أستغرب لما اقترنت تفسيراتنا لمعنى أن "النظافة من الإيمان" في المنعطف المختصر لنظافة البدن والملبس والمكان؟!. لاسيما أن الإيمان معنى عظيم ومادامت شطراً أو شيئاً منه فلمَ لا تشمل المقصد الأعمق لها، والذي هو نقيض لكل ما تدنسه الوساخة والقذارة؟. ماذا لو فكرنا أنها نظافة القلب والضمير واللسان والجوارح عامة، وحتى الظن في كل شيء قبيح ومتسخ بسوء النوايا، فما نفعي من أن أراك بثوب نظيف ويشع نظافة وأنت في الصحبة كنافخ الكير إما أن تحرق ثياب من جالست أو يجد منك ريحاً منتنة، وما فائدة أن تغسل وجهك ونظرات الحقد والحسد شرار تصيب من حولك، وتحرص على تنظيف الفم والأسنان وتترك اللسان قذراً يخرج منه أوسخ الكلمات وأقذر الألفاظ، وما نفعنا بأن تغسل البدن وداخل الجسد قلب طمس عليه الران أو موسوم بعدم الرحمة ويفتقد الإحساس الجميل، ولا نظافة لمن له ضمير كالجيفة لا تشتم منه إلا النتانة، فبياض البشرة لا يؤكد نظافة الداخل ولا السواد دليل الكدر فليست إلا ألواناً، وجوهر صاحبها هو ما يعبر عن بياض وسواد . معنى النظافة شامل وعام وواسع ولا يجب أن نختصره في دهليز ضيق ولو من باب أن يليق بالاقتران بالإيمان، ولا نقلل بذلك من شأن أهمية النظافة الشخصية وغيرها بيد أن التوسع من باب أولى. نعم.. نقِّ قلبك، وعقم ضميرك، ونظف منطوق لسانك، واهتم بتطهير جوارحك من الخطايا والآثام، واحفظ ظنونك ولا تعكرها بسوء ووساوس فهذا من الحرص وتحقيق عمق الإيمانيات المناط بنفس المسلم تحملها وصونها والعمل بها. لأن النظافة من الإيمان فلنحرص على صفاء عام وشامل من قمة الرأس لمخمص القدم مروراً بالأعضاء، وكل نبضة إحساس تنبض في ذاك الجسد الحي، ولكي تحتفظ له بقدر كبير من النظافة والريح الطيب حتى بعد أن يغدو تحت التراب، فيحاسب حساباً يسيراً ويبشر بجنة عرضها السموات والأرض، ويطيب ذكره بين الناس حاضراً وغائباً، ولا تفتر عند ذكره الدعوات بالرحمة والمغفرة. لنقل: "النظافة من الإيمان" من باب التذكير الذي ينفع المؤمنين، ونراجع الفكرة الأبعد من مخطوط لوحة على حائط مدرسي، أو في زاوية سبورة فصل كنا نقرأها ونحفظها صغاراً، ولنجعلها تناسبنا كباراً مكلفين، وكما أن أدوات النظافة تزيد عند البالغين، وكذلك الآلية لابد أن تختلف، ولنتبع الأسلوب الأنجع للنظافة ونعلمها الأجيال، وعلى الله المتكل، وهو من يراقب الأعمال ويحاسب عليها، وما السرد إلا نحو اجتهاد يرجى به ما عند الخالق، وليحتكم له، وليستغني فيه قلب يقر ويؤمن به. ومضة: قال المتنبي: ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ