المشهد المتكرر الذي يجلب التثاؤب في غرف الوزارات الحكومية الباهتة لرجل متململ لم يحلق ذقنه منذ أربعة أيام يمسك فأرة الكمبيوتر بيده اليمين ويلعب لعبة السولتير(الورق) ويعيد اللعبة مرارا مع انه يربح كل مرة أصبح خلال فترة وجيزة مشهداً يدل على السذاجة المفرطة. الإيقاع الهابط للحياة تغير وأصبح المناخ الساذج مناخاً أكثر تيقظا وذكاء وتحول مجموعة من الخاملين إلى مجموعة شبيهه بمجموعة نابهة من المصرفيين. ليس هناك أي دوافع مهنية وأخلاقية خلف ذلك فهناك الكثير ممن يجلسون أمام شاشات الكومبيوتر ولكن ليس ليقوموا بتحريكات معروفة لورق الكوتشينة ولكن لشراء وبيع أسهم تصل أسعارها إلى مئات الآلاف من الريالات. ينقر صديقك على شاشة الكومبيوتر وفي الوقت الذي تعتقد أنه يبحث عن أغنية قديمة أو صورة فنانة لبنانية جميلة تجده يقول لك شيئاً جديداً لم تكن تعهد سماعه قبل شهور قليلة. مثل صيحته: (الآن ربحت عشرة آلاف ريال). في احد منتديات الانترنت طرح أحد الاعضاء قبل مدة موضوع كتب في بدايته. (الآن يمكن ان تقولوا لي مبروك. لقد أاستطعت قبل دقائق أن أجمع مليون ريال عن طريق الأسهم). مايحدث أشبه بانحناءة حادة خارج سياق الزمن الخاضع لقوانين واقعية واضحة ومحددة. قبل شهور كان شخص ينظر إلى المستقبل كفتحة كهف هائلة وهو عاجز أن يضمن لأولاده بيتاً صغيراً يجمعهم بعد موته. فجأة قفز على كل ذلك وتبددت كل الأفكار السوداوية القاتمة المتعلقة التي تصبغ المستقبل وأصبح يفكر أن عليه بعد سنوات قليلة أن يغير سكنه ويختار بلداً أوروبياً راقياً ليقضي فيه أيام الصيف اللاهبة. يقول سيف محمد(53 عاماً): (لم أكن أتوقع أبدا ما حدث. أخذت قرضاً كبيراً من أحد البنوك لأنجز بعض المتطلبات الملحة. بدأت فورة الأسهم وقررت التمهل قليلا والمراقبة. وضعت خطة رومانسية وخطيرة تقول: «لن أقوم بتسديد ديوني والوفاء ببعض المسلتزمات. سأدخل في الأسهم والأرباح التي سأجنيها من ذلك سأدفعها للدائنين وسأعيد المبلغ الذي أخذته من البنك إليه» هل تصدق لقد نجحت خطتي ؟ حتى انا لم أصدق ذلك. أنا قادر الآن الذهاب إلى البنك وإعطائهم المبلغ الذي اقترضته منهم. ووضع ثلاثين ألفاً في جيبي). الكثير من السعوديين والسعوديات يعيشون حالات نفسية وذهنية حادة ومتضاربة من هذا النوع. حتى العقلاء والمغالين في الواقعية هزهتهم هذه الحالة الجديدة والاستثنائية وجعلتهم يتوسلون إلى مديري البنوك ليعطونهم أكثر قدر ممكن من المال ليدخلوا به في سوق الأسهم. تشير الإحصائيات أن أكثر من مليوني فرد يتواجدون في سوق الأسهم وهذا مايفتح الباب على مشهد درامي مشحون بالمشاعر ومزدحم بالكبار والصغار النساء والرجال الرابحين والخاسرين والخائفين والمترددين والمترقبين والحالمين والتائهين. ماذا يمكن ان نتوقعه خلف هذه الظروف التي اجتاحت العقول والقلوب وجعلت كل شيء دنيوي يأتي في المرتبة الثانية من المباريات الساخنة وحتى الألبومات الغنائية. ماهي الثقافة الجديدة التي يمكن ان تنشأ من كل ذلك؟. أصدقائك الذين قضوا اعواماً طويلة وهم يبحثون عمن يقرضهم مائتين ريال آخر الشهر أصبحت أرصدتهم تضم خمسة أو ستة أرقام. هذا ليس بالشيء القليل وعلى الأقل أنهم لم يعودوا يتعاملون معك أو لن تتعامل معهم كما في السابق. دائرتك الصغيرة ستختض وتنقلب على رأسها وهذا ما بدا يشعر به الكثير من الناس سواء مع أصدقائهم أو حتى مع انفسهم. قبل سنتين كان السوق لا يضم أكثر من خمسين ألف مساهم ولكن يجوز لنا أن نتكلم عن ملايين. زيادة أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية وفتح قنوات الاستثمار أنعشت السوق ودفعت الكثيرين للدخول فيه. يقول المحلل الاقتصادي راشد الفوزان: (بعد دخول الشركات الكبيرة في الأسهم رأى الناس أن سوق الأسهم عبارة عن منجم ذهب. هناك من ربح مبالغ كبيرة جدا ولكن مع ذلك هناك الكثيرون معرضون للخطر لأنهم مازالوا يفتقدون للوعي الكافي بما يحدث لهم. لا يوجد أي تحليل أو قراءة أو بحث عن المعلومة. الطريقة المتعبة: معاهم معاهم عليهم عليهم. المهم الربح ولكن هذا الوضع خطير جدا ومتفجر وقد يتحولون إلى ضحايا). يقول بدر محمد(52عاماً) أنه اقترض مالاً كبيراً من أحد البنوك وسيقوم بتقسيطها على عشر سنوات وهي مدة طويلة ومضنية. دخل بدر في الأسهم ويفكر بإرجاع المبلغ بأسرع وقت إلى البنك حتى لا تزيد الفوائد عليه. ويضيف: (أقوم بعمل جيد لحد الآن. ربحت بعض المبالغ ولكن ليس كما توقعت. بعد الهزة الاخيرة التي ضربت السوق وسحبته إلى حدود دنيا ساءت حالتي النفسية كثيرا). هناك الكثيرون مثل بدر المتعبين والواقعين تحت ضغط عصبي كبير. يقول الفوزان: (هناك تأثيرات نفسية واجتماعية كبيرة بسبب هذا الوضع الاستثنائي. أعرف أناساً باعوا بيوتهم أو رهنوها وهناك نساء بعن مجوهراتهن من اجل الدخول في سوق الأسهم. هناك من ربح ملايين وهذا يغري عدداً أكثر من الناس للإنخرط في العملية. إذا لم تكن تعرف بشكل واع وحقيقي بما يحدث وتستمع للتوصيات عن طريق الجوال فإنك مهدد لتصبح ضحية وهذا ما حدث فعلا). قبل مدة كانت صالة البنوك رتيبة لا يجلس فيها إلا كبار السن والمتقاعدون من اعمالهم. كانوا يتلذذون اكثر بطعم الشاي الذي يشربونه أكثر من طعم الأرباح الضعيفة التي يربحونها بين فترة وأخرى. الآن من الصعب ان تجد لك مكاناً في كلا الفترتين وأصبح صغار السن يزاحمون الكبار على مقاعدهم الخالية سابقا. عدد الوسطاء زاد عن السابق وارتفعت قيمتهم كثيرا حتى أصبحوا بأهمية مدير الفرع أو نائبه. يقول الوسيط (أ.ق) من البنك العربي إنه كان يعمل سابقا لوحده وكان ينجز مهماته بدون ضغط كبير يذكر أما الآن فقد تم زيادة ثلاثة موظفين آخرين ومع ذلك بالكاد يستطيعون اللحاق على تنفيذ العمليات. ويقول (أ.ق) انهم ينجزون في اليوم ما يقارب ال300 عملية وقد تصل إلى 500 عملية بعد ان كانوا سابقا لا ينجزون إلا عدداً قليلاً من العمليات. ويرى ان أكثر ما يعانيه الوسطاء الآن هو الضغط النفسي والعصبي الذي يواجهونه ويشرح ذلك: (في السابق كان يعمل عندك صفوة العملاء. مثقفون ومتعلمون الآن أصبح السوق متاحاً للجميع على كافة الشرائح والمستويات التعليمية والثقافية. هناك الكثير من الوسطاء يتعرضون للتلفظ بكلمات جارحة. قبل أيام قال شتمني أحد العملاء وقال: انت شخص قليل الحياء). أحد البنوك الآن وضع حراس خاصين في صالات الأسهم يقومون بإخراج كل من يتهجم على الوسطاء. من الواضح أن خسارة وربح المال المرتبط بالوقت وبسرعة إنجاز عملية هي التي تجعل العملاء على هذا الوضع من السوقية وبالطبع هذا شيء غير مبرر ولكنه يشير إلى شخصيات تتعامل ببدائية مع هذا الوضع الحضاري الجديد. يقول (أ. ق): (غالبية هؤلاء الناس لا يعرفون ما يقومون به. يأتون إلى الصالات ويبدأون بالتقاط المعلومات المتطايرة بالهواء ويستقبلون توصيات على جوالتهم ويقومون بناء على ذلك بالبيع والشراء. قليل هم جدا من يمسكون ورقة وقلم ويقومون بتدوين البيانات. بعد ذلك يقومون بقذف الكلمات البذيئة). العارفون بالانترنت لم يعد لهم حاجة الذهاب إلى صالات الأسهم. ستة نقرات تستطيع ان تبيع وتشتري الأسهم التي تريدها من أسهم شركة مطروحة. في الآونة الاخيرة ومع زيادة الضغوط بدأت الكثير من الأصوات السلبية تتعالى من بطء مواقع البنوك في إنجاز العمليات والتي يتسبب التأخير وهبوط السعر او ارتفاعه بإيقافها ولكن من الواضح أن البنوك معصورة بين عدد من الضغوطات المفاجئة التي لم تتوقعها (أحد البنوك الكبيرة لم يكن يملك في جميع فروعه إلا صالة أسهم واحدة) ومازالت تبحث بشكل جنوني عن حلول لها. ومع ذلك فإن الإقبال على الانترنت لم يقل.بدأت ثورة إنشاء وإزدهار عدد كبير من مواقع الانترنت التي أصبحت جماهيرية جدا لدرجة انها تفوقت على المواقع الفنية والرياضية. هناك عدد كبير من المواضيع في المنتديات المتعلقة بسوق الأسهم كونت لها ثقافة جديدة بعناوينها واسماء أصحابها (هذه بعض الأسماء.السهم الشهم. نادل الأسهم. قناص السوق.ردار الشاشة) وتواقيع (مثل ، اللهم أرزقني وأرزق مني ،كلما كان العمل أكثر خطورة كان الحذر أكثر ضرورة) وأفكار تعتمد على توصيات ومشورات ونصائح ومعلومات وتحذير وتوضيح وردود تشكر وتطلب المشورة وأخرى تطلب توضيحاً أكثر وثانية تتهم بعض المشاركات بالارجاف والتدليس. موقع تداول وهو احد أشهر المواقع الذي يسجل عداده مايقارب مليون زيارة أسبوعيا يبحث أصحابها عن المعلومات والاخبار الجديدة التي تساعدهم في سوق يزعزع ثقة الشخص بنفسه. يقول سامي الضويان أحد المسؤولين عن الموقع أن الانترنت يلعب دوراً رئيسياً في هذه العملية لانه أصبح أكبر مصدر لنشر المعلومات الصحيحة والخاطئة. سوق الأسهم أشبه بقلب فتاة حالمة تعشق لأول مرة. أي أخبار عن الحبيب المتقلب يمكن أن تؤثر بها سواء ضعفا ام انتعاشا وسواء كانت هذه الاخبار حقيقية أو مجرد إشاعات. لذلك تواجد من يستخدم الانترنت كإداة فاعلة للاستفادة من قوة تأثير المعلومات في تحقيق أرباح مرتفعة. كما يقول أحد المشاركين في احد المنتديات إن الانترنت بالنسبة لسوق الأسهم عبارة عن عالم من الجاسوسية العلنية. سامي الضويان يرى انه من الصعب ضبط هذا الأمر لأن الانترنت ساحة مفتوحة للجميع ولا يمكن ان يساعدوا من يسمع الاشاعات الذي سيتعب كثيرا على حد قوله. ومع هذا يقومون بإجراء ضوابط اكبر على الاخبار والتوصيات التي تنشر في منتدياتهم للتقليل من الاخبار الخاطئة والمزيفة ويضيف: (نحاول قدر الإمكان ضبط مثل هذه المواضيع. قبل أسبوع كان هناك خبر مغلوط عن موافقة هيئة سوق المال على زيادة رأس مال 11 شركة ولكننا لم ننشره لاننا نعلم غلطه. الخبر الصحيح أن هناك 11 شركة قدمت على زيادة رأس المال ولكن لم تتم الموافقة إلا على شركة واحدة. لونشر الخبر الغلط فسيكون له تأثير كبير). في الانترنت يمكن أن تعرف أن هناك قوة نسائية صلبة في سوق الأسهم. هناك من يقول إن سوق الأسهم مناسب جدا لطبيعة المرأة. المرأة مدخرة بطبعها وصبورة وهادئة الاعصاب ومهتمة. وهذا ما تحتاجه لتصبح مضاربا بارعا. الأرقام تؤيد مثل هذا الكلام وتقول إن النساء يملكن اكثر من 06٪ من محافظ السوق. من الواضح أن النساء لا يواجهن أي معارضات رجالية على نشاطهن هذا. إذا كان هناك عدد كبيرمن الرجال من يعترض بشدة على قيادة المرأة السيارة فإنهم يبدون مشجعين ومؤيدين بقوة على ان تقودهم في قضية الأسهم. قيادة المرأة للسيارة قد تستفزهم وهي لن تجعل شخصاً يفكر انه سيكسب نقوداً من وراء ذلك بعكس الأسهم التي يقبلون فيها أن تقودهم إمرأة إذا كان رصيدهم سيتضخم يوميا بسبب رؤيتها الثاقبة وقيادتها الحكيمة.(هل يمكن أن يتأثر موقف الرجال المعارضين لقيادة المراة للسيارة إذا كانت ستدر عليهم بشكل ما أموالاً طائلة؟). يمكن ان نرى مثالاً على ذلك في منتدى اعمال الخليج المهتم بسوق الأسهم السعودية والخليجية. في المنتدى الخاص بالأسهم السعودية هناك أمراة لامعة تكتب باسم اماني (أم نايف) الجميع يبحث عن مشاركاتها التي تتضمن في العادة نصائح تكون في غالبيتها صائبة. هناك صفوف طويلة من الرجال تثني عليها وتشكرها على نصائحها بعد كل موضوع تكتبها. الرجال الفظون القاسون ستجدهم هناك يلهجون بالثناء والدعاء من نوع (الله لا يحرمنا من نصائحك). أماني تملك رصيداً من الخبرة قدره 15 عاماً في مجال الأسهم زوجها متوف ولها ثلاثة أبناء(عبير وابتهاج ونايف) تقضي ست ساعات على الانترنت أربع منها تذهب في متابعة السوق. تقول أم نايف عن بدايتها: (بدايتي قديمة جدا مع السوق واكتسبت ثقتي بنفسي مع مرور الوقت وبتشجيع من والدي «حفظه الله» الذي له باع طويل في السوق السعودي كأحد أكبر المستثمرين. أبي كان مثلي الأعلى في هذا التوجه مما دعاني لقراءة ميزانية الشركات والبحث عن الشركات الربحية وذات النمو المتصاعد بالإضافة إلى معلومات جديدة أقدمها كهدية لقراء منتدى أعمال الخليج). بريد أم نايف مليء بالرسائل التي تنشد منها المشورة.80٪ منها رسائل رجالية وهي لا تتردد بالرد عليها. تقول: (أنا أبحث بجد عن المعلومات الصحيحة قدر الإمكان وهذا ما جعل الكثيرين يثقون بآرائي. هناك أشياء خاصة وطلب مشورات أقدمها عبر الخاص لبعض الأشخاص التي تمنعهم ظروفهم من قولها على العام. الأغلبية يطبق نصائحي وتنجح معهم ثم يرسلون لي بعد ذلك رسائل شكر. قمة سعادتي مساعدة الناس ولا اريد منهم إلا الدعاء). ابناؤها الثلاثة استطاعوا أن يكتسبوا من جدهم ومنها هذه المهارات الفريدة. نايف يدرس الاقتصاد في الخارج أما ابنتاها فيدرسان هنا في الجامعة ويعملان بحماس كبير في مجال الأسهم ويطلبان منها دائماً النصح. تعتبر أم نايف أن الأسهم أثرت كثيرا على المجتمع النسوي وطالت حتى الكبيرات في السن والأميات وحتى أن بنات صغاراً من أقاربها يوقفونها ويسألونها عن هذا الأمر. الحديث عن السوق وترديد ألفاظ مثل المؤشر والقيمة السوقية والارتفاع والانخفاض والنقاط لم يعد محصورا بكبار السن المتكاسلين في صالات الأسهم الباردة (ربما لم تعد كذلك، على الأقل ستكون معبأة بالأنفاس الساخنة). الصغار المدمنون على لعبة البلاي ستيشن والشباب الذين يطاردون الفتيات والنساء الاربعينيات المحبطات كلهم يتحدثون عن هذا الأمر. هل مايحدث طفرة اقتصادية حقيقية شبيه بما حدث في منتصف السبيعنات؟. هذا ما يقوله الناس الآن ولكنهم يعتقدون انها نوع من الطفرة الشفافة التي يمكن ان تعبر وتختفي دون أن يستغلها إلا المتنبهون. طفرة السبعينات تبدو بعيدة جدا وتنتمي إلى خط زمني آخر غير ذلك الذي وصل إلينا.مازال الكثير من الشبان يعاتبون آباءهم لأنهم لم يكونوا حاذقين و(ذئاباً) بما فيه الكفاية لينتفعوا من تلك المرحلة الاستثنائية التي تبدو وكأن مجموعة من الأذكياء الصامتين استطاعوا أن يعرفوا بأمر هذه البقرة ويحلبوها ويضعوا أسماء عائلاتهم على قائمة أثرى العائلات السعودية في الوقت الذي كان الغالبية مستغرقة في البحث عن لقمة العيش فقط لأولادها وكلما تمعنوا في مطالعة السهول المتزاحمة للصحاري الشاسعة استغرقوا أكثر في بحثهم الدنيوي الدؤوب. يقول المحلل الاقتصادي راشد الفوزان إن مايحدث الآن هو طفرة اقتصادية أفضل من الاولى والأسباب: «دخل أكثر وافراد أكثر ووضع اقتصادي أفضل وبنية تحتية أمتن» ولكن المخاطر ستكون أكثر. لأن الأمر الآن كما يقول أشبه بالبالون الذي يعبأ بالهواء وعندما سينفجر سينسف صغار المساهمين الذي سيكونون في ذلك الوقت يتجولون في المساحات القريبة من هذه البالون أما الكبار فسيعلمون متى ينسحبون في اللحظات الأخيرة وإذا طالتهم بعض شظايا الانفجار فإنها لن تضرب اكثر من كيس أو كيسين من أكياس أرباحهم المتراكمة. هناك الكثير من المحللين والخبراء الاقتصاديين الذين يعتقدون أن سوق الأسهم يسير على أرض صلبة حتى ثلاث او اربع سنوات قادمة ولكن هذا لا يمنع الفوزان من إعطاء وصفته المناسبة لهذا الوضع المتفجر. يقول: (هناك دوران يمكن ان يلعبا في هذا الإطار. دور حكومي ودور شخصي. الدور الحكومي يقوم بتطبيق قوانين وانظمة لحد الآن هي غير مطبقة. عليها أن تقوم بإدراج شركات تمتص الزخم الكبير في السوق وإيجاد قوانين وأنظمة للمراقبة وإيجاد بورصة ووسطاء لتقديم الاستشارات والنصائح بدل الاعتماد على رسائل الجوال. اما الدور الشخصي فيتمثل في الوعي والمعرفة والقدرة على التعامل مع السوق حتى لولم يوفر لك أحد المعلومة). من المؤكد أننا سنواجه مشهدين. مشهد آني وهو أن هناك كثيرين كانوا عائشين على الكفاف أصبحوا يمتلكون في حساباتهم نصف مليون وأناس تقترض مبالغ كبيرة وأناس لاهية في البحث عن المال. المشهد الآخر: بعد ان تهدأ هذه الفورة ستسمع تهاليل رابحين وصراخ خاسرين. لاشك أن هذا يضرب بقوة في الجذر الاجتماعي الرئيسي لأي أمة. يقول المفكر السعودي تركي الحمد في أحد مقالاته عن طفرة السبعينات: (مع حلول عام 5891 تقريباً، بدأت دوّامة الطفرة، وضجّة الوفرة في الخفوت، وبدأ الدوار في الانقشاع شيئاً فشيئاً. انخفضت أسعار النفط، وانتهت أجزاء كبيرة من مشاريع البنية التحتية، وتلك المشاريع الاقتصادية العملاقة، وتضخم جهاز الدولة بشكل كبير، وكانت الحرب العراقية الإيرانية، وحرب المجاهدين في أفغانستان، تستنزف مبالغ ليست قليلة من الدخل الوطني السعودي، فبدأ يقل ضخ المال الحكومي إلى المجتمع. ثم جاءت حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت)، فكانت القشّة الأخيرة التي استنفدت الاحتياطات المالية السعودية، وأدت إلى عدم ثقة رأس المال الوطني في الأوضاع الداخلية، فهاجر إلى الخارج، وبدأت أيام شدّ الأحزمة على البطون. ومنذ انتهاء حرب تحرير الكويت، لم تعد السعودية هي السعودية، وبدأت المشاكل، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تُطل برأسها بقوة). ماذا يمكن أن يحدث خلف هذا الدوار الجديد. يقول دكتورعلم الاجتماع والمفكر السعودي أبو بكر باقادر: (من المؤكد أن يربك هذا الأمر المجتمع السعودي ليس هناك طريقه ليتعلم منها إلا ليربكه. بالنسبة للأخطار فإذا أردنا التقليل منها فيجب أن نستوعب ونفهم ما يجري ويجب أن يثقف الناس حتى لا يقعوا ضحية جهلهم). ويضيف: (نحن كمجتمع يجب أن نقوم بجهدنا على جوانب التربية والتعليم حتى نستطيع التكيف مع ما يحدث لنا وهذا ما سيدفعنا إلى الاستقرار). لحد الآن لا يبدو هناك أي محاولة شعبية تقودها مؤسسات حكومية أواهلية لخلق وعي حضاري متمدن يهضم بطريقة مناسبة كل ما يجري ليخرج منها أفكار وأخلاق مدنية وإيجابية. يقول الدكتور تركي الحمد في ذات المقال: (التحديث الكبير على مستوى المنشآت والمشروعات، قابله جمود على مستوى البنى الثقافية والاجتماعية، التي بقيت منتمية إلى ما قبل هذا التحديث الكبير، وإن انتشرت قيم استهلاكية وظاهرية معينة، لا علاقة لها بتحول ذهني واجتماعي يقابل التحول المادي. بل وعلى العكس من ذلك، خلق هذا التحديث الكبير نوعاً من العودة إلى البنى الثقافية والاجتماعية، التي كانت سائدة قبل اكتشاف النفط جملة وتفصيلاً، متجاوزة في طريقها كل ما كان يبدو تغيّراً ثقافياً واجتماعياً قبيل سنوات الطفرة، ولعل ذلك راجع إلى أن الوفرة المالية تجعل من الممكن الاحتفاظ بتلك البنى الثقافية والاجتماعية القديمة، ممتزجة بتلك القيم الاستهلاكية السطحية، بحيث نما نوع من ازدواجية اجتماعية وثقافية معينة، صعبت بشكل أكبر من تحول ثقافي واجتماعي عميق). رغم مرور اكثرمن ثلاثين سنة يبدو أن هذا التشخيص الدقيق مناسب تماما ليطبق على الوضع الحالي. نحن الآن في وسط حمى مالية واجتماعية وصوتية هائلة وستبدو شخصاً سقيماً ومملاً وانت تتحدث عن مطهرات ومعقمات. هناك أكثر من قلب مليوني سعودي وسعودية متعلقين في رأس مؤشر الأسهم. الأثرياء الجدد بعد ان تخرج عبدالله النمير (26 عاماً) من معهد الادارة كان الطريق ممهداً للحصول على وظيفة في أحد البنوك. وهذا ما حصل بالضبط ولكن بعد وقت شعر عبدالله بالاختناق وقرر ان عليه الخروج بعد ان وضع اهدافه. ساعده والده في دخول مجال الاسهم وخلال ثلاث سنوات مضت استطاع تحقيق ارباح جيدة وهو سعيد الآن ومستقل واذا سألته الآن هل تفكر بالعودة الى الوظيفة فسيجيب بحزم: (اطلاقاً). قبل ثلاثة اعوام وبينما كان عبدالله يسعى لتطبيق رؤيته الخطيرة كان غالبية الشباب منهكين ومحبطين وهم يبحثون عن وظائف بمرتبات لا تتجاوز الاربع آلاف ريال وافكارهم الانتحارية لا تتركز إلا في لعبة البلوت او ال play station. يقول الدكتور طارق كوشك عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز بأن هناك تأثيرات كبيرة حدثت لوعي الشباب بسبب سوق الاسهم ويضيف: (يقضي الشباب اوقات طويلة في المقاهي ومشاهدة الفضائيات. اما الآن فهناك وعي مالي تكون. اذا كان هناك كثير من يفكرون في مباراة لفريقهم الاسبوع المقبل فإن هناك كثيرين يفكرون ان عليهم ان ينجزوا مشروعاً او يعقدوا صفقة الاسبوع المقبل وهم سيكونون مستفيدين اكثر من المشجعين الذين سيشعرون ان كل شيء انتهى بعد ان يصفر الحكم). يتزاحم الآن الكثير من الشبان اصحاب الثياب الصفراء الطويلة والشوارب الكلاسيكية في صالات الاسهم ولا يتوفقون عن تلقي مكالمات على جوالاتهم تتضمن نصائح او تحذير من اخوتهم او اصدقائهم. الفتيات لم يتأخرن عن ولوج هذه التجربة وقضاء وقت متأخر كعادتهن في متابعة القنوات الفضائية الغنائية او التسوق. سارة . ع (24 عام) اقترضت من أمها 15 ألف ريال ودخلت سوق الاسهم يقترب ذلك المبلغ هذه الايام ليتضاعف. تقول سارة: (لم أكن اتوقع ما يحدث لي الآن رصيدي مليئ بالنقود التي لم آخذها من امي او ابي بل من عقلي. انا سعيدة واشعر بالاستقلالية وسأستمر في هذا الامر). يقول رجل الاعمال والكاتب المعروف خالد الشثري ان ما يحدث الآن هو شيء رائع حقاً لانه سينتج طبقة جديدة من رجال الاعمال غير التقليدين. بدأ خالد مشواره التجاري عبر سيارة تاكسي تشارك بها مع أحد اقربائه وهو الآن رجل اعمال ناجح جداً ومعروف. يعلق على هذا الامر: (يجب أن ننسف نطاق العيب الواسع هذا. ليس هناك أي عيب في العمل التجاري. لا اخجل من قول ان بدايتي كانت من سيارة تاكسي. كما على الشباب ان يفكروا بمستقبلهم وينطلقوا بعيداً عن العيب). يعتقد الشثري ان هناك طبقة ثرية وواعية من الشباب ستتشكل في المستقبل بسبب الثورات الاقتصادية التي تمر بالسعودية يقول: (رجال الاعمال غير التقليدين سيكونون غير تقليدين وخلاقين في اعمالهم. لتصبح رجل اعمال بارع عليك ان تكون خلاقاً). لتملك وعياً استثمارياً عليك كما يقول (ان تثقف نفسك في دنيا المال والاعمال ليست القضية ربحاً وخسارة فقط. الطموح يجب ان لا ينتهي عند نقطة معينة. لا تفكر بالوظيفة ولا تستمع لأخبار الإعلام المحبطة عن البطالة. هناك فقط مجالات لا تحتاج لرؤوس اموال. فقط هي بحاجة الى من ينطلق بها. وهذا لن يكون إلا شاب صاحب عقلية مجددة). هناك الكثير من الشباب والفتيات الذين لديهم احلام تجارية ويأملون بتحقيقها ولكنهم خائفين ومترددين. رسالته لهم: (الخوف سيجعلكم تتجمدون في اماكنكم).