دائماً مكانه الصفوف الأولى ، والأمكنة الشامخة علواً . منذ صغره ، وخلال مشوار حياته كان علماً يتقدم كثيراً عبر الحضور من خلال وعي ، وثقافة ، وتأسيس قيادي مبهر. صانع قرار سياسي ، وإنمائي ، واقتصادي ، وتعليمي أسس لمنهج دولة حديثة ، وكيان قوي فاعل ومؤثر في القضايا الأممية ، محتضناً لهموم العرب والمسلمين ، حاملاً أزماتهم ومتاعبهم إلى الانتصارات، منتصراً للقضية الأولى للعالم العربي والإسلامي، مدافعاً عن كل الحقوق. جاء بكفاءة ذاتية ، وقدرات شخصية ، وأدوات معرفية، حاملاً إرث عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - مستلهماً نهجه ، متماهياً مع نضالاته وكفاحه وعشقه للتراب والإنسان ، مواصلاً المحافظة على الأمانة ، والقيمة ، والهوية ، متوجهاً بإرادة قوية وعزيمة صادقة إلى بناء الإنسان كأهم ثروات الوطن . يأتي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، العقل، ورجل الحكم، والرمز المضيء في كل المضامين، لتنقاد له ولاية العهد، وينال ثقة خادم الحرمين الشريفين، وأفراد الأسرة الكريمة، والشعب السعودي الأبي ، ويحمل مهام تطوير وتحديث الوطن، وهو الرجل الذي يسكن قلوب الناس بكل شرائحهم وأطيافهم . سطور نكتبها في اللحظات الأخيرة قبل الطبع ، ونضعها مقدمة لما كان مكتوباً قبل إنتاج الجريدة، والرابط بينهما حب سلمان بن عبدالعزيز القائد ، ورجل المهمات الصعبة . * * * أقسى المرارات، وأشدها شراسة، وأعنفها توحّشاً تلك التي تستدعيها ظروف وحالات تعصف بوجدان الإنسان، فتنال من تماسك الرجال الأقوياء، وتؤثّر في صلابتهم وقدرتهم على المواجهة، والتعامل مع الحدث بنوع من الهدوء وإن كان ظاهرياً، وترك الحزن والألم يعملان داخل النفس، ويرهقانها، متخذين من الصمت غطاءً ساتراً لكل تفاعلات التفتّت النفسي، والوجع الداخلي، وملاذاً يخفون من خلاله جراحاتهم النازفة، وذهولهم المروّع، لكن الحزن، والألم، وقسوة الحدث تفجّر الدموع سخية صادقة معبرة عن مخزون قيم لا يمتلكها إلا الرجال القلائل، ولا يحتفظ بها إلا العظماء من البشر الذين يتميّزون في مساراتهم الحياتية، وثقافتهم الذاتية، وتربيتهم المتفوقة. والدموع أسمى وأنبل وسيلة تعبير يمتلكها الرجال في مواقف الحزن، ووطأة الألم، ومواجهة المأساة، وهي تجسيد حي لخلق رفيع ونبل إنساني متسامٍ نحو الوفاء الصادق، والحب الكبير المبهر، ودلالات على ما يتمتع به الإنسان من رهافة مشاعر، وتراكم حب، وسخاء عواطف تأتي من أصالة وعْي في العلائق والتعاملات، وهي انفجار يأتي في حالات العجز عن استيعاب المأساة داخل دائرة اللحظة الزمنية والظرفية، والشعور بضخامة المشهد وقسوته. وسلمان بن عبدالعزيز عرفه الوطن والإنسان رجلاً من أنبل الرجال، وأوفى الرجال، وأكثرهم حضوراً في الظروف الصعبة، والحالات القاسية، وهو المبادر دائماً لتضميد نزف الكثير، وتقطيب جراحاتهم، والعبور بهم إلى مرافئ الطمأنينة والهدوء، ومساعدتهم على تجاوزهم لكل حالات الحزن والألم بإيماناته الراسخة، وشجاعته كفارس أنبتته هذه الصحراء، وتخلّق بقيمها، وتطبّع بقوانين تعاملاتها.. ودموعه في تشييع فقيد الأمة نايف بن عبدالعزيز كان لها إيحاء لغة بوح تعجز المفردة، وبلاغة الكلمة، ومخزون اللغة عن تجسيدها، وتصوير المعاناة التي أفاضتها سخية معبرة ناطقة. بكى سلمان لأن مَنْ فقده الوطن، وسارت جنازته محفوفة بالقلوب، هو رجل استثنائي في تاريخ الوطن، وقامة شامخة كشموخ الأمجاد في مسيرته الأمنية، والفكرية، والسياسية، ورجل دولة حقيقي أعطى للوطن والإنسان بسخاء الجهد والفكر والعقل والحكمة، وقاد المركب الأمني إلى حيث مواقع الصلابة والتحصين، وكرّس حالة أمن يسترشد العالم بفكرها، ويستلهم نمطها، ويتوق إلى تكريسها ممارسة في توجهات قوانينه الأمنية، وهو رجلٌ صانع قرار سياسي شارك مع خادم الحرمين الشريفين في تحصين الجغرافيا والإنسان والإرث التاريخي والمنجز التنموي من استهدافات حاقدة، والسير إلى مواقع الكرامة بثبات وعزائم، وكرّس مكانة المملكة في المحافل الدولية، وفرض احترامها في المجتمع الأممي. بكى سلمان دموعاً عزيزة وكريمة وغالية، ومعه الوطن، فالفقيد خسارة موجعة من أقسى الخسارات، والبكاء ترجمة لذهول وفاجعة وألم عبرت عنه الأحزان التي سيعيشها الناس زمناً طويلاً، لأن نايف في القلوب والمشاعر رجل نادر، وقائد حكيم، وإنسان عطوف محب سخي في عواطفه التي منحها للمواطن والتراب. دموع سلمان ستُنبت شيحاً وخزامى وأقحواناً في صحراء المملكة، وتُخصب الأرض وتحيلها إلى مروج نماء وعطاء، وتسقي حقول الزهور لتتفتح بشذى فوّاح يستنشق عبقه كل العالم في هذا الكون الواسع.