خاض المنتخب السعودي تجربة مقارعة المنتخب الإسباني وذكر البعض أنها تجربة مفيدة للمنتخب، وظهرت أول نتائج التجربة أمام الغابون مخزية ايضاً على الرغم من تواضع مستوى وامكانات الأخير، ولم يجد الكثير من المتابعين في كلتا التجربتين هوية ل"الاخضر" أو حتى مؤشرات بناء هوية مقنعة سوى الركض مع الكرة اشبه ما يكون بالعك الكروي ولم نجد التكتيك الفني والتمريرات البينية المتقنة والتجانس المحكم والصلابة في صد الهجمة بالشكل المطلوب أو المهارات في تخليص الكرة من الخصم أو كيفية الوصول لمرمى الخصم بسرعة واتقان، بل العكس كانت المهارة في التخلص من الكرة حتى حارس المنتخب يركل الكرة باتجاه الخصم ليمنحة فرصة سرعة الإرتداد على المنتخب، ويستمر الضغط طوال شوطي المبارة والتي كانت اشبه بتدريب ترفيهي للأسبان وتجربة مفيدة مادياً ومعنويا للجابون، واتضح أيضا ًمن التجربتين الأخيرتين بأن لاعبي المنتخب لايزالون حتى الآن يحملون معهم ثقافة اللعب المحلي الضيق والخوض بها وسط المحافل الدولية! لا أرغب الخوض في تفاصيل الكيفية التي يدار بها المنتخب أو التخطيط والفكر الموجه ولكن ما أرغب قوله بشكل عام أن المتعارف عليه أن للنجاح الكروي مسببات واعتبارات ومؤثرات وعوامل وقرارات تساهم فيه، فالمال وحده لايصنعه وهناك دول اقل اقتصاديا وامكانات ولكنها حققت تقدما كبيرا في تطوير الكرة في بلدانها وذلك لاعتمادها بشكل اساسي على التخطيط الإحترافي الخارجي، ولا ننكر أن المال وسيلة مهمة في الدعم الرياضي ولكنه يدخل ضمن منظومة اليات مترابطة معه وكلها تعتمد على التخطيط المحترف والواعي سواءً الآني والبعيد المدى وذلك للمنظومة الرياضية ككل، فهل نملك ذاك الإرث الإحترافي الذي يمكننا من إعداد هذه المنهجية والإستراتيجيات ومن ثم القياس المتقن للنتائج والمستويات ووضعها على ميزان التطور الكروي المتجدد لنحدد من خلاله الإتجاه ونصحح المسار في حينه ونقضي على عوامل الفشل؟ من الذي يدرس ويخطط ويقرر باستقدام مدرب عالمي للمنتخب السعودي وهو يعلم تمام العلم أن البنية الاحترافية لدينا لاتزال ضعيفة وتسير في منهج بطيء أشبه بمن يسير على عكازات قياسا للتطورات المنهجية الكروية المتلاحقة ؟ كم عدد المحترفين لدينا خارجيا حتى يمكن لأي مدرب كبير ان يجد توليفة متمكنة كروياً؟ وهل يمكن أن يفكر أي لاعب سعودي أن يحترف خارجيا وهو يتقاضى مبالغ مالية خيالية ولاتتناسب مع امكاناته وقدراته ومهاراته مقارنة بما نشاهده من مستويات المحترفين في الدول الأخرى ؟ ماذا سيصنع المدرب العالمي الكبير أيا كان اسمه وإمكاناته وهو يفتقد لأهم أدوات النجاح لديه وهو اللاعب نفسه وما يملكه من قدرات مكتسبة بنطاق محلي ضيق الأفق وهو يعلم تمام العلم فارق القوة واللياقة والمهارة والثقافة الكروية والمستويات المهارية المتقدمة للمحترفين في الدول الأخرى المتطورة كرويا فالاستفادة لن تكون مجدية عبر اللعب مع الكبار من المنتخبات العالمية واللاعبون يفتقدون للكثير من المنهجية الكروية المتطورة والجزء المؤلم من الحقيقة المرة اننا حققنا تطبيق الإحتراف الداخلي الكروي ورقيا وعبر عقود مالية خيالية وأهملنا ثقافة التطبيق الصحيح لآلياتها، وما يحدث الآن اننا نفشل أيضا في التخلص من أي فشل يطرأ في المنظومة الرياضية لدينا، والفشل المتراكم بحد ذاته يؤدي لنتائج عكسية عند أي مواجهة ومزالق يصعب حلها ويحيل الواجهة الرياضية المهمة أمام العالم الى مرآة تكشف لهم مدى تأخرنا في التخطيط والفكر الرياضي أمام أي تميز ملموس للآخرين حتى وان كان من جيراننا أيضاً كلمة أخيرة: أتمنى أن أرى دوري محترفين بصناعة وطنية بحتة دون أجانب مع تحفظي على مستوى أغلب اللاعبين الأجانب وتحديد سقف مالي للإحتراف الداخلي وأن يكون تحديد هذا السقف برعاية لجنة يكونها اتحاد الكرة وترتفع قيمته نسبياً أو تنخفض طرديا مع مستوى اللاعب نفسه شرط ألا تزيد عن السقف المحدد له على أن تكون فترة العقد لاتزيد عن عامين، كما أتمنى ان تعاد صياغة منهجية الاحتراف الخارجي لدينا وتتشكل له رؤية أعمق من خلال خبراء لهم باع وتجارب في هذا المجال علنا نلحق بعدها بالركب.