تتكرر مشاهد الخوف والقلق على الأبناء في كل مرة لا يجيبون فيها على اتصالات الأهل، فقد يتغيب الابن عن المنزل طويلاً، وقد يكون مشغولاً في محاضرة أو دورة ما لا يستطيع فيها الرد على الاتصال، ثم ينشغل برفقة أصحابه في متابعة المباراة ويتجاهل المكالمات، ليساور المتصل القلق والضيق حيال كل ما وقع في نفسه، الأمر الذي يضطره إلى الاتصال بصديقه أو قريبه للاطمئنان عليه، وقد ينزعج الابن من هذا التخوف المفرط من قبل أسرته، وقد يثير المشاكل بسبب ذلك، فالوالدان يأخذهما التفكير بعيداً نحو الأسوأ عندما لا يجيب الابن على هاتفه، وكذلك الابن لا يثمّن اتصال والديه وخوفهم عليه، بل لا يفكّر بما سيؤول إليه حالهم عندما يتجاهل الرد عليهم أو يغلق هاتفه الجوال. لا تستخف باتصالات والديك أمام أصدقائك «بكرة ما تلقى أحد يدق عليك» دافع للتربية إنّ القلق والخوف والحرص على الأبناء هو نتيجة طبيعية لتلك المسؤولية، والمحبة، والرحمة، التي وهبها الله لهما، بل هو أمر محمود كونه دافعاً للمتابعة والتربية، إلاّ إذا ازداد هذا الخوف عن حده فأصبح يتضمن المراقبة والترصد، فهو سيشكل اضطراباً نفسياً وهماً لازماً ينعكس سلباً على حياة الأبناء، إنّهم بحاجة للتحرر من الخوف الزائد غير المنطقي، والتعامل معهم بواقعية، وإعطائهم الثقة في مواجهة الحياة وعدم الانزعاج أو التوتر في حال عدم إجابتهم لاتصالاتهم. عبدالعزيز الشنقيطي معاناة الأمهات وأغلب معاناة الأمهات من حالات القلق أو الخوف ترجع إلى القصص التي يسمعنها من هنا وهناك، حتى تشكلت في مخيلتهن -عندما لا يجيب الإبن على هاتفه- أنّه ربما لحقه أذى أو ضرر، أو حين يتأخر خارج المنزل بأنّه قد أصيب بمكروه أو تعرض لمأزق، فتحاول الأم -عبثاً- أن تنقل لأبنائها بعض القصص المشابهة، وقد يزدن عليها من قصص الأحداث الجديدة التي طرأت على المجتمع؛ محاولة منهن بث الخوف في نفوسهم وتحذيرهم من أحداث ومواقف معينة. تحكم زائد والأصدقاء يفهمون بعضهم ويتصرفون تبعاً لنفسيات أصدقائهم وظروفهم، فالشاب يعرف تماماً أنّ صديقه عندما لا يجيب على هاتفه في تلك اللحظة أنّه مشغول في أمر ما، وحين يجد هاتفه مغلقاً فإنّه يفسّر الأمر فوراً بانتهاء بطارية هاتفه الجوال، وفي حال أراده لأمر ضروري فإنّه يرسل رسالة نصية إلى رقم هاتفه، إلى جانب الإفادة من خدمات الهواتف المحمولة المتعددة، والتي تشرح الأمر تلقائياً على المتصل، إنّما ذلك كله لا يفهمه الوالدان، ولا يجيدان التصرف بهذه السبل، فيقلقون عندما لا يجدون رداً من ابنهم، فيهرعون إلى الإتصال بالأصدقاء والأقارب محاولين الوصول إليه والإطمئنان عليه، الأمر الذي يبث في صدور أبنائهم السخط والنفور، واعتبار هذا الحرص تحكماً زائداً بحياتهم، ومحاولة منهم لمراقبة تحركاتهم ورصدها. تفهم الأسرة ومن الضرورة أن يكون الأهل متفتحين ومدركين للتغيرات المختلفة التي تطرأ على أبنائهم ومواكبة عصرهم، واحترام خصوصياتهم وآرائهم الشخصية، والإيمان التام بأنّ جيل أبنائهم يختلف كلياً عن جيلهم السابق، وأنّ هذا الحرص والرعاية يجب أن لا تصل إلى درجة المتابعة وترصد تحركات الإبن. قلق دائم وذكر "إبراهيم المطير" -طالب جامعي- أنّه يتلقى اتصالات والدته في أغلب الأوقات حتى أثناء تواجده في الجامعة، مؤكداً على أنّه يحرص بشدة أن يجيب على اتصالاتها مهما بلغ انشغاله، موضحاً أنّه بعد رحيل شقيقه الأكبر ازداد قلق والدته وحرصها عليه حتى باتت تتواصل معه طوال اليوم وتتبع أحواله. واستنكر "إبراهيم" بعض ردود أفعال الأبناء إزاء اهتمام وحرص والديهم المفرط، حيث يتلقى بعضهم الإتصالات بغضب ونفور أو إثارة المشاكل مع أهله أو حتى إغلاق الخط أثناء إتصالاتهم للإطمئنان عليه، دون أن يثمّن حرص والديه ومحبتهم له، لافتاً إلى ضرورة تقدير حالة الفزع التي يمر بها الوالدان عند غياب ابنهم، وعدم الاستهتار بها والسخرية من ردة فعلهما كما يفعل بعض الشباب، حيث يتداولون بينهم "نكات" حول خوف الأمهات عندما لا يجدن الرد من أبنائهن. المسؤولية مشتركة ووافقه الرأي "عبدالرحمن الصالح" الذي استهجن ردود أفعال بعض الشباب إزاء تخوّف والديهم وعدم تفهّم قلقهم عليه ومحبتهم له، فمهما بلغ الإبن من العمر تظل نظرتهم له منحسرة بأنّه لا يزال هشاً لم يتعلم بعد كيفية التعامل مع المواقف الخطيرة التي تعترضه، وهذه النظرة تزرع بداخلهم نزعة داخلية تجعلهم يضطلعون بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم محاولين التواصل معهم للسيطرة على المشهد المجهول، ومنعه من التعرض لأية مخاطرة قد يوقع نفسه بها. البحث عن الحرية! ورأى "عبدالعزيز بن محمد الشنقيطي" -باحث اجتماعي- أنّ الأبناء المارقين على سلطة الأبوين ليسوا معنيين بالأمر، وذلك لبعد المسافة بين الأب والإبن ولابد من تدخل "إكلينيكي" كطرف ثالث لتسهيل المهمه، أمّا الأبناء داخل السلطة فهم لا يزالون في محاولات مضنية ليرضخ الأب لعدم تحديد ساعات الخروج والعودة للمنزل؛ ليس بقصد الإنحراف ولكن مآرب عديدة قد يكون من بينها الحرية، أو إشعار الأب بتجاوز السن المفترض الوصاية المطلقه عليه، أو تحاشي تعليقات الزملاء. إيجاد حلول وأضاف "الشنقيطي" أنّ عدم الإكتراث للرد على اتصال الأبوين ترف لا يمتلكه من تجاوز سن المراهقة، ويمكن إنهاء المسألة بشكل بسيط؛ وهو التعاقد المرن بين الأسرة والإبن عند أول غياب وعدم تجاوب بعد التنبيه الأول، ويعامل كعميل تحديدا لهذا الأمر، من خلال إيجاد حلول مناسبة غير متوقعة، وخيارات متعددة للحل، ويتحكم في ذلك مستوى التفاهم بين الأب والأم في اتجاه واحد، حتى لو كان هناك إسراف في دلال الأبناء لابد من توحيد الحلول لإيجاد أفضل الطرق.