بدأ سياسيو وعسكريو الولاياتالمتحدة المعنيون بالشأن العراقي، بالعمل على إيجاد سيناريوهات جديدة للتفجيرات التي وقعت في العراق أخيراً واستهدفت أجهزة الدولة، وراحوا يتحدثون – بلغة الواثق – عن أن التفجيرات التي طاولت وزارات ومقار حكومية، هي نتيجة التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي العراقي قبيل الانتخابات، الأمر الذي حدا بتنظيم القاعدة إلى تغيير توجهه، فراح يضرب الوزارات ومرافق الدولة لشلها، بدلاً من ضرب المساجد وإيقاد الفتن الطائفية. هذا كلام منطقي وعقلاني لو لم تكن الحقائق على الأرض تختلف كلياً عما يثار هنا وهناك حول التفجيرات التي طاولت بغداد واتُهمت فيها دمشق. الحكومة العراقية اتهمت سورية بدعم قياديين في حزب البعث العراقي يقيمون في سورية، وانهم (القياديين) وراء تفجيرات آب (أغسطس) الماضي، بينما الأميركيون يرون أن ذلك تغيير في استراتيجية تنظيم القاعدة لمواجهة التحالفات الانتخابية الجديدة، خصوصاً أنها (التحالفات) أخذت منحى وطنياً بهدف إسقاط نظام المحاصصة الذي وضعه بريمر. من الواضح أن الحكومة العراقية بسلطاتها الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان) تعيش حالاً من القلق على مستقبلها، بسبب تغير الموقف السوري من تطورات الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق. دمشق لم تنكر – ولو للحظة – أنها آوت بعثيين عراقيين من ضمن أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ عراقي دخلوا إلى سورية بعد الاحتلال الأميركي للعراق، كما أنها (دمشق) لم تعترف بأنها على علاقة مع تنظيم القاعدة في أي من مراحل توغلها أو تجنبها الملف العراقي، لكن ساسة العراق الذين اتهموا سورية بالتفجيرات التي طاولت بغداد، يجهلون أن التحول في الموقف السوري تجاه العراق، لم يأت نتيجة تحالفات جديدة، بل انه نتيجة قناعة سورية – وإن كانت متأخرة – بخطورة قيام نظام طائفي في العراق، بينما ما زالت دمشق تعاني من النظام الطائفي القائم في لبنان. من حق دمشق أن تغير موقفها من الوضع في العراق، متى ما رأت أن مصلحتها كدولة في الموقف الآخر، لكن ليس من حق الحكومة العراقية اتهام سورية بدعم هذا الفصيل أو ذاك للقيام بتفجيرات داخل العراق، وعليها (الحكومة العراقية) أن تفكر جيداً بمن هو المستفيد من هذه التفجيرات. ألم يعلن الجيش الأميركي أن الصاروخ الذي ضرب إحدى القاعات المعدة لاجتماع عشائري برئاسة نوري المالكي، انطلق من مقر أحد الأحزاب المنافسة للمالكي؟ ألم يكن مقرراً أن تكون زيارة المالكي إلى دمشق لمدة ثلاثة أيام واختصرت ليوم واحد ليعود إلى العراق عشية الأربعاء الدامي؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تؤكد أن اتهام الحكومة العراقية لدمشق بوقوفها وراء التفجيرات، هو اتهام تدفع به «قوى إقليمية» لثني سورية عن توجهها الجديد، وتغيير موقفها المتصلب من الوضع في العراق، وهو الموقف الذي دفع بوزير الخارجية السوري وليد المعلم الى أن يرد على نظيره العراقي هوشيار زيباري عندما سأله الأخير: متى يعود السفير السوري إلى بغداد؟ بقوله: عندما تتغير الحكومة، وذلك بحسب صحافيين تابعوا اللقاء الذي تم مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في اسطنبول. وإذا ما افترضنا جدلاً صحة هذا الاستنتاج، المتمثل بأن اتهام العراق لسورية بالوقوف وراء التفجيرات، هو محاولة لثني دمشق عن موقفها الجديد، وهو الموقف الذي يدعم التيارات الوطنية العراقية عشية الانتخابات لتجنيب العراق تكريس اعتماد المحاصصة الطائفية أولاً، ونزع مخالب إيران من السلطة ثانياً، فما الذي يدفع أميركا لاتهام القاعدة بتفجيرات بغداد؟ وهل وراء الاتهام الأميركي للقاعدة بضرب حكومة المالكي مشروع سياسي؟ وما هو المشروع الأميركي؟ خصوصاً أن الأميركيين يعرفون جيداً من الذي قام بالتفجيرات. قال السياسي العراقي صالح المطلق بعد تفجيرات الأربعاء الدامي، ما معناه: ان هناك من يريد أن تعم الفوضى في العراق، ودائماً هناك شماعة اسمها: القاعدة. هل يدخل اتهام الأميركيين للقاعدة في سياق تصريح المطلق، أم أنه تحضير لمرحلة ما بعد التحالفات الوطنية العراقية، أي بعد نزع مخالب إيران من الجسد العراقي المضرج بدمه منذ أكثر من ستة أعوام؟