1. العبارة مشجب التاريخ (ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى). إلى مثل هذه الكلمات زحف صهيب الرومي من التعب على يديه وركبتيه إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في مسجده ليضع رأسه في حجره، والرسول ينفض عن رأسه الأذى وقد قضى عشرة أيام يسير على قدميه مهاجراً من مكة بعد أن أخذت قريش راحلته. ليست هذه الكلمات وحدها التي تشع من عصر النبوة مثل الأقمار الصغيرة في الذاكرة. (ما فعل رسول الله؟) أول ما نطق به أبو بكر رضي الله عنه حين قام من غشية أدركته بعد أن ضربه المشركون ضرباً شديداً. كل عبارة تصنع نفسها مشجباً للتاريخ، يتساقط منها ما يتساقط من الحنين والشجو المفرق في غرف العاطفة كالياسمين. (أو تجلس فتسمع؟) سؤال استقبل مصعب بن عمير بها اثنين من سادات الأوس-سعد بن معاذ وأسيد بن حضير-وكلاهما يأتي إليه مغاضباً ينهره ليصده عن الدعوة، حتى إذا سمع الأول من مصعب أسلم، ثم جاءه الآخر فسمع كما سمع الأول فأسلم هو أيضا. (اذهبوا فأنتم الطلقاء) قول النبي صلى الله عليه وسلم حين أقبلت عليه قريش بعد الفتح وفيهم سهيل بن عمرو الذي قال: أخ كريم وابن أخ كريم. هي كلمات كالشمس شعت على ما جرى في النفوس من ماء الظنون حين قال النبي: ما تظنون أني فاعل بكم؟ (لا تحزن إن الله معنا) أطناب تثبت قلباً يخفق كالخيمة من رياح الخوف التي هبت من كل جانب. كلمات طمأن بها رسول الله صاحبه أبا بكر وهما في الغار. كلمات كالغدران التي تعكس قمر الحقيقة كل ليلة فيظمأ إليها المسافر فيملأ منها قربته. لكن يبقى ما يرن بين جنبي الراحل من الباطل إلى الحق كلمات تدق حديد النفوس كصانع ماهر للسيوف، تتردد صدى في الصدى، تدق: أحد، أحد. تدق بصوت بلال، هكذا إلى الأبد. 2. القافية مشجب المعنى أكذب في نفسي خريفاً مشيته؟ وريقاته في مرمر القلب تكنسُ خريف نمت أشجاره في جوانحي ومن رئتي غاباته تتنفسُ تدور نواعير الهوى في رياحه وتصفر في دولابه وتوسوسُ على هضبات الروح عشب مورد وفي مفرقي يا قلب شيب مكدسُ