لم تكن العلاقات العراقية السورية على خط مستقيم، فزمن الملكية، وحلف بغداد، كانت سوريا القومية، والوحدوية، تتعاون مع مصر عبدالنصر على قلب نظام الحكم، وتم بالفعل، غير أن عبدالكريم قاسم قلب الطاولة في وجه دولتي الوحدة الثنائية، وأنشأ تياراً أقرب للشيوعية، وكانت الأحزاب اليسارية تعارض الوحدة إلى الاتحاد طمعاً بأن تبقى الهيمنة شيوعية بدعم سوفيتي، وحتى زمن بعث دمشق وبعث العراق، نشأ عداء بين الفرعين أكبر من أي عداء سابق.. فصدام حسين كان يرى نفسه البديل عن عبدالناصر في قيادة الأمة العربية، وأن عروبته أكثر صدقاً من حافظ الأسد والذي عرف عنه مهارة سياسية غير عادية، وكلا الزعيمين يجد نفسه لاعب الدور، لا ظله، ومع أنهما يتلقيان سلاحهما من الاتحاد السوفيتي، ثم روسيا إلا أن التقريب بينهما ظل متقاطعاً، بل ذهب الأسد إلى إيران الخمينية عدو صدام الأول، وقد قيل وقتها إن براعة الأسد في هذا التقارب، أهم من مغامرة صدام الدخول في حرب مع قوة اقليمية كبرى، لكن ما كان يخفى على الجميع أن الأسد كان يتحالف من خلال الطائفة، وهو ما اتضح بشكل مكشوف مع بشار الابن عندما تحوّل الموقف إلى شراكة استراتيجية أنجبت حزب الله ليشكل الثلاثي مع العراق الطوق الجديد للشيعة والعلوية.. ما بعد احتلال العراق، لم تكن دمشق على توافق مع نظام بغداد، فقد آوت القيادات البعثية من بقايا حكم صدام، وفتحت المجال لهم ليقاوموا ويتحالفوا مع قوى أخرى مما تسبب في أزمات أمنية وسياسية، استدعت أن تشتعل المذابح على الهوية، ثم ضاعفت دمشق نشاطها في تدريب وتسليح أعضاء من القاعدة دفعت بهم إلى المدن العراقية من خلال حدودها، مما سبب أزمة بين النظامين، إلى أن قامت الثورة السورية، فجاءت انعكاساتها حادة على طرفي العلاقة المتوترة، وليتحول العداء إلى تحالف، وهذه المرة ضد سنّة سوريا بشعور أنهم لو حكموا فموازين القوى سوف تتغير في العراق ولبنان وإيران، ومن هنا بدأت المعونات لحكومة دمشق وفتح الحدود لتمرير المعونات والأسلحة والمتطوعين من إيران والعراق.. الحالة الراهنة، وبعد استيلاء الجيش الحر على المنافذ ومنها ما يربط سوريا بالعراق تحول الموقف إلى دعم المعارضة في الداخل العراقي، كرد فعل من الثوار السوريين وأصبح الطرف السني والقبلي أكثر تفاؤلاً بنظام سوري جديد يعزز مواقفهم ضد الدولة الطائفية العراقية.. هذه الصور المتداخلة، والتاريخية، والتقلبات السياسية والحزبية، لم تجعل دمشق تتآخى مع بغداد، بينما الرؤية الواقعية، ترى لو حدث تكامل سياسي واقتصادي، فإنهما ستصبحان القوة الهامة في المنطقة العربية، لتوفر العديد من الروابط، غير أن تنازع الزعامة بينهما أبقى الأمور مستعرة، والمنجز الوحيد الذي تم بينهما دخول الجيش العراقي لمساندة سوريا في حربيها مع إسرائيل، وقد جاءت بفرضية الحاجة، ومع نهايات هاتين الحربين عادت الخلافات إلى الدوران، وستظل قائمة، إلى أن يحكم البلدين نظامان يقدمان المصالح على غيرها، وهو أمر لا يلوح بالأفق..