بعد انتظار طويل لتأسيس شركات الاستقدام الجديدة التي تم التأكيد بأنها ستُنهي جميع مشاكل العمالة المنزلية وحالات هروبها، أتى إعلان رئيس الشركة السعودية للاستقدام بأن تكلفة الاستقدام ستكون حوالي (15) ألف ريال كخبرمُحبط للمواطنين الذين رأوا مبالغة كبيرة في المبلغ وتخوفا من الراتب المتوقع لتلك العمالة. وبعيدا عن تفاصيل تلك التكلفة التي حرص رئيس الشركة على إيضاحها لإقناعنا بها والتي رأى رئيس لجنة الاستقدام سابقا بأنها عالية والمفترض أن تكون في حدود ال(8) آلاف ريال، فانه يجب أن نعلم بأن غياب التنظيم الرسمي الذي يوكل المهام القيادية في شئون استقدام العمالة المنزلية لجهة حكومية تحفظ حقوق كل من المواطن وشركة الاستقدام، وإغفال مخاطر تضارب المصالح والاحتكار بقيام أصحاب مكاتب وشركات الاستقدام بجميع المهام القيادية والتنفيذية منذ التفاوض مع الدول التي يتم الاستقدام منها وحتى إحضار تلك العمالة، تسبب ذلك في صعوبة إقناع الجميع بالمبلغ الذي فرضته شركة الاستقدام الجديدة حتى وان اشتمل على مبالغ لم تكن موجودة من السابق كالتأمين ضد رفض العمل والهروب والتأمين الصحي والتأشيرة والإقامة لمدة عامين وتذكرة العودة! فالحقيقة أن مبلغ ال(15) ريال لم يقتنع به معظم المواطنين لعدم الكشف عن ربح الشركة واللبس في فهم تذكرة السفر بأنها للعودة، كما أن مبلغ ال(8) آلاف ريال أيضا ليس معقولا في الوقت الحالي خاصة انه سيشتمل على كافة الضمانات والتأمين لعامين!. فمشكلة استقدام العمالة بدأت من عدم تناسب القوه في التفاوض بين الجانب السعودي الذي يمثله رجال أعمال - رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام وأصحاب المكاتب - وبين الدولة التي سيتم الاستقدام منها ويمثلها مسؤولون حكوميون يحرصون على مصالح مواطنيهم، كما أن وزارة العمل لدينا لم تتدخل إلا مؤخراً وبإيقاف الاستقدام! فمنذ سنوات طويلة ونحن نعاني من ضعف في التفاوض الذي يتحمل تبعاته المواطن بالتأخر وارتفاع تكلفة الاستقدام والراتب، في وقت يعلم الجميع قبل بروز المشاكل الأخيرة بأن قيمة الاستقدام والراتب بدول خليجية اقل منا، كما أن عدم إبراز الأنظمة التي تحفظ حقوق العمالة وعدم وجود سفارات في الدول التي نستقدم منها (كما هو الحال في نيبال وخضوعنا لتعقيدات دولة أخرى) كان له دور في تأخر حل مشكلة الاستقدام! فالواقع أن ممثلي المملكة في التفاوض هم في حقيقة الأمر مجرد مراسلين بين دولتين وتأخذ الموافقات الحكومية وقت طويل وبالتالي فإن ما يهم أصحاب مكاتبنا هو سرعة الاستقدام وليست التكلفة العالية التي يتحملها المستقدم!. ومن الغريب انه مع وضوح مشاكل العمالة المنزلية وأبرزها الهروب وتشغيلها من جميع شرائح المجتمع وعدم تكليف جهة مختصة لإنهاء مشكلة يمكن لنسائنا ببساطة إحضار أي خادمة هاربة، لم يتم وضع التنظيم الحازم الذي يضمن عدم استمرار هروب العمالة المنزلية، بل تم تجاهل أساس مشكلة الهروب وأُسست شركات للاستقدام لأنه تم النظر للهروب بأنها مشكلة ضرر مالي للمواطن مستقدم العمالة وليست مشكلة دولة لها سلبيات وستفسد أي تنظيم جديد، وقد تزامن ذلك مع رفع قيمة الاستقدام بالمكاتب الحالية لأعلى من (17) ألف ريال وبدون أي ضمانات وفي ظل تأجيل حل مشاكل الاستقدام مع اندونيسيا والفلبين! وهو مايطرح التساؤل إن كان لذلك علاقة بإقناعنا بتكلفة الاستقدام الجديدة والراتب المتوقع، ويبقى انه من المؤكد بسبب استمرار إغفال الرقابة والنظام والتنظيم الواضح الذي يحدد اختصاصات ومسؤوليات الجهة الحكومية وشركات الاستقدام لن تستقر تلك التكاليف وسترتفع لاحقا ليزدهر سوق العمالة الهاربة! فمع التجاهل الرسمي لوضع تنظيم يقضي على هروب العمالة وارتفاع تكلفة الاستقدام، ستنتقل هذه المشكلة لشركات الاستقدام وقد نسمع أيضاً شكواها من حالات هروب وهمية! فمع عدم تشخيص المشكلة وغياب الأنظمة وتطبيقها سيبقى المستفيد النهائي دائما السائق والعاملة الهاربة وسترفع شركات التأمين قيمة وثيقتها على حالات الهروب لدينا!.