نشعر دائمًا - في تربيتنا وتوجيهنا- أننا في حاجة ملحة لبيان الأخطاء وممارسة الانتقاد، وفي كثير من الأحيان يتحول إلى اللوم والعتاب، لصقل موهبة وتعزيز إيجابيات. إن النفس الإنسانية تحتاج للثناء والتشجيع، وتميل إلى الشعور بالنجاح والإنجاز كما أنها تتأثر بالنقد البناء والتسديد، لكن ما يأخذه النقد واللوم من واقعنا أكثر بكثير مما يأخذه الجانب الآخر. ولكم في رسول الله أسوة حسنة فمن يتأمل السنة النبوية المطهرة يقف عند ثناء الحبيب المصطفى يجد أنه يُثني على أصحابه في مواقف عدة منها: قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة"، وقوله لأبي هريرة رضي الله عنه : "لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لِمَا رأيت من حرصك على الحديث"، وقال أيضاً : "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة"، وقال لابن مسعود رضي الله عنه : "إنك غلام معلم"، ومن نظر في أبواب المناقب رأى الكثير في ذلك. إن التعزيز يُشعِر الشخص بالرضا والإنجاز، ويزيد من ثقته بنفسه، والمربُّون اليوم أحوج ما يكونون إلى غرس الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على الإنجاز في ظل جيل يعاني من الإحباط، وتسبق هواجس الإخفاق تفكيره في أي خطوة يخطوها، أو مشروع يُقدم عليه. في حين أن النقد الهدام واللوم يسهم في تكريس الشعور بالفشل والإحباط ونموه في النفس، ويضيفه صاحبه إلى تجاربه المخفقة. والتعزيز وسيلة غير مباشرة لإثارة تطلُّع الآخرين وحماستهم للتأسي بالمُثْنَى عليه والاقتداء به، وإبرازه مثلاً حياً مشاهَداً أمامهم ، وحتى يؤدي دوره دون إفراط فلا بد من الاعتدال؛ فالمبالغة فيه تُفقده قيمته، وتشعر من يسمعه بأنه تعزيز غير صادق ولا جاد. وهو مذموم حين يوجه لمن لا يستحقه، أو لمن يخشى عليه العجب والغرور؛ بل يستحق من يطلقه حينئذ أن يُحثى التراب في وجهه، كما قال صلى الله عليه وسلم : "إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب".