لماذا تقحم نفسك في نقاشات عديمة الفائدة؟ كم مرة سألت نفسك السؤال السابق معاتباً إياها وكأنها شخص آخر فعل ذلك بدون إرادتك أو معانداً رغباتك الشخصية؟ وأنت في هذه الحالة قد تشعر بأنك ضيعت وقتك في أمر لا يستدعي وأهدرت جهودك على شيء لا يستحق، أي أنك في الحقيقة تعترف أن إقحامك لنفسك في هذه النوعية من النقاشات كان خاطئاً، لكنك تنسى أن تقييمك لمدى فائدة أو نجاح النقاش من عدمه قد يكون خاطئاً أو غير صحيح أو قائماً على أساسيات معوجة. تقييمك لفائدة النقاش أو عدمه، قد يكون مبنياً على مفهوم خاطئ للنقاش، فأنت قد ترى أن النقاش الناجح هو الذي يؤيدك فيه جميع من حولك بدون أي مجادلة، وفي هذه الحالة أنت لا تمارس الحوار - النقاش بل أنت تقوم بالقاء محاضرة على مجموعة من الطلبة الذين يريدون أن ينتهي الوقت حتى يتركوا المكان ويقوموا بعمل أكثر فائدة من الاستماع إليك، لذلك هم يلتزمون الصمت ويحركون رؤوسهم بالإيجاب والموافقة على كل كلمة تقولها وعقولهم في مكان آخر، مكان أنت غير موجود فيه ولست جزءاً منه وأنت قد ترى أن الحوار الناجح هو الحوار الهادئ الذي لا ترتفع فيه الأصوات ولا تتحرك فيه الأيدي منفعلة يمينا وشمالا، ويمكننا أن نؤيدك في ذلك، لكن ليس هو هذه الحال دائما على أرض الواقع، وفي كل الحالات أنت تحمل حكما مسبقا أو تصورا خاصاً بكيفية هذا النقاش - الحوار وبناء عليه تقيّم تجربتك. البعض يمارس الحوار - النقاش وكأنه في معركة مع أعداء شرسين لابد أن يقضي عليهم واحدا واحدا بأي سلاح وبأي طرق ممكنة وغير ممكنة، والبعض يرى في الاختلاف في الرأي مهما كان بسيطا أو جانبيا سببا كافيا لمحو الآخر صوتاً وصورة وثقافة وفكرا من على وجه الأرض، والسبب أن هؤلاء لا يؤمنون بامكانية التعايش الفكري بسلام وأمان وراحة بال، فرغم رحابة الأرض ووسع أرجائها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا فإن العقول قد تضيق مساحتها حتى بالكاد تتحمل صاحبها، وقد تتفقون معي أن المشكلة تتلخص في ضيق العقول وعدم قدرتها على الاستيعاب. البعض يدخل اي حوار - نقاش وقد حفظ أجوبة جاهزة معلبة، يرددها بدون حتى أن يستوعب معناها، وأسهل هذه الأجوبة هي الفات الاتهامية التي يلقيها على الطرف الآخر بدون حتى أن يخضعها للمنطق، والبعض يعتقد أن المنطق متلون أو مطاطي يختلف من حالة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر. والبعض يريح نفسه ويكتفي بالمشاهدة، ولا يحاول حتى أن يصحح المعلومة التي استخدمت على لسان هذا أو ذاك حتى وإن قالوا إن القمر لونه «زهري» لأنه فقد الأمل في مخاطبة العقول، ولأنه يريد أن يرتاح. طيب. وبعدين!! لا أعرف هي مجرد خاطرة.. قررت أن أكتبها على عجالة.