على الرغم من مرور سنوات طويلة لمشكلة هروب الخادمات ورفضهن للعمل وما تبع ذلك من إشغال للجهات الأمنية وغيرها في القبض على شبكات تشغيل الخادمات بالمنازل والأعمال غير الأخلاقية، إلا أننا مازلنا نشهد تجاهلا تاما من الجهة الحكومية المختصة في القيام بدورها لحماية حقوق المواطنين مثلما تحرص على حقوقهن استجابة لسفارات دولهن حتى وان كن مذنبات! فهذا التجاهل لم يهدر فقط حقوق المواطن بل كرامته لمعرفة العمالة بأنه يعجز عن اخذ حقه! وهذه الأيام نرى مشهدا جديدا في ضعف الجانب السعودي أمام الجانب الاندونيسي خلال المفاوضات المتعلقة باستقدام العمالة المنزلية ومشاكل الهرب ورفض العمل بسبب استمرار تخلي وزارة العمل – كجهة حكومية - عن مهمتها في حفظ حقوق مواطنيها (كفلاء او أصحاب مكاتب) الذين أصبحوا يوقعون على عقود إذعان وليست عقود عمل عادلة، فسياسة ترك التفاوض مع الدول التي سيتم استقدام العمالة منها وتحديد الشروط والرواتب على أصحاب المكاتب ومن يمثلهم بالغرف التجارية أثبتت فشلها لكونها تتفاوض بضعف أمام جانب يُدعم من دولته وبرلماناته، ولذلك كان لا بد من قبول كافة الاملاءات ورفع الرواتب على السعوديين - أعلى من دول خليجية – لان المواطن هو من سيتحملها والاهم هو التزام العاملة بتعليمات المكتب بعدم الهرب او رفض العمل خلال الثلاثة أشهر الأولى! ولكن مؤخرا برز تطور جديد في تحول مفهوم السفر للمملكة من العمل الى السياحة برفض العمل بعد أيام او أسابيع والإصرار على العودة لبلدها لأنها أرادت تجربة السفر وزيارتنا على حسابنا! ففي المنزل ترفض العمل وتفتعل "حركات" لإخافة العائلة والأطفال، وعند المكتب قد تنفي رفض العمل خوفا على أبنائها من تهديد صاحب المكتب بدولتها! فهذا هو الواقع الذي يحدث حاليا في حال رفض العمل وعدم الهرب وكل ذلك لإجبارها على أن تكون سائحة لمدة ثلاثة أشهر! فبعدها يتحرر المكتب السعودي والأجنبي من العقد ويجبر المواطن على ترحيلها! وأمام تلك المشكلة التي تبحثها المكاتب ولجنة الاستقدام طُرح مقترح جديد يتعلق بالاتفاق مع شركة تأمين بمبلغ (725) ريالا عن الهروب ورفض العمل والذي يعتبر مخرجا مناسبا لمكاتب الاستقدام ولكنه هروب من مواجهة المشكلة، فالمواطن سيدفع التأمين كتكلفة إضافية على قيمة الاستقدام التي شهدت ارتفاعا كبيرا قبل عامين، وبافتراض أن شركة التأمين بعد هرب الخادمة ستعيد جزءا من التكاليف فان المواطن لن يستفيد من ذلك لكونه دفع مبلغا كبيرا لحاجة أسرته للعاملة وانتظر حضورها عدة أشهر ولكنه سيتضرر في حال هربها او رفضها للعمل وإعادة جزء من التكاليف ليس حلا لمشكلته! فالفائدة من التأمين تتحقق فقط لمكاتب الاستقدام السعودية والأجنبية بعدم إجبارها على تحمل أي تكاليف للبديل علما بأن الذي دفع تكلفة تلك الفائدة هو المواطن نفسه! وإذا كانت المملكة جهة رئيسة لتصدير العمالة الاندونيسية وموردا ماليا كبيرا لدولتهم فإنه من غير المقبول ترك المواطن وحيدا أمام أطماع المكاتب والجنسيات الأخرى وبدون أن يكون هناك تواجد حكومي يضمن عدالة ما يتقرر خاصة وان حل أي مشكلة يكون دائما على حساب المواطن الجانب الأضعف في المعادلة، وليس حلا أن تلجأ لجنة الاستقدام لإيقاف الاستقدام لأنه مؤشر على أننا قد استنفدنا كل الوسائل التي تقوي موقفنا في مشكلة تسببت فيها تلك العمالة، والإيقاف إذا صدر من جهة رسمية بالدولة فانه يكون أقوى ويؤكد على الحرص على حماية مصالح مواطنيها ويحث الدول الأخرى للجدية في حل المشكلة، ولكن إذا لم يُسرع في إيجاد البديل فان الإيقاف سيكون سببا في رفع رواتب الخادمات الهاربات. وعندما تتدخل وزارة العمل بقوة في حرمان مواطنين من الاستقدام لأنهم أساءوا لخادمات فان الجميع يشيد بذلك كجزء من العقوبات، ولكن عندما تسيء الخادمة لمكفولها بالهرب او برفض العمل ونجد التجاهل من وزارة العمل لكفيلها ومطالبته ببحث مشكلته مع مكتب الاستقدام، فان مكاتب الاستقدام السعودية والأجنبية تعلم بأنه بالمماطلات يتم التنصل من الالتزامات، وهذا سبب في لجوء مواطنين - منهم مسؤولون - للاستعانة بعمالة منزلية هاربة او متخلفة، لكون الطرق النظامية لم تسد حاجة الأسر وتحفظ الحقوق، والأمر يتطلب الإسراع بتدخل وزارة العمل والجهات الأمنية وبوسائل عملية ووقائية لإيقاف مشكلة انتشار ظاهرة رفض العمل او هرب الخادمات والسائقين لما في استمرار المشكلة من إهدار لجهد حكومي وخلل امني واستنزاف مالي للمواطنين بمختلف شرائحهم.