا يقبل الشك أو التأويل إلا ممن يعانون اضطراباً واختلالاً أخلاقياً... فيا أيها السيد انه متى اندمجت الجامعة في المشهد وأصبحت جزءاً من الموقف المشين المتهالك الخرب، فانها تؤكد خرابها، وعدم فعاليتها وقدرتها على السير، والحركة، فهي تشبه تلك السيارة التي كنا نمارس داخلها اللعب، نهارا وتأوي إليها القطط والكلاب ليلاً..!! ** للعربي النبيل عبدالله بن سعد: لموتك فجيعة عذبة.. لموتك مرارة كطعم الحلوى.. فقد أبيت إلا أن تموت على طريقة الصناديد الأشاوس.. وفعلت فعل من تغلي في صدورهم حمية النبلاء والشرفاء.. بمثل موتك تطيب الحياة، وتورق الحروف والكلمات.. فلك تحية تلوح كتاج فوق الشوامخ وأجنحة العقبان والنسور..