يُعد "التطوع" من أسمى صور التلاحم والتراحم بين المجتمع، بل إنه يحطم الأبعاد المادية في نفس الإنسان، فتبعد "الأنا" عنه، وتجعله ينكر ذاته لصالح مجتمعه وأمته. من يزور الأحساء هذه الأيام سيرى التطوع يتجسد قولاً وعملاً من خلال مشروع اجتماعي مضى عليه عقدين من الزمن، لكن جذوته لم تنطفئ قط، فمشروع "الزواج الجماعي" أشعل المصباح في نفس العاملين، والذين يربوا عددهم على مستوى المحافظة على (10) آلاف من مختلف الأعمار، موزعين على (18) قرية، حيث يتسابق الأبناء للانخراط في اللجان التي يستمر عمل البعض منها لمدة (10) أشهر. مجموعة تجهز الوجبات للحضور وترمي هذه المهرجانات إلى تخفيف الأعباء المادية عن كاهل العرسان، لكنها ومع الأيام ولّدت فكر وثقافة جديدة على كثير من مجتمعنا اسمها "التطوع". أطياف المجتمع وقال "مصطفى الحليمي" -مشرف جماعي الشعبة-: إن عدد العاملين في مهرجانهم يصل عددهم إلى (1300) متطوع، مؤكداً على أن من بين المتطوعين أطباء ومهندسين وأكاديميين ومعلمين، فالكل يعمل منذ (18) عاماً بإخلاص لا نظير له. وفي مكان تجهيز وجبة العشاء التقينا "حجي محمد الناظري" -سبعيني- وقد تحامل على مرض ألزمه السرير طوال الأشهر الماضية، تناسى مرضه وظل طوال ليلة المهرجان واقفاً يعمل ويحمل هذا الكرتون ويوجه ذلك الشاب، أمام هذه الصورة الرائعة تتجلى معاني التكاتف الاجتماعي وحب العمل التطوعي ابتغاءً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، في مجتمع مؤمن وبلد يرعى هذه الروح ويحث عليها، تحدث إلينا واصفاً ما يعمل به أنه إحساس بالواجب، وليكون قدوة للشباب، حتى يرى الصغير كيف أن الكبير يخدم مجتمعه، وبلغة الواثق والمؤمن بعمله أكد على أن حبه العظيم لخدمة مجتمعه أنسته المرض تماماً. طفل يحمل الأواني بعد الانتهاء من الأكل جسد واحد وفي موقع آخر شمّر "ناصر عوّاد البراهيم" -65 عاماً- عن ساعديه وتحدث عن بُعد آخر للعمل التطوعي المتمثل في الجانب الديني، مستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى شيئاً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، والحديث الذي يقول فيه الرسول الكريم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، مبيناً أن الامتثال لهذه الأحاديث النبوية خلق هذا الشعور لدى الجميع، فالكل يطلب الثواب من الله سبحانه وتعالى، مشيراً إلى أن هذا أكبر حافز لدى الصغير والكبير، كما أن العمل المنظم عامل يجذب المتطوعين ويدعو إلى الانخراط فيه. صغار يشاركون في تجميع بقايا الأكل بمساعدة أحد الكبار شعور بالفخر وأوضح "عبدالله البريه" -معلم- أن سجية الإنسان في القدم تتجلى في الجيل الجديد، بل أصبحت الدافع وراء التطوع والشعور بالفخر، داعياً إلى تعزيز هذه الروح لدى الشباب من باب التواصي بالحق. وقال "خالد البريه" -نائب رئيس مهرجان الشعبة-: إن ساحة المهرجان المليئة بالمتطوعين أكبر شاهد على الروح الوثابة التي يتصف بها البعض، مضيفاً أنه من الجوانب المهمة التي تدفع الشباب والنشء في الانخراط في هذا العمل التطوعي، هو زيارة المسؤولين الشباب في ملاعبهم، وتقديم الهدايا لهم، مع توضيح أهداف المهرجان. وذكر "م.عباس الحليمي" أنه يشعر بالنقص عندما لا يشارك مجتمعه في أفراحهم أو أحزانهم، مؤكداً على أنه إحساس عاطفي واجتماعي، مبيناً أنه على الرغم من مشاغله، إلاّ أن ذلك لم يمنعه من التطوع وخدمة المجتمع في أكثر من موقع. أطفال يتعاونون من أجل توصيل الحلويات إلى الضيوف مظهر حضاري ووصف "م.يوسف الفرج" ما يعمله من تطوع، بأنه فكر تربى عليه منذ الصغر، معتبراً ذلك شرف وعز له في خدمة مجتمعه، متمنياً أن يرى هذا الشعور لدى جيل الشباب، وأن يكونوا متطوعين في كافة المجالات الاجتماعية، سيما وأن مجتمعاتنا تعاني من بعض القصور في التواصل بين الأفراد والأُسر. وقال "عبدالخالق الناظري": إن المردود الكبير الذي سيعود على وطنه هو أكبر حافز دفعه للتطوع، مبيناً أن عمله في خدمة الناس يُعد مظهراً حضارياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، مؤكداً على أنه بذلك يرد جزءاً من جميل هذا الوطن، موضحاً أن تلك الصور من التعاون دليل على التآلف بين أبناء القرية. شباب متطوعون ينظمون حركة السير أساس متين وذكر "أمين كاظم بوحسن" -مُعلم- أن العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية هي أساس التقدم، مضيفاً أن الإنسان عندما يبتعد عن مشاركة إخوانه في أفراحهم وأحزانهم، فإن ذلك دليل سلبي على روح التعاون في المجتمع، مبيناً أن المشاركة المجتمعية هي أساس متين وقوي في التكوين وربط العلاقات الإنسانية، فعندما يعمل أحدنا في خدمة الزواج الجماعي أو في مواقع مماثلة، فإنما يغطي جانب من تلك الخدمة التي تعود حتماً عليه بالنفع. وأكد "محمد سلطان الحميدي" -مُعلم-أنه لا يبتغي شيئاً من تطوعه سوى الثواب من الله سبحانه وتعالى، مضيفاً أنه لا يرى ضيراً في أن يرد جزءاً من الجميل الذي لقيه من العاملين في الزواج الجماعي. وقال "عبدالرزاق الصبي": إنه سعيد بمشاهدة أفراد المجتمع يعملون لإسعاد بعضهم البعض، مشدداً على أنه من المهم أن يُربي الآباء أبناءهم على مثل هذه الصور، والتي تعبر عن التلاحم بين جميع الأطياف والهدف واحد. خلية نحل وعمل ضخم في كل جانب صغار يجمعون بقايا الغذاء فرحة وابتسامة بالتطوع والعمل حجي الناظري يحمل المياه م.عباس الحليمي وأمين بوحسن عبدالخالق الناظري مصطفى الحليمي ناصر البراهيم عبدالله البريه م.يوسف الفرج خالد البريه عبدالرزاق الصبي