لفتت إشكالية «البحث عن وظيفة» لدى الشباب من الجنسين أنظار الجهات المعنية نحو سرعة فتح منافذ ومسارات جديدة للتوظيف، إلاّ أن إشكالية التوظيف ليست في توفّر الوظيفة، وإنما في الشروط التعجيزية المترتبة عليها، ومن المؤسف أن يتم وضع وتحديد شروط وضوابط تقلّد وظيفة ما في القطاع الخاص بناءً على قناعات المؤسسة ذاتها التي ربما فضلت توظيف الأجنبي على المواطن، فتضع شروطاً تعجيزية تصل بعضها إلى اشتراط الحصول على ماجستير في تخصص ما، وبخبرة لا تقل عن 13 عاماً، ويتبادر السؤال هنا: من يحدد معيار الشروط والضوابط التي لابد أن تنطلق منها المؤسسة لتوظيف الشباب من الجنسين؟. شاب متخرج في الجامعة تطالبه بخبرة عشر سنوات ولغة إنجليزية تحدثاً وكتابة.. «يعني تعجيز» إن غياب الرؤية الواضحة للشروط التي يجب أن يكون عليها اختيار وظيفة ما غيّبت معها الوضوح أيضاً في المبدأ الذي يُوظف عليه المواطن، والنظر إلى مخرجات تلك الوظيفة وما يتناسب فيها من معطيات، فجعلت من الشروط القاسية شرطا لتقلد وظيفة ما بابا يسد المجال لفكرة تنوع الوظائف وإمكانية شغلها، بل إنها لم تكتف بتلك النية، حيث صنعت حاجزاً كبيراً بين «طبقة المهن المرموقة» التي لها ناسها المحددون، وأيضاً «طبقة المهن البسيطة» للذين لم تمكنهم الشروط الوظيفية من تطوير مهنهم والارتقاء بها. د. القحطاني: نحتاج إلى «دليل» و«وصف» و«مسار» الوظائف لتوضيح الرؤية أمام الجميع وتتبادر عدة أسئلة تجاه سبب تغييب الرؤية الواضحة لسن ضوابط محددة لطريقة فرض الشروط في قطاع المؤسسات الخاصة والشركات من قبل وزارة العمل؟، وهل القطاع الخاص الذي يُعلن بكل جرأة عن شروطه التعجيزية عبر وسائل الإعلام من دون وجود الاعتبار أن هناك من يحاسبه؟ أم لوزارة العمل التي لم تتنبه إلى ضرورة أن تبادر بتوصيف شروط تقلّد المهن والوظائف؟. الخبرة لا تأتي إلاّ بمنح الفرصة أمام جيل تعقّد من «الملف العلاقي» والشروط التعجيزية غياب الرقابة في البداية، يرى «سلطان السلمي» أن المشكلة تبدأ من الجهات المعنية بمراقبة توظيف المواطنين وعلى رأسها «وزارة العمل» التي لم تبذل جهداً كبيراً - على حد قوله - في وضع ضوابط حاسمة لتقنين المبالغة في شروط التوظيف، مبيناً أن كثيرا من الشركات حينما تضع شروط الوظيفة تنسى أن من يتقدم لها قد يكون من خريجي الجامعات الحديثين وممن هم في بداية طريقهم للانطلاق نحو أخذ فرصتهم. وقال: «ما يحدث أنه حينما يتقدم خريج لشركة ما لشغل وظيفة ما، يتفاجأ أن هناك قائمة طويلة من الشروط التي لابد أن تتوفر به، وأكثرها استفزازاً أن لا تقل خبرته عن ثماني سنوات أو 14 سنة!، فإذا كان الباحث عن وظيفة يمتلك كل هذه الخبرة الطويلة لماذا يبحث عن فرصة وظيفة؟ والعروض لابد أن تأتي له لتميزه وخبرته ومؤهله التعليمي!». وأشار إلى أن المعاملة التي يتم التعاطي من خلالها مع الباحث عن الوظيفة تُشعره أنه جاء لكي يتقدم إلى وظيفة صعب تحقيقها؛ مرجعاً السبب إلى سوء التنظيم وعدم ضبط الشروط على القطاع الخاص؛ نظراً لأن نسبة كبيرة من السعودة مُغيّبة بسبب عدم وجود من يتطابق مع الشروط المطروحة التي تصل إلى تحديد المظهر العام واللباقة وحُسن القبول، ما حدا بكثيرين أن يضاعفوا جهودهم في سبيل تحسين مظهرهم قبل التقديم على الوظيفة. ودعا إلى تقليص شروط التقديم على الوظائف المطلوبة من قبل شركات القطاع الخاص قبل فرض السعودة؛ لأن الشروط تُعيق التوظيف وتزيد من حجم البطالة وتترك مجال لعدم توطين الوظائف، مما جعل الشباب يلجأون إما لمهن بسيطة أو يتجهون إلى مشروعات بسيطة على أمل النمو من خلالها نظراً لصعوبة الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي. شروط غير منطقية واتفقت معه «سمية الأمل» مستغربة من الأسس المعتمدة في تحديد شروط تقلد الوظائف، حيث تقدمت لعدة وظائف شاغرة، إلاّ أنها تتفاجأ أن مستوى الشروط لا يمكن مجاراتها لعدم واقعيتها ومنطقيتها، مبينة أنها في كل مرة تتقدم لشغل وظيفة يُطلب منها شرط غير متوفر بها كإيجاد لغة إنجليزية على الرغم من أن الوظيفة لا تحتاج أبداً إلى توفر عامل اللغة كمنسقة بيانات في إحدى المدارس، لكنها استطاعت بعد أخذ دورات أن تتقن اللغة، وحينما تقدمت لوظيفة أخرى طُلب منها نيل دورات في مجال الحاسوب مُحددة الأسماء فسعت للحصول عليها حتى أصبح ملفها الأخضر يضم العديد من الدبلومات والشهادات والدورات، إضافة إلى شهادتها الجامعية ولم تستطع بعد أن تصل إلى استيعاب حجم الشروط للوظائف التي لا تنتهي، مبينة أن آخرها كان إنقاص وزنها؛ لأن الوظيفة تحتاج إلى موظفة بمظهر معين. وأشارت إلى أن دائرة شروط التوظيف تحولت إلى درجة الاستخفاف بالمتقدم لفرط الشروط القاسية التي لا يُفهم الهدف منها، لافتةً أن تلك مشكلة كبيرة تزيد من حجم البطالة ولجوء الشباب إلى الوقوف في قائمة الانتظار الطويل، ما قد يدفع البعض للتنازل والعمل في وظائف أقل من إمكاناته العلمية فيفقد الرغبة في تطوير الإنتاج والتميز في العمل. نية صادقة وأكد «د. سالم سعد القحطاني» - أستاذ الإدارة العامة وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك سعود - على عدم وجود رؤية واضحة تحدد شروط التوظيف من قبل «وزارة العمل»؛ خاصةً فيما يرتبط بالقطاع الخاص على الرغم من أن ذلك مطلب قديم ومتجدد فليس هناك مواصفات أو وصف وظيفي في القطاع الخاص، حيث كل مؤسسة تضع الوصف الوظيفي الذي تراه مناسباً أو ترغب به، وقد يكون هذا الوصف الوظيفي تعجيزياً، وربما يكون مُفصلاً على شخصية غير سعودية في الغالب حتى إنه في بعض الإعلانات عن الوظائف في الصحف، يضعون من ضمن الشروط «إقامة قابلة للتحويل»؛ وذلك دليل على أنه لا توجد نية صادقة لتوظيف السعوديين. وبيّن أن الرؤية الواضحة لا يمكن أن تأتي وتكون بعيدة عن التعجيز والشروط القاسية إذا لم يكن هناك دليل واضح لشروط التوظيف في القطاع الخاص، ودليل الوظائف في القطاع الخاص من الممكن أن يسهم في تحديد دليل أي وظيفة من الممكن أن تخطر بالبال وهذا من مهام «وزارة العمل»، منوهاً أن هذا الدليل من الممكن أن يتضمن مسارا وظيفيا يشرح بعض الوظائف، فمثلاً موظف العلاقات العامة ممكن أن يتقلده موظف ثم يكون مسؤولاً أول، ثم يكون مديراً في العلاقات العامة، وهكذا يسير في مسار وظيفي واضح حتى تكون مؤهلاته واضحة لمنع تعجيز الشباب المقبلين على الوظائف. وأوضح أن هناك دليلٌ عالمي، إلاّ أنه قد لا يرتبط بكافة متطلباته، فضلاً عن أنه لا تتمسك به جميع مؤسسات قطاع العمل الخاص، ناهيك عن أن «وزارة العمل» لا ترغم هذه المؤسسات أن تتمسك به، ولذلك فإن إشكالية عدم وجود تلك الرؤية الواضحة جعلت من «وزارة العمل» لا تبذل ما هو مطلوب منها فيما يتعلق بتوفير وصف وظيفي ودليل تنظيمي في المنشأة، إذ إن حرصها يتركز في اللوائح الإدارية والمالية ويحرصون على اعتمادها، دون الاهتمام بسلم الوظائف، أو وصف شروطها، وعندها تضع كل مؤسسة مواصفات وظائفها الشاغرة بما تراه، من دون أن تعتمد الوصف من قبل الوزارة المطالبة بالتدخل وتخفيض هذه الشروط والمتطلبات بشكل يتيح الفرصة للشباب السعودي شغل مثل هذه الوظائف. إعلانات تعجيزية! وعن تأثير هذه الشروط التعجيزية التي جعلت كثيرا من الوظائف حصراً على فئات معينة من دون تحسين لأوضاع أصحاب المهن البسيطة، ذكر «د. القحطاني» أن ذلك يتضح جلياً من خلال إعلانات الصحف اليومية التي يستخدمها كثير من المؤسسات كمبرر أمام «وزارة العمل» بأنها أعلنت، ولم يتم تقدم أحداً للوظيفة، بينما هم غير جادين لشغل هذه الوظائف، حتى تحولت تلك الإعلانات إلى وسيلة تعجيزية بحد ذاتها، وتبرير أمام الجهات المعنية حتى لا تغضب عليها «الوزارة» في عدم التوظيف. ولفت أن أصحاب المؤهلات البسيطة لا يحصلون على فرص عمل جيدة، وكذلك الوظائف العليا أيضاً لا يحصل عليها الشباب السعودي؛ لأنها تحمل شروطاً تعجيزية، منوهاً أن الشروط القاسية التي لا تحمل رؤية واضحة للوظائف المراد شغلها في القطاع الخاص أصبحت تحرم أصحاب المؤهلات لشغل المناصب العليا في القطاع الخاص، كما أن عدم وضوح هذه الرؤية تسبب في عدم وجود فرصة للمؤهلات البسيطة لشغل وظائف دُنيا؛ فغياب المسار الوظيفي لشغل هذه الوظائف لا يشجع الشباب على القبول بهذه الوظائف، مشيراً إلى أن غياب المسار الوظيفي يعني أن الموظف إذا عُين مسؤولا أو علاقات عامة أو مندوبا فإنه سيبقى في هذه الوظيفة العمر كله، فلا يتشجعون على شغل وظائف في القطاع الخاص، بينما العكس في القطاع العام فمن الواضح أن هناك سلم مراتب للمعلمين والقضاة وموظفي التحقيق والإدعاء العام وغيره، فالمسار في القطاع العام واضح؛ ما يجعل الإقبال عليه كبير. وبيّن أن عددا قليلا من جهات القطاع الخاص - فيما عدا الشركات الكبرى - لديها مسار وظيفي واضح؛ وذلك جزء من الرؤية الواضحة، حيث إن دليل الوظائف، والوصف الوظيفي، والمسار الوظيفي، تعد ثلاث مكونات رئيسية للرؤية الواضحة للتوظيف ولابد أن تتعرف إليها «وزارة العمل» وتعمل بها.