تتجاوز عبارات وأقوال صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية - رحمه الله -، النبرة الخطابية وتتخذ من العمق المعرفي والثقافي واستشراف الرؤى والأفكار مساراً إنسانياً لافتاً. وتعكس المناسبات الرسمية او حتى الإنسانية التي يشهدها الراحل الكبير كأحد اركان الدولة الكبار على هذه الخصيصة العميقة فالتميز في طرح الأفكار بطريقة سهلة ممتنعة اولى ما يجذبك في حديثه وتوجيهه لأبنائه من المسؤولين والقياديين او المواطنين على اختلاف شرائحهم. والمتتبع لأقوال فقيد الأمة الكبير يتلمّس عمق المعاني وجزالتها وانغمارها بالحس الوطني المسؤول والحُدب الإنساني الذي يستشعره كل من سمعه او التقاه. عبارات كثيرة تستطيع ان تستلّها من اقواله في مناسبات وطنية او دولية وبإمكانك ان تتوقف عندها لتستخلص ابعاداً وآفاقاً رحبة توحي بها مفرداته التي تكتنز حكمة ومعرفة بعيداً عن المداورة او التطويل الذي قد يشتت سامعه ولعلنا لا نستغرب قدرته على الموازنة المحكمة في أي حديث يدلي به حيث يختزل لك المعنى والفكرة بغير اخلال ويمنح من يسمعه المعنى كاملاً غير منقوص وهي دُربة ومهارة ساعدته عليها تنشئته الدينية وتلقيه علومه منذ ان كان طفلاً على علماء ومشائخ كبار اكسبته المهارة اللغوية وجعلت منه متحدثاً مفوّهاً وبارعاً يأسرك بجمال حديثه وروعته التي لم تكن محصورة في مهامه الجسام كرجل أمن فهو – رحمه الله – يملك القدرة على الإبحار بك عبر عوالم فسيحة وشؤون مختلفة من السياسة، الى الأمن بتفاصيله المعقّدة الى الشؤون الوطنية والإنسانية ذات الملامسة لهم المواطن وقوته واشيائه البسيطة. ففي حديث له عن المرأة يؤكد سموه ان: "المرأة في بلادنا تحظى باحترام قل نظيره في العالم والدليل المادي على ذلك هو أن الرجل الشريف في أعرافنا هو الذي يقدم استعداده لأن يفتدي المرأة بدمه على أن تعيش هي كريمة.." وفي شأن آخر يتعلق بنهج القيادة في تلمس شؤون مواطنيها يقول سموه: «أوصانا والدنا الملك عبدالعزيز بالصلاة أولا، وبتقديم كل ما يمكن أن نقدمه لشعبنا العزيز، وإن كان شعب المملكة يعتز بقيادته، فقيادة المملكة تعتز بشعبها». ويواصل سموه اعتزازه بعقيدته الصافية التي اكرم الله بها هذا الوطن حيث يقول: "في هذا الوطن العزيز الوطن الكريم الذي نعتز به كمواطنين، نعم نعتز لأسباب جوهرية، الأول أنها وحدة صادقة مع الله قبل كل شيء، وحدة التزمت وأصرّت على أن يكون كتاب الله وسنة نبيه هو منهجهم وهو دستورهم، نعتز ولله الحمد أننا دولة حرة لم تستعبد من أي قوة في العالم، نعتز أن ليس لغير الله عز وجل فضل على هذا الوطن وهذه الدولة، بل كل الفضل من الله ثم بجهود أبنائه فهم الذين أسّسوا وهم الذين بنوا وهم الذين خدموا ويخدمون وسيظلون يخدمون". وفي احساس عميق بهمومه التي لم تقتصر على شؤون الوطن بل امتدت الى الهم العربي الكبير فلسطين يقول سموه: "إن الواقع يؤكد أن موقف بعض الدول الغربية غير عادل تجاه قضية فلسطين، بل إن الواضح هو مساعدة إسرائيل في مجالات متعددة، وإذا لم يعد النظر في هذه المواقف ويرفع الظلم عن الفلسطينيين فإن المخاطر والمشكلات ستزداد سوءا". وتتعدد مضامين حديث واقوال الأمير الراحل التي كلما نهلت منها وجدت انك امام شخصية فذة ذات ابعاد فكرية وثقافية غير عادية فهنا نجده يلامس شأناً اسلامياً يعكس شفافية روحه واتساع طموحه وحلمه ان يسود السلام والعزّة لوطننا الإسلامي الكبير حيث يقول: "إن ما تمر به أمتنا الإسلامية، من تحديات متسارعة، يستدعي منا جميعا أن نعي مخاطر المستقبل، وأن ندرك أن عوامل الخلاف والفرقة، والتصدع في البيت الإسلامي الكبير، لن يحمل في طياته غير الشتات، والفوضى والضعف، ولن يستفيد من ذلك غير أعداء الأمة، الذين تربصوا بها ولا زالوا، وإني لأناشد من أرض الرسالة ومهبط الوحي قادة الأمة الإسلامية وشعوبها أن يتصدوا لدورهم التاريخي، في زمن تقاطعت فيه الطرق وتشابهت في ظاهرها، واختلفت في باطنها، فليكن الوعي سبيلنا - بعد الله - لنختار طريق الوحدة والهدف لا الفوضى، متكلين على الله سائلين العون والسداد وأن يرينا الحق حقا والباطل باطلا". ويستعرض سموه دور المملكة التاريخي في خدمة الحجيج ويؤكد شرف هذه البلاد بخدمة الحرمين وتعهد القيادة منذ التأسيس على اداء هذه الأمانة والمسؤولية في خدمة المسلمين فتجده دوماً يؤكد – رحمه الله – أن المملكة العربية السعودية تضع خدمة الحرمين الشريفين في قمة اهتماماتها، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - حتى يومنا هذا، تتعهد هذه الخدمة بالتطوير بكل طاقاتها، وجندت لها كافة الإمكانيات المادية والبشرية، وقد حققت ولله الحمد النجاح في تقديم خدمات رفيعة المستوى في الجوانب التنظيمية والصحية والأمنية، تبرزها كافه المؤشرات، رغم تحديات الحيز المكاني وتزايد أعداد الحجاج، وستظل بعون الله تعالى ثابتة على ذلك، جاعلة ذلك أولى اهتماماتها، ديانة لله - جل جلاله - ثم خدمة لكل مسلم عابد موحد. ولو اردنا ان نستعرض اقوال ومضامين كلماته المضيئة المشرقة لن يسعنا المجال لحصرها في صفحات او مجلدات لكنها لمحة عابرة اردنا من خلالها تسليط الضوء على شيء من قبس حكمته وعمقه وموسوعيته الثقافية التي يندر ان يتحلى بها قيادي في حجمه.