سنوات طوال مرت على الاحتراف في الدوري السعودي، دون أن يثمر عن تدفق عناصره إلى النطاق الخارجي، في إشارة إلى افتقاده للمعنى الكامل لمهنية الاحتراف وضرورات التعامل الأمثل مع أجوائه، أو افتقار اللاعب السعودي أصلا إلى هذه الأبجديات، التي تسوغ منه عنصرا مطلوبا في الاحتراف خارج الحدود، ورغم بعض التجارب الجريئة لعدد من اللاعبين السعوديين غير أنها افتقدت للاستمرارية والمردود الفني والمعنوي المطلوب، فلم يكن البحث جادا آنذاك عن المردود المالي، قدر كسب أسبقية الانطلاق إلى الفضاء الخارجي من قوقعة التعامل الداخلي، وسجلت نماذج محددة تجاربا تفاوتت بين النجاح والاقتراب منه كتجربة أولى، إذ بدأ احتراف سامي الجابر في انجلترا، والغشيان في هولندا، وفؤاد أنور في الصين، وعبد الغني في سويسرا، والقاضي في قطر، وياسر القحطاني في الإمارات، والمجرشي في كوريا الجنوبية، والإبراهيم في البوسنة، والحافظ في البرتغال، وأخيرا أسامة هوساوي في بلجيكا. واعتمادا على بدايات ونجاحات وإخفاقات وقصص مختلفة تطرق «عكاظ» هذا الجانب من الاحتراف الخارجي عبر قراءات مختلفة لخبراء رياضيين ومدريين وطنيين لتخرج بهذا النتاج من الآراء التي تدور في فلك احتراف اللاعب السعودي خارجيا، يقول المدرب الوطني والمدير السابق لنادي النصر الكابتن علي كميخ «اللاعب السعودي موهوب ويملك إمكانيات جيدة، لكنه سيظل مغلفا بثقافة مجتمعه عائليا ودينيا، وتمثل الروابط الاجتماعية القاسم المشترك الأعظم، بل تقتل طموحاته بأن يكون أحد العلامات البارزة، الاحتراف الخارجي واكتفائه بالاحتراف الداخلي، إضافة إلى عدم تسويقه بشكل جيد كما هو معمول به في الدول المتقدمة احترافيا مثل أووربا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا من خلال مكاتب السماسرة أو المدربين، إضافة إلى الشعارات التي يرفعها مسؤولو الأندية المحلية وتمسكهم بمقولة؛ إن الدوري السعودي الأفضل عربيا، أو خليجيا، رغم الأسماء الكبيرة التي تحترف في الأندية الإماراتية والقطرية، إضافة إلى أن مشاركات المنتخب السعودي في كؤوس العالم في أعوام 1998م وعام 2002 وعام 2006م لم تكن جيدة حتى المشاركات الأولمبية لم تكن عند المستوى، ولم تقدم الأندية في المسابقات القارية ما يجعل اللاعب السعودي مطلبا في الخارج، وبالتالي لم ولن يقدم اللاعبون أنفسهم كما يجب، بدليل أن مونديال كأس العالم 2002م شهد تألق الكوريين واليابانيين لنجدهم فيما تلا ذلك يلعبون في الدوريات الأوروبية». ثقافة التعامل ويرى وكيل أعمال اللاعبين خالد سلطان، أن غياب اللاعب السعودي عن الاحتراف الخارجي بسبب غياب مقومات ذلك عنه، إذ لا بد أن تتوفر وبشكل واضح، أولاها أن يكون وعي اللاعب وثقافته ممتلئة بوعي الاحتراف الخارجي ومتطلباته، ويفترض أن يبدأ بتعلم هذه الثقافة وممارستها في سن صغيرة، تمكنه من التعود على الأنظمة والقوانين الخاص بعالم الاحتراف عبر بنية جيدة وفهم دقيق لماهية الاحتراف ومتطلباته، والاهتمام بكل ما يقوده إلى هذه المحطة، دون أن ينسلخ عن مجتمعه، ولكن بعقلية محترفة وتعامل احترافي وانضباط فني والتزام والتمدد تحت قالب حتميات الاحتراف بصورة صحيحة، ومن ثم يأتي دور الأندية في كيفية تأهيل اللاعب، شريطة أن يسعى المسؤولون إلى تطوير فكر الأندية تجاه ذلك، دون الرزوح تحت طائل النتائج الوقتية والبحث العاجل عن الإنجازات والبطولات». وأضاف «هناك أندية تحتفظ باللاعب لأربع سنوات وحتى لو جاءت فرصة للاحتراف الخارجي أو الانتقال لناد محلي، وأكبر هم هذه الأندية المكاسب الآنية، لأن اللاعب عندما يحترف خارجيا ويحتك يستفيد مهاريا وذهنيا ويرتقي بمستوى ليكون أفضل مما عليه، وفي النهاية المستفيد المنتخب الوطني والأندية، لأن اللاعب عندما يتعايش الاحتراف الحقيقي خارجيا يكون أكثر حرصا على مستقبله وعلى أهدافه التي ستكون أعلى شأنا من قبل». وتطرق سلطان إلى دور الأكاديميات، فقال «حتى يتحقق الاحتراف بمعناه الحقيقي لا بد من عمل مركز للاعبين الصغار من 8 سنوات و14 سنة لتعليم أساسيات كرة القدم من مهارات وتعرف مدى إمكانياته وأساليب التكتيك لتحديد مصيره من وقت مبكر، إضافة إلى التسويق الجدي المدروس وفق الأسس المعمول بها، للسعي مبكرا لكسر الحاجز النفسي عند معظم اللاعبين، وتغيير نظرة اللاعبين في الاحتراف في الأندية الكبيرة في أوروبا، دون الرضا في بلدان مجهولة على خارطة كرة القدم العالمية، بدليل أن اللاعبين الأفارقة ينطلقون للأندية الأوروبية الكبيرة من خلال الدوريات الأوروبية المتوسطة». وحمل سلطان وكلاء اللاعبين جزءا من معضلة غياب اللاعب السعودي عن قافلة الاحتراف الخارجي، حين يفتقرون للتسويق الأمثل لموكليهم، باعتبار التعامل مع هذا الأمر بعقلية احترافية متقوقعة، فينظرون بشكل دائم للمدخول المالي دون المردود الفني أو المعنوي أو النفسي للاعب. وعرج على عقلية اللاعب ورغبته في البقاء محليا بعيدا عن تعقيدات الاحتراف الخارجي والانضباط المتزمت في تلك الأندية، متناسيا الفوارق الكبيرة بن هنا والعالم الخارجي، وحتمية ارتفاع مستواه الفني والمعنوي، وإمكانية أن يصبح مداخيله المالية أكبر بكثير مما يتوقعه ،أو ما يتحصل عليه داخليا. غياب قسري ووصف اللاعب الدولي السابق مدير تحرير الشؤون الرياضية بجريدة الوطن، ووكيل اللاعبين المعروف (صالح الداوود) مسألة غياب اللاعب السعودي عن الاحتراف الخارجي بقوله «هناك العديد من الأسباب التي لا تساعد اللاعب السعودي على ذلك، من بينها عدم تقبله فكرة الاحتراف الخارجي؛ لأنها تنتزع كما كبيرا من الرفاهية التي يجدها في الاحتراف الداخلي، فاللاعب السعودي يرى أنه من أفضل الخامات الموجودة بالعالم، ولكنه يخشى عدم التأقلم مع المجتمع الخارجي لا في التدريبات ولا في طرق المعيشة، بل هناك العديد من اللاعبين لم يتأقلموا داخل الوطن من خلال الانتقال من ناد إلى آخر، وكذلك فقدان الحافز من أجل الاحتراف الخارجي، طالما أنه يجد حافزا معنويا وماديا وهو موجود بين أهله ويلعب وفق الطريقة التي تناسبه ويتدرب وقت ما يريد بعيدا عن التدريبات القوية والنظام الصارم، إلى جانب قصور من قبل ذوي العلاقة من الأندية ووكلاء للاعبين والمدربين، فللأسف الأندية تفتقد إلى التسويق الصحيح للاحتراف الخارجي». عقلية مغلقة ويقول المشرف العام على فريق النادي الأهلي وعضو اللجنة المؤقتة لإدارة اتحاد القدم طارق كيال، أن المعضلة الأساسية التي تقف أمام احتراف اللاعب السعودي خارجيا تكمن في عدم تأسيس اللاعب من الصغر تأسيسا احترافيا، حيث يجب على اللاعب أن يتعود على برنامج احترافي منذ وقت مبكر، فلابد أن يتعلم الالتزام في التدريبات ومواعيد نومه ونوعية التغذية التي يتناولها، وكذلك الاهتمام بالتركيبة الجسمانية لديه، ويبدأ تطوير مناطق الضعف لديه. وأضاف «لا يمكن أن يحدث كل ما سبق إلا من خلال الأكاديميات التي تمتلك كافة الإمكانيات والمواصفات الخاصة بذلك، أو أن يكون لدى اللاعب الكبير الرغبة في الاحتراف، وأن يكون مؤهلا بأن يعطي تسعين دقيقة بنفس الأداء ونفس الروح والفكر داخل الملعب وخارجه، ويدرك معنى الاحتراف، ولا تكفي أن يكون اللاعب موهوبا ليتحقق نجاحه؛ لأن الالتزام أمر مهم في حياة الاحتراف. مميزات عالية وكشف كيال أن اللاعب السعودي يتقاضي أجرا عاليا، وأن مسألة احترافه في الدول المتوسطة لا تحقق أهدافه، فالاحتراف الذي نعنيه هو الاحتراف في الدول المتقدمة كرويا حتى يستفيد منه مثل الدوري الفرنسي أو الدوري الألماني أو الإيطالي حتى لو كان الدوري الإسباني، لأنه يجد هناك مميزات عالية قد لا يجدها في الدول المنافسة للدوري السعودي». وعن دور الأندية قال كيال بأن الأندية السعودية ليست مسؤولة عن احتراف اللاعب السعودي خارجيا، على اعتبار أن الأندية تبحث عن مصلحتها ثم أن النادي يريد اللاعب الجاهز والتجهيز هو عمل الأكاديميات الأساسي، وقال «نحن نتطلع لاحتراف اللاعب السعودي خارجيا عندما تكون لدينا أكاديميات على أعلى مستوى من التأهيل، رافضا مقارنة اللاعب السعودي بالآخرين لعدة أسباب بأن اللاعب في شمال إفريقيا مؤسس بشكل أفضل للاحتراف، ومن ثم البيئية الاجتماعية هناك متقبلة للاحتراف الخارجي، بينما بيئتنا الاجتماعية وتركيبة مجتمعنا لا تملك ثقافة الاحتراف الخارجي، ولا تمنحه الاهتمام الكافي، ويعود ذلك لارتباط اللاعب بالبيئة العائلية، وهو لديه حنين لوطنه وعاطفي في قراراته، فهو مرتبط بمجتمعه دينيا ونفسيا، وبالتالي عندما يخرج تجده يتعب في التأقلم مع المجتمع الخارجي ويفتقد للعوامل الداعمة لحياته، وهذا حجب كثيرا من الفرص لاحتراف اللاعب السعودي برغم من إمكانياته الكروية التي اكتسبها بالفطرة».