تباينت وجهات النظر حول التعديل الجاري من قبل مجلس الخدمة على «المادة السابعة» من نظام الخدمة المدنية والمعنية بمنح الجهات الإدارية في الجهات الحكومية المختلفة حق الإعلان عن الوظائف التي تحتاجها مباشرة، وليس عن طريق وزارة الخدمة المدنية. ووجهة نظر (المعارضين) أنه سيفتح الباب على مصراعيه للفساد الإداري، و»شخصنة الكراسي» وغلبت المحسوبية على الكفاءة، وربما بروز المناطقية، فيما يرى (المؤيدون) على أن التعديل يعد تصحيحاً إصلاحياً يتوافق مع مسيرة الإصلاح في المملكة، ويحظى بمميزات عدة تعالج الكثير من المعوقات التي تواجهها الأجهزة الحكومي المختلفة التي كثيراً ما تشكو من قلة الكوادر المؤهلة، وتباطؤ وزارة الخدمة في تحقيق رغباتها في شغل الشواغر لديها. التضحية ب «التوظيف المركزي» تحتاج إلى رقابة «رجل لرجل» لضمان العدالة بين جميع المتقدمين شخصنة الكراسي! وقال «د.طلال بكري» -عضو لجنة الأسرة والشباب بمجلس الشورى- إن التعديل سيفتح باباً للتلاعب وغلبت المحسوبية على حساب الكفاءة وظهور المناطقية، وتشتت التقدم على الوظائف الشاغرة وتكليف المواطن أعباء توابع ذلك التقديم. بينما يرى «د.مشعل آل علي» -رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى- أهمية ضمان حق المواطن في حال قبول التعديلات على نظام الخدمة، وقال:»يجب أن يكون معيار المواطنة حاضراً بقوة كأساس؛ لأن لكل مواطن حق العمل». وأضاف:»أنا مع منح الجهات الحكومية حق الإعلان عن وظائفها بشرط الوعي التام بصلاحيات التعديل، وخضوعه للمراقبة مع ربطه بوزارة الخدمة، وعدم إطلاقه على جميع المراتب بعد الإفادة من التطبيق السابق على الوظائف دون الخامسة، والتأكيد على أن الترشيحات التي قامت بها الجهات المختلفة في محلها»، محذّراً من أن منح الجهات الإدارية حق الإعلان عن وظائفها قد يكون منبتا خصبا للفساد الإداري وظهور المحسوبية و»شخصنة الكراسي»، حيث يعتقد البعض من المسؤولين أن من ضمن اختصاصاته ومهامه تعيين أقاربه ومعارفه ليكرمهم من الحساب العام بدلاً من حسابه الخاص، مقترحاً إعطاء الاستقلال الإداري للمناطق في شؤون التوظيف على أن يكون تحت مظلة جهة رقابية متمرسة. المؤيدون: «تصحيح إصلاحي» في البحث عن القدرات التي تخدم العمل وتسد «الشواغر» اللامركزية وأيّد «م.محمد القويحص» -عضو مجلس الشورى- التخلص من المركزية في التوظيف، وقال:»إن التعديل المقترح يعد جزءاً من اللامركزية التي هي توجه كثير من القطاعات المختلفة»، مؤكداً على أن حصر التقدم للوظائف الحكومية المختلفة في جهة واحدة يعد ضغطاً على وزارة الخدمة، ولابد من توزيعها لتحقق بذلك حرص كل جهة على إشغال وظائفها وقيامها باختيار الكفاءات المناسبة لعملها، وبالتالي إلغاء حجة «ليس لدينا كفاءات»، كما تحقق اللامركزية سرعة التنفيذ ولكن الأهم في حال إقرار تعديلات مجلس الخدمة على المادة السابعة من نظام الخدمة، مراقبة ومتابعة الجهات الحكومية في آلية الإعلان عن الوظائف وشغلها؛ لكي لا يكون هناك تهاون ودخول المحسوبية واستغلال الصلاحيات المتاحة. المعارضون: منبت خصب للفساد الإداري و«المناطقية» وغلبت المحسوبية على الكفاءة توزيع الصلاحيات ودعا «د.محمد بن عبدالله آل ناجي» -نائب رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي بمجلس الشورى- منح صلاحية الإعلان والتعيين على الوظائف وجعلها في يد الجهات الحكومية المختلفة؛ لكنه اشترط أن تجرى الامتحانات والتقييم للمتقدمين وفق ضوابط محدده لشغل هذه الوظائف -يضعها مجلس الخدمة المدنية ويشرف على تطبيقها وزارة الخدمة المدنية-. وقال:»تعد مسألة المركزية واللامركزية من القضايا التي تحتاج إلى إعادة نظر من وقت إلى آخر مع تطور المفاهيم الإدارية وتقنيات الاتصال المختلفة إضافة إلى النضج الإداري»، مشيراً إلى أن دور وزارة الخدمة المدنية يكون في الرقابة على سلامة تطبيق مواد ولوائح نظام الخدمة المدنية وما تقوم به الأجهزة الحكومية من إجراءات وممارسات في هذا المجال، مبرراً أسباب تأييده لتعديل نظام الخدمة المدنية إلى التغيير المؤسسي والتقني والحراك الاجتماعي وتطور الكوادر البشرية وزيادة خبراتهم، ولذا من المناسب أن تُفوّض الأجهزة الحكومية بصلاحيات الإعلان عن الوظائف الشاغرة، ووضع الضوابط المتعلقة بذلك، وبهذا يمكن التخلص من تطويل الإجراءات وإشغال وزارة الخدمة المدنية ومكاتبها بقضايا يمكن أن تقوم بها الأجهزة الحكومية المعنية. د.مشعل آل علي وأشار إلى أنه من المناسب أن تعلن كل وزارة عن الوظائف الخاصة بها من المرتبة العاشرة فما دون، وتجرى الامتحانات والتقييم للمتقدمين وفق ضوابط محدده لشغل هذه الوظائف يضعها مجلس الخدمة المدنية، ويشرف على تطبيقها وزارة الخدمة المدنية. مركزية التوظيف أفضل وعارض الأستاذ «محمد عبدالرحمن السحيباني» -مدير عام سابق لشؤون التوظيف في وزارة الخدمة المدنية- منح الجهات الحكومية صلاحية الإعلان عن وظائفها، وساق عددا من المبررات للحيلولة دون موافقة الجهات التشريعية على التعديلات المقترحة خاصة المادة السابعة من نظام الخدمة. د.طلال بكري وقال:»بحكم عملي السابق في شؤون التوظيف لشغل الوظيفة العامة ومعايشة تقلبات سوق العمل أثناء تطبيق ثلاثة أنظمة عامة للخدمة المدنية، فإن ما يتم حالياً هو غاية التميز في العمل الإداري المنظم لما يتعلق بشغل الوظيفة العامة؛ لكون جميع الوظائف الحكومية تصبح في سلة واحدة تقوم وزارة الخدمة المدنية بإعلانها للجميع في مواعيد وخطط معلنة للمواطن، وتطبق على المتقدمين أساليب ومقاييس موحدة تضمن العدالة والمساواة، وفي الوقت ذاته مكّنت مركزية التوظيف الوزارة من بناء خبرة وطنية ثمينة، كذلك جعلت الوزارة مرآة تعكس احتياجات القطاع الحكومي من القوى العاملة، ومؤشرات سوق العمل». م. محمد القويحص واضاف:»على صعيد الممارسة الفعلية لتلك الصلاحية فقد اقتصرت وزارة الخدمة المدنية -الديوان العام للخدمة المدنية سابقاً- في إعطاء الصلاحية للجهات اللاتي لديها معاهد تخصصيه تابعة فعلياً لها، مثل معاهد المعلمين لوزارة المعارف -سابقاً-، ومعاهد المعلمات لتعليم البنات -سابقاً-، المعاهد الصحية لوزارة الصحة، معاهد البريد لوزارة البرق والبريد والهاتف -سابقاً- بحكم أن هذه الجهات تؤهل لنفسها وتقبل وفقاً للأعداد التي تحتاجها وأعداد الوظائف دائماً كان كافياً لخريجيها ولا تحتاج حتى إلى المفاضلة، أما فيما يتعلق بالوظائف الأخرى التي تقع في المرتبة الخامسة فما دون كالوظائف الكتابية والحسابية والفنية المساعدة والحرفية، فمع أن القطاع الحكومي قد واجه أيام الطفرة صعوبات حتى في توفير هذه النوعيات؛ فقد أوجدت الوزارة في تلك الفترة حلاً من خلال الإعلان المفتوح الذي يسمح بالتوظيف المباشر لأي مواطن يحمل التأهيل الكافي للوظيفة، ويلاحظ أن البدائل كانت متعددة جداً أمام المواطن، من حيث عدد الوظائف سواء في اختيار الجهة الحكومية أو اختيار المدينة أو القرية دون منافسة». محمد آل ناجي وأشار إلى أن السلبيات بدأت تتسع مع إعطاء هذه الصلاحيات، من خلال إعلانات لوزارة العدل، وأخرى لديوان المظالم، فمثلاً بلغ عدد المتقدمين لوظائف وزارة العدل(80) ألف متقدم على(946) وظيفة، وتقدم نفس العدد(80) ألف شخص لديوان المظالم على 930) وظيفة، وبالتأكيد هم نفس الأشخاص الذين تقدموا لوظائف وزارة العدل لتماثل الوظائف والمراتب المعلنة، والشيء نفسه حصل في إعلان عن وظائف لديوان المراقبة العامة، ووظائف مصلحة الزكاة والدخل وهي متشابهة في المسميات والمراتب، وعلى هذه الحال فإن المواطن البسيط لن يستطيع التقاط أنفاسه في التنقل بين الجهات الحكومية، والسفر شرقاً وغرباً وما يتكبدونه من خسائر قاسية للحصول على وظيفة. العدالة والحياد أهم وقال «السحيباني» إن التوظيف من قبل وزارة الخدمة المدنية يعد خدمة مثالية للمواطن؛ كون كافة الوظائف الحكومية ترد إلى وزارة الخدمة المدنية وتعلنها وفق خطة سنوية معروفة لكل مواطن، وبمراجعة واحدة وتقديم مرة واحدة تكون الفرصة متاحة له في الترشيح على واحدة من مئات الوظائف التي تعود للعشرات من الوزارات والمصالح الحكومية، وعلاوة على كل ذلك فإن كون شغل الوظيفة العامة مرتبط بجهة حيادية -والحياد أهم سمة في قرارات شغل الوظيفة العامة الذي هو مبعث رضاء وطمأنينة كل مواطن ومواطنة- فإن إعطاء الصلاحيات للجهات على النحو السابق ذكره سيقضي على هذا الرضاء والطمأنينة. وأضاف أن ما قد يبرر للتعديل -إن وجدت- في إعطاء الصلاحية للعاشرة فما دون هي أن مركزية التوظيف عند نشأتها كانت بسبب عدم توفر القدرة والكفاءة لدى الأجهزة الحكومية لاختيار موظفيها، وعند هذه النقطة أستطيع أن أقول إن الأمر في تبني المركزية آنذاك لم يكن مسألة كفاءة أو قدرة بالدرجة الأولى، وإنما كان تنظيمياً هدفه إرساء معايير موحدة ومقاييس علمية لاختيار الأجدر والأفضل لشغل الوظيفة العامة، وتطوير التطبيقات لهذه المعايير والمقاييس من خلال دراسات مركزية، بالإضافة إلى ضمان تكافؤ الفرص أمام المواطنين وإيجاد قاعدة عريضة لبدائل شغل الوظيفة العامة من خلال الرؤية الشمولية لسوق العمل، وإنشاء سجل وطني يعكس علاقة هذا السوق باحتياجات الخدمة المدنية المستقبلية من القوى العاملة، كذلك قد يكون من بين المبررات أن كثيراً من الوظائف المعلنة تخص وزارتي التربية، والصحة وهذه حقيقة معروفة، ولكنها لا تبرر على الإطلاق أن تتخلى وزارة الخدمة المدنية عن اختصاص أصيل لها، فالتوظيف المركزي هو السمة الرئيسة لشخصية الوزارة وإليها يتجه المواطن بآماله في الوظيفة العامة. وأشار إلى أن الأعداد المتزايدة من المواطنين والمواطنات في التنافس الهائل جداً على الوظيفة الحكومية في السنوات الأخيرة لا يمكن أن يحتويه -أي التنافس الهائل- إلاّ توظيف مركزي، ولو لم يكن هذا التنظيم -أي التوظيف المركزي- نظاماً مقراً كما هو اليوم لطرحت الحلول والآراء تنادي بأنه الحل الفعال لمواجهة التنافس غير المسبوق على الوظيفة العامة، ولذا فإن استمرار وزارة الخدمة المدنية في القيام بهذه المهمة سيجنب شغل الوظيفة العامة والمواطنين جميع المشاكل والسلبيات التي ستنشأ فيما لو ترك الأمر لكل جهة حكومية على حدة، مشدداً على أن التضحية بالتوظيف المركزي الحكومي هي تضحية بمصلحة المواطن وراحته.