في صالة انتظار الصعود إلى الطائرة في المطار الداخلي جلس الرجل الأربعيني يقلب في جهاز الجوال الذي في يده بصمت، وهو يرتدي لباس الإحرام، وبجانبه كما تبدو امرأة ربما هي زوجته، وربما هي أخته، في ظل أنهما لم يتبادلا حواراً طوال فترة الانتظار والتي امتدت لأكثر من نصف ساعة. هذه المرأة التي لم يظهر منها سوى يديها وقدميها في حذاء بسيط زاحف، كانت تحمل في يدها حقيبة كبيرة، لفترة الجلوس هذه الحقيبة الاعتيادية لأي امرأة، وقد تختلف في حجمها، عند تحرك الركاب إلى باب الخروج للصعود إلى الطائرة تحرك الرجل أولاً وبصمت شديد رغم أن مقعدها كان على الممر، وتوقف دون ان يلتفت إليها، قامت وأمسكت بحقيبة يدها أولاً، ثم استدارت لتلتقط حقيبة أخرى كبيرة جداً وتبدأ في حملها بطريقة تؤكد ثقل الوزن الذي تحمله سواء على كتفها أو في يدها. بدأت تجر خطواتها بتثاقل شديد وهي تحمل حقيبة كبيرة ربما هي للملابس، وربما لأغراض أخرى، مشت خلفه وهو يسبقها، ولا يلتفت إليها، كان الطابور طويلاً ومع ذلك ظلت هي ممسكة بالحقيبة الكبيرة، ولم تتركها على الأرض «الأفندي» الذي معها، خرج قبلها إلى ساحة الصعود إلى الطائرة متخففاً من كل شيء من أحمال الشنط، ومن أحمال الإحساس بأن امرأة خلفه تلتقي معه في قرابة ما تعاني، عباءتها كانت أطول من اللازم. وربما لو تعثرت فيها لسقطت مع أحمالها الثقيلة، كنت خلفها مباشرة، أحاول أن أتفهم ما أراه، وما يجري، خصوصاً اننا لا نزال في المطارات المحلية ومطار جدة بالذات نصعد ذلك الدرج الطويل، والكئيب وننزل منه. عند الصعود إلى الدرج سبقها بخطوات، رغم أن الدرج مكتظ بالمسافرين أمسكت جيداً بعباءتها من منطقة الرقبة لتحكمها على رأسها، ثم توكأت على الدرج قليلاً وصعدت خطوة خطوة. كانت ترتكن إلى الدرج لتضع الحقيبة عليه ثم تعاود الصعود، الرجل لم يهتم إن كانت قادرة على حمل حقيبتها، أم لا؟ إن كانت تستطيع أن تتحمل وهي المرأة المحجبة، والتي قد لا ترى من ثقل الحجاب الذي على وجهها. لم يهتم إن كانت تستطيع أن تحمل حقيبتها أو حقيبته؟ لا أعرف لماذا فسرت الموقف من وجهة نظر ربما تكون خاطئة، وربما تكون محقة قد يكون هذا الرجل زوجها وهما ذاهبان للعمرة معاً في هذه الأيام الأخيرة، وطلب منها ألّا تحمل حقائب خاصة إذا كانا سيعودان في نفس اليوم، أو اليوم التالي، لكنها أصرت على أخذ بعض الاحتياجات، وأمام إصرارها أمرها أن تحمل هي ما ستأخذه لأنه لن يحمل أي شيء. ولم يستح، أو يستشعر وجوده كرجل برفقة امرأة ويكسر أوامره ويحمل لها الحقيبة. وربما تكون أخته مثلاً، ليس لها أحد، وهو ولي أمرها وطلبت منه أن يذهب بها إلى العمرة واعتبرت قبوله كفاية، ومجرد أن يذهب معها مرافقاً ومحرماً هذا في حد ذاته كافٍ وستحمل حقائبها بيدها ولن تثقل عليه. طيب ذهب معها مضطراً، وربما بمالها ولكن أليس من اللائق أن يحمل لها الحقيبة؟ ويساعدها حتى يحلل مسمى ولي الأمر، أو المحْرَم، أو القوامة التي تتوقف عند البعض على حدود المرافقة، أو ديكور التواجد. الصورة بالنسبة لي بدت غير مقبولة على الإطلاق، وإن حاول المناكفون للمرأة الخروج منها من منطلق أن النساء يطالبن بالحقوق، والمساواة وعليه فإن المرأة لا تختلف عن الرجل تحمل حقائبها، وتدفع مصاريفها. ذهب للعمرة وهي معه وستعود وهي تحمل حقيبتها أيضاً ولن تلفت الصورة أحداً على اعتبار أنها صوة اعتيادية، رغم أنها صورة رديئة ولا يظهر منها سوى ملامح امرأة مغلوبة، مكسورة، ضعيفة، تتبع رجلاً يتحرك بغرور، وتعالٍ، ويسحب من ورائه دون أن يلتفت هل لا تزال واقفة أم سقطت؟