من أهداف برنامج خادم الحرمين الشريفين ابتعاث الكفاءات السعودية المؤهلة للدراسة في أفضل الجامعات في مختلف دول العالم، والعمل على إيجاد مستوى عال من المعايير الأكاديمية والمهنية من خلال برنامج الابتعاث، كما ان من ضمن الأهداف السامية للبرنامج، تبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع مختلف دول العالم، وهذا الهدف بالتحديد يتضمن بعداً إنسانياً نبيلاً حيث يدعو إلى بناء جسور التواصل والتعاون والتعايش والحوار مع الأمم والشعوب وذلك بالتعرف إلى الثقافات والحضارات حول العالم. فالابتعاث برنامج تنموي إنساني بهدف تعليمي ثقافي وفكري للاستثمار في الإنسان، ذلك الإنسان الواعي والمدرك بأنه جزء من العالم، ومن واجبه ان يضيف منجزاً للحضارة الإنسانية، كما يضيف لمجتمعه ووطنه التقدم والتطور في كل المجالات ذات العلاقة بالتنمية الإنسانية الشاملة. وهنا يأتي دور الملحقيات الثقافية في الخارج التي يشرف كل منها على أعداد كبيرة من الطلاب المبتعثين، والتي تبذل جهودا جيدة تحتاج إلى ان ترقى إلى مستوى أعلى خارج الوطن، يكون لها دور فاعل في تعزيز العلاقات مع الدولة المضيفة في جميع المجالات الثقافية والأدبية والعلمية والإنسانية؛ من أجل تحقيق تلك الأهداف المشار إليها، وخصوصاً بناء جسور العلاقات الإنسانية، وإعطاء صورة طيبة عن الوطن الغالي. ومع الزيادة المستمرة في اعداد الطلبة فإن الملحقيات الثقافية أصبح أمامها أعباء ومهام عديدة تتطلب مساعدتها لتحقيق مهمتها على الوجه الأكمل، وذلك بما يلي: - دعم الملحقيات بالامكانات إدارياً ومالياً وثقافياً مع متابعة عملهم للتقييم. - تخصيص جائزة سنوية لأفضل الملحقيات الثقافية أداء وتميزاً. - قيام الوزارة بزيارات ميدانية دورية للجامعات للاطمئنان على وضع المبتعثين. - تأسيس قسم متخصص بالجوانب الإنسانية والتنمية الثقافية في جميع الملحقيات. - إلزام الطلبة بالقيام بالأعمال الاجتماعية والنشاطات الإنسانية التطوعية خارج مراكز التعليم (نشاطات لا صفية)، ومشاركة الطالب في جماعات العمل التطوعي أو الإنساني، وتشجيعه للتعرف إلى تلك المجتمعات والتفاعل معها. - حث الطلبة على معرفة حقوقهم وواجباتهم، ومن أفضل ما كتب في هذا السياق بحث د. محمد ناصر الشثري، الموسوم، حقوق الطالب المبتعث. - تطوير دور الملحقيات في المجال الثقافي وبناء الجسور بحيث يصبح لها دور فاعل في نقل صورة مشرفة عن المملكة، وهنا يجدر الإشادة بما قامت به الملحقية الثقافية السعودية في دبي من نجاحات متميزة في معرض الكتاب في الشارقة، كضيف شرف أول مرة، وكذلك في معرض أبوظبي للكتاب، حيث تصدر جناح المملكة المشارك اهتمام مختلف وسائل الإعلام كما حاز اعجاب النخب الإعلامية والثقافية والأكاديمية والفكرية الإماراتية وقد شملت الفعاليات برامج متعددة توزعت على فضاء الفن التشكيلي والمعارض الفنية وإقامة الندوات التخصصية والملتقيات العامة والحوارات الأدبية والفكرية.. لعل من أبرزها محاضرة د. صدقة فاضل عضو مجلس الشورى عن الاتحاد الخليجي. لا شك ان مشاركة المملكة وتميزها في تلك المعارض المشار إليها، يدل على الجهد الملموس لمعالي السفير البراهيم، والملحق السحيباني، ما ساهم في إعطاء الصورة الحسنة والايجابية لجهود المملكة العربية السعودية في جميع المجالات الثقافية والأدبية والإنسانية. ولا يتوقف عمل الملحقية في دبي على بناء جسور التواصل وإقامة الفعاليات الثقافية فحسب، بل ان من أسباب نجاح الملحقية، الأبواب المفتوحة لجميع الطلاب؛ لأن سياسة الباب المفتوح هي سياسة حل المشكلات من دون عوائق، والاستماع إلى جميع الطلبة من دون تمييز ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم وتلمس احتياجاتهم والتغلب على جل المعضلات التي تواجههم. هذا المنهج الإداري المعمول به في الملحقية يجعلنا نشعر باطمئنان تام بأن أبناءنا الطلبة في أيد أمينة تدرك مهمتها الثقافية والإنسانية، وتعمل جاهدة على تحقيق تلك الأهداف السامية النبيلة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وعلى بناء الجسور مع الثقافات الأخرى. فأهمية الابتعاث لا تقتصر على التعلم في المعاهد والجامعات المتخصصة فحسب، وإنما في التعرف إلى مثل هذه المجتمعات والتعايش مع أهلها والاطلاع على الجوانب الحياتية خارج مراكز الدراسة وفهم هذه المجتمعات وحياتهم وأسباب تفوقهم. الحاجة ماسة إلى عقول متفتحة واعية ومتمدنة ومتحضرة اطلعت وتثقفت وتفتحت بقدر ما درست وتخصصت في حقل من العلوم، بهذه الطريقة نستطيع ان تقوم بدورنا على أسس حضارية سليمة، فالابتعاث ليس هدفه ومراميه تحصيل العلم في الجامعة أو المعهد فحسب، ولكنه أولاً في التعايش الإنساني مع الحياة في المجتمعات المتقدمة. إن المبتعثين هم عماد مستقبل الوطن في جميع المجالات التنموية والإنسانية، لذا ينبغي تشجعيهم والاهتمام بشؤونهم وشجونهم وتسهيل أمورهم وحثهم على التفاعل مع المجتمعات الإنسانية، والاستفادة من علومهم ومعارفهم؛ من أجل خدمة الوطن الغالي.. والله الموفق. * مستشار للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان