مشكلة التسرع عويصة، وقد كان الأديب التشيكي- الألماني، فرانتس كافكا يقول:" تنبع الخطايا، من خطيئتين أساسيتين: التسرع، والكسل"! والصحيح أن الخطايا قد تنبع من أسباب مختلفة، غير التسرع والكسل، لكن كافكا المتوفى عام 1924، كان مصيباً، فغالبية المشاكل إنما تنبع من التسرع والكسل. عندما نتأمل في عكس المعنيين، فإننا نجد أن ضد التسرع هو الأناة والحلم والترفق، وهي أمور متقاربة، فالأناة، تعني عدم التعجل والتأني، وأن لا تحكم على الأمور قبل النظر والتمحيص فيها. والحلم هو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، فلا يستعجل في إحلال العقوبة وإصدار الأحكام. وأما الرفق هو معاملة الناس بالرقة واللين، وهو ما لا يكون دون حصول الحلم والأناة. وفي التنزيل ضمن وصف المتقين الذين أعدت لهم الجنان: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). ألم يقل النبي عليه السلام لأشجَّ عبد القيس:(إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله؛ الحلم والأناة ). ثمة من يتسرع بناء على جهل، وثمة من يتسرع بناء على ثقة مفرطة بقدراته، وفي كلٍ خطأ! أما إن سألت عن الكسل، فحدّث ولا حرج! قال أبو عبدالله غفر الله له: "إنما أُتي الناس من قبل كسلهم، أكثر مما أُتوا من قبل غبائهم"! ولم يتفوق معظم عظماء العالم، وقادتهم، بمجرد ذكائهم، بل تفوقوا بحرصهم وصبرهم. فمن فقد الصبر، استعجل ردود الفعل السلبية، ففرط في الفرص، وتجاوزته الأحداث. ومن أعطي الصبر، فقد أوتي خيراً كثيراً. والدؤوبون، الحريصون، المكافحون، ولو لم يكونوا من مفرطي الذكاء، هم الذين يصنعون الفرق في هذه الحياة، وهم من يُؤَثِرون في الناس، ويتركون بصمتهم في المجتمعات، مع أن نخبة الأذكياء، ربما وَجَّهُوا لهم سهام النقد، وساموهم سوء الانتقاد، وكالوا لهم سيلاً من الملاحظات، التي تُظهر التقليل من قيمة أعمالهم! جاء في الحديث:"إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه". بل لقد جعل النبي الكريم الرفق سبب الخيرات مجتمعة، بقوله:"إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه"! أيها السيدات والسادة: التحذير من العجلة، والتحفيز على التأني والرفق والحلم هو مفاد النصوص الشرعية المتظافرة، فهل يستغرب أحدٌ، إذا تعجبنا أن يكون من يدعي اتباع النهج النبوي، هم أكثر الناس تسرعاً، وأقل الناس تأنياً، وأكثرهم إصداراً للأحكام الجاهزة، لم يسمعوا بهذه الإرشادات الملحة، أو لكأنهم في لب خصومة هامشية، يفقدون قدرتهم على تأمل التعاليم التي يطالبون الناس بالالتزام بها!