كم هو مؤلم للنفس أن يودع الإنسان من يحبه , من يحترمه ويجله , ويحس عميقاً بأنه يستحق هذا الحب والاحترام والإجلال . وقد أصبت بصدمة كبيرة عندما أخبرتني ابنتي بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز صباح يوم السبت 26 / 7 / 1433 , (16 يونيو2012) . لقد كان مصاباً جللاً ليس على مستوى المملكة فقط ولكن على مستوى العالم العربي والإسلامي وربما على مستوى العالم. إن رحيل العظماء يختلف عن رحيل غيرهم , لأنهم يتركون بصماتهم وأعمالهم الجليلة نبراساً للآخرين , وتبقى تلك الاعمال والمآثر شاهداً على ماقاموا به من إنجازات أسهمت في تقدم بلادهم , ولتكتب سيرهم فيما بعد بمداد من ذهب لتنهل منها الأجيال المتعاقبة. والحديث عن فقيد الأمة العربية والإسلامية لايمكن أن يحيط به الإنسان بسهولة , فلقد كان الأمير نايف قامة عملاقة في الأمن والاستقرار بالمملكة , ورجلاً حكيماً في تعامله مع الأحداث على مدى أكثر من 35 عاماً في إدارة وزارة الداخلية . وتحسب لسموه نجاحاته الكبيرة في رئاسة لجنة الحج سنوياً , إضافة إلى أعماله العديدة في مجالات الأمن الوطني والأمن الفكري ورئاسته الفخرية لمجلس وزراء الداخلية العرب . ومن مآثره – يرحمه الله- إنشاء أكاديمية نايف للعلوم الأمنية والتي تحولت إلى جامعة عملاقة في الدراسات العلمية الخاصة بالأمن والوعي الأمني لجميع شرائح المجتمع , وتخريج أعداد كبيرة من الشخصيات في مجال الأمن والعلوم الأمنية . وفي مجال الكراسي البحثية تشرفت بعض الجامعات في المملكة بإنشاء كرسي الأمير نايف للأمن الفكري وكرسي الأمير نايف للوحدة الوطنية , وكرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية . وحرص - رحمه الله - على رعاية الأنشطة الدينية , وتجلى ذلك في رعايته لجائزة السنة النبوية , وهي جائزة عالمية مخصصة لدعم الباحثين والعلماء في مجالات السنة وعلومها , ورعايته لمسابقة الأمير نايف بن عبدالعزيز لحفظ الحديث النبوي الشريف , واهتمامه بضيوف بيت الله الحرام ومسجد نبيه الكريم من خلال إشرافه المباشر على الخدمات المقدمة لهم في المشاعر المقدسة . ومن مآثره العظيمة التي سيظل يذكرها التاريخ محاربته للإرهاب بمختلف صوره وألوانه , ومكافحة المخدرات . أما في مجال علاقاته وأحاديثه فهي تشكل أحد أهم ملامح شخصيته المتعددة الجوانب . والمتأمل لحديث الأمير نايف - رحمه الله - في لقاءاته الكثيرة يلاحظ قدرته الرائعة على الحوار , وثقافته الواسعة التي يمتلكها, بالإضافة إلى أسلوبه الرصين , وحكمته وإحاطته بما يجري في العالم, وقدرته على الإقناع بالحجة الناصعة .وقد تعامل رحمه الله مع الفئات الضالة بالحكمة واللين والرفق عبر إشرافه على برنامج المناصحة حتى عاد كثير منهم إلى جادة الصواب , وأصبحوا مواطنين صالحين.. رحم الله فقيدنا الغالي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته .وحفظ الله بلادنا العزيزة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله , وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز, خير خلف لخير سلف , وأدام الله الأمن والتقدم والازدهار لبلادنا الحبيبة..