إن الثناء على الآخرين بما يستحقون ، في حضورهم وغيابهم، فيه شجاعة وسخاء نفس ومحبة للخير وأهله وعشق لمكارم الأخلاق وحرص على أن تسود تلك المكارم وتزيد.. وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يثني على الناس بما يستحقون، قال لأشج قيس: (إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة) وقال عن الفاروق (لم أر عبقرياً يفري كفريه) وذكر أن الشيطان يهرب من طريق عمر، وقال عن زوجته خديجة (إني أحب حبيبها) وكان دائماً يذكرها بالخير، ولقب أصحابه ألقاباً رائعة سرت على الدهر (الصدّيق والفاروق وأسد الله وسيف الله المسلول) ونحو ذلك مما يحمل الثناء الواقعي.. إن الثناء الصادق اعتراف بالحق، وإنصاف للمجيدين وذوي الصفات الحميدة، وهذا الثناء لا يقدمه إلا أصحاب القلوب الكبيرة والخصال النبيلة والذين يحبون الناس ويحبون الصفات الحميدة فيحرصون على ترسيخها في نفوس أصحابها، وجعل الآخرين يتوقون لها، ويتبارون في التسابق عليها.. أما الذي يمنع كثيرين من الثناء على الآخرين بالحق، فهو خصلة أو أكثر من الخصال التالية: الحسد.. الغيرة،.. الجحود وقلة الإنصاف.. الخوف من غرور الطرف الآخر.. الخشية من المجاملة التي قد تفسر بأنها (نفاق اجتماعي).. وكل هذه الخصال من خداع العقل السقيم أو اللئيم.. فإن الثناء على الرجل.. أو المرأة.. بما هو فيهما لا مجاملة فيه.. ولا يؤدي إلى الغرور.. بل يؤدي إلى زيادة المودة.. والحرص على تعميق الخصلة الطيبة.. وهناك لؤماء - عكس الكرماء الذين يثنون بما يعلمون جهراً - اللؤماء يقبرون الحسنات وينشرون السيئات، يكبرون الأخطاء الصغيرة ويتغافلون عن الصواب الكبير.. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً.. فإن الكراهية تلازم اللؤماء ومعها ذئب الحسد ينهش قلوبهم وسوس الحقد يقرض أعصابهم.. وفي محيط الأسرة فإن بعض الآباء قلما يثني على ابنه.. أو ابنته.. أو يمتدح زوجته.. لكنه شاطر في النقد المر.. والتعنيف المخيف.. ويزعم أنه يعفل ذلك حرصاً، وما فعله إلا جهلاً.. فإن الثناء على الجوانب الطيبة في الزوجة والأولاد وبالفم الملآن يجعل حياتهم أسعد، وسلوكهم أفضل، ويشمل البيت بروح المودة ترفرف فيه بنسيم الرضا والسعادة.