هاتف محمول يرن في الحافلة. تتجه العيون إلى مصدر الصوت. ثمة مشهد الآن يشجع على إطالة النظر لتمضية وقت الرحلة. يغوص رأس صاحبة الهاتف في فوهة حقيبة اليد. بدل الهاتف، تخرج علبة ماكياج. تعيدها بعصبية، وتدفع بالحقيبة قليلا نحو نافذة الحافلة للحصول على إضاءة أفضل. يفهم الراكب بقربها أن عليه أن يقلص جلسته ويلتصق بالكرسي كي يتسرب ضوء الشمس الآخذ في الغروب إلى جوف حقيبة المرأة. سقطت قارورة عطر رخيص على أرضية الحافلة. لحسن الحظ، قدَم راكب يتابع التطورات، المألوفة على ما يبدو، أوقفت تدحرجها. لا يزال الهاتف يرن في غياهب الحقيبة. تختلط رناته مع أصوات مختلفة تصدر عن اصطدام المحتويات بعضها ببعض. كادت تمسك به، ها هو ذا... أخيراً. أوه! حركة يدها العصبية السريعة تفلته، فتخرج كمشة أوراق مبعثرة الطيات وعلبة مناديل ورقية بحجمه، وتسقط في تلك الأثناء محفظة النقود بين مقعدها ومقعد جارها. يده أسرع إلى المحفظة. ربما تتعرض الآن لسرقة سهلة. أساءت الظن. لا يزال الهاتف ملحاً. هذه المرة أمسكت به، لكنه كف عن الرنين على بعد بوصة واحدة من أذنها! هذه واحدة من أقوى اللحظات التي تكره فيها المرأة حقيبة يدها كرها حقيقياً. تدرك مكان الهاتف الرنان، وتحول دونهما شعاب الحقيبة وكائناتها. عبثاً وضع مبتكرو حقائب اليد جيوباً صغيرة بأحجام مختلفة للهاتف وغيره، لكن قلما تستقر فيها الأشياء المناسبة. المفاتيح الضائعة في «الجب» الصغير المملوء بكل شيء وأي شيء هي لحظات كراهية أخرى بلا منازع. ومع ذلك، لا تستفيد المرأة من متاعبها اليومية مع حقيبة اليد. لا تكون جاهزة فعلا للخروج إلا وهي في يدها أو على كتفها. كأنها تأشيرة المغادرة لمواجهة العالم الخارجي. ليست حقيبة اليد بقيمة النظارات الطبية والملابس، ولا الهاتف المحمول نفسه. «لو أمكن زراعة حقيبة اليد بعملية جراحية في الذراع لما تأخرت النساء»، علقت قريبتي، قلت لها: «لو أمكن لانتهيت بذراع اصطناعية»، فهي لا تكف عن تغيير حقائب يدها كل شهر تقريباً! لماذا لا تستطيع النساء الخروج من دون حقيبة يد؟ ما هو الشيء «الوجودي» في حقيبة يد بالنسبة الى المرأة؟ نساء عديدات أفرغن ما في جعبة حقائبهن اليدوية، فالسؤال لا يحير الرجال فقط، بل النساء أنفسهن. محفظة النقود والمفاتيح والهاتف، هذه أشياء مشتركة مع الرجال. والباقي؟ أحمر شفاه، قارورة عطر، قلم، أجندة، نظارات غير طبية، منديل رأس أو إشارب، علبة مناديل ورقية، علبة مكياج صغيرة، مرآة، مقص وطلاء أظافر، مشط، علبة علكة أو حلوى، إكسسوارات زينة... هذه الأشياء الزائدة عن حاجة الرجل قد تكون ما تحتاجه المرأة لمواجهة العالم الخارجي...هو الحفاظ على المظهر إذأً، وإبراز للأنوثة والجمال. لكن ليست كل النساء مهووسات بترميم ما يطرأ من تغييرات على مظهرهن بعد مغادرة المنزل، ولسن كلهن مهتمات جداً بأناقتهن، ومع ذلك، فالعثور على امرأة بلا حقيبة يد أمر شبه مستحيل. «هناك دائماً أشياء نحتاج لأن تكون معنا في حقيبة اليد»، تقول المهمِلات. وللأمهات أقوى المبررات، فحقيبة اليد بالنسبة إليهن كقراب حيوان الكنغر، يضعن فيها أغراض الصغار. تفيد حقيبة اليد أيضاً في حمل الأشياء الطارئة أو إبعادها عن الأنظار. وحتى اللواتي لا يجدن ما يحشين به حقائب اليد، ويكون بوسعهن الاستغناء عنها ببساطة، لا يفعلن. إنها «تبعث على الاطمئنان»، تُشعر المرأة ب «وجود رفقة»، وفي مطلق الأحوال، شكل المرأة يبدو «غير محترم» من دونها. محض أكسسوار رفع مكانته تعلق غريب واستخدامات غير أساسية إلى ضرورة، وإلا كيف يستطيع الرجل الخروج من دون حقيبة يد؟ حاولت صناعة الموضة أن تزعزع اليقين الكامن في هذا السؤال الذي تطرحه النساء بلا إجابة. تم الترويج، ولا يزال، لحقائب يد رجولية متعددة الأشكال والأغراض، تلائم مراتب الرجال الاجتماعية وأعمالهم وأعمارهم، لكن العروض والإغراءات على أشكالها لم توقع الغالبية الساحقة للرجال، ولم تخلق لديهم الحاجة إلى حقيبة يد. أليست بعض النساء محقات في التفكير بأن الرجال لم يستغنوا عن حقيبة اليد إلا لأنهم يضعون أشياءهم في حقائب يد نسائهم!