قصائد المراسلات في تاريخ الشعر الشعبي الجزل علامة فارقة ماثلة في سمائه تماماً كنجوم السماء التي لا يغيب عن الذهن موعد بزوغ كل منها موزعاً على فصول السنة، وعليه، فإن مراحل سنوات الشعر الماضية حفلت بأسماء أعلام مضيئة قدمت وقدمت الكثير ولست بمجال - دراسة أدبية دقيقة أو استعراض تجارب ثرية وغنية عن التعريف- ولكنني بصدد «الإشارة» وليس تسليط الضوء على منابعه «كحق مستحق لقاء ما قدموه» لجانب مهم جداً في تاريخ الشعر الشعبي يستنتج منه المتلقي المدى البعيد والعميق في تفرده للأخوة، والصداقة والإيثار، والوفاء المتبادل في قصائد نخبة من الشعراء في مواقفهم ومحبتهم في الله لبعضهم، وقيمة الصداقة الحقة التي لا تعادل بثمن من خلال سياق نصوصهم، وحري (بالكثير من الأجيال الصاعدة) من الشعراء أن يقتدوا -بإيجابيات نهج- من سبقوهم في تجربتهم الشعرية المشرفة، وهذا أمر متاح بالاقتداء الإيجابي الذي لا يتعارض مع تميز التجربة وهو نقيض (الغيرة السلبية العمياء في التهافت على الضوء- على حساب أمور كثيرة تتصدرها الجزالة التي تظلمها النظرة الضيقة القصيرة التي لا تتجاوز مدى أرنبة أنف أحدهم من المتأخرين في أمور كثيرة مع بالغ الأسف مع ملاحظة أن هذه - الثنائيات استثنائية النهج - وليس كل شاعر قديم جزل كذلك؛ بدليل أن الشاعر عبدالله بن ربيعة ومحمد لعبون شعراء كبار، ومع هذا بينهم هجائيات سيئة المعنى في مراسلاتهم، وغيرهم كثيرون لا تبتعد مراسلاتهم عن بعض قصائد حل وباؤها كمرض لم يستشر تماماً في الساحة الشعبية في (الآونة الأخيرة) وما لبث أن زال ولله الحمد. يقول الأمير الشاعر محمد بن أحمد السديري مخاطباً الشاعر زبن بن عمير -رحمهما الله-: ما جيتني يا زبن وأنا تحرّاك أبيك تبعد هاجسٍ بالفوادي الله وأكبر يابو غشام ما غلاك وعز الله إنك خابرٍ وش مرادي ما زل يومٍ ما تذكرت طرياك ويوم أن أشوفك مثل يوم العيادي فأجابه الشاعر زبن بن عمير -رحمه الله- بقصيدة منها: وأنا اللي أشفق يا محمد ولا أنساك وحياة رب البيت محصي العبادي أنه فلا يومٍ مضى ما تمنّاك ولو جيت أبصبر عنك مالي جلادي وأرتاح من راحتك وأشقى بمشقاك وقلبي معك يتبعك في كل وادي وقال الشاعر عبدالله السياري مخاطباً صديقه الشاعر عبدالله السلوم - رحمه الله: لا والله الا قزت عيني وعافت لذة النوم ولا أحدٍ أعيونه يقزّنّه كذا من غير علّه عندي خبر ما يكون إلا الذي باللوح مرسوم وكثر الحذر ما يفك إمن القدر ليحان حلّه لا شك أنا لي ثلاث إسنين محزونٍ ومهموم عسا الفرج من ولي العرش عن قلبي يحلّه وكان من ضمن رد الشاعر عبدالله السلوم على السياري قوله: هذي مقادير تجري ترمي المخلوق بسهوم من عاش لا بد ما يلقى بها حالٍ يملّه إن زان وقتك وذعذع لك نسيمه دايم الدوم فأغنم ليال السعد ما دام لك سيفٍ تسلّه وقال الأمير سعود بن بندر -رحمه الله- مخاطباً الشاعر راشد بن جعيثن: يابو محمد بحّ صوتي وأنا أصيح وماكن حولي نابه العقل يوحي لمّحت واجد ثم صرّحت تصريح لعل يسمعني بعيد الشبوحي ولا سمعت إلا صدى الصوت والريح وروحي تجاوب ونّة آهات روحي فأجابه الشاعر راشد بن جعيثن بقصيدة منها: يا طير عينك ما تغر الملاويح في كفّ ميّاحٍ بشلوه يموحي لا شك ربك خالقك للمراويح ورأسك على طلب المعالي لحوحي الحر عشّه فوق روس اللحاليح مع الكواكب دون مرقاه صوحي وقال الشاعر سعد الهماش -رحمه الله- مخاطباً الشاعر ماجد الشاوي من قصيدة منها: مجرد شعور ودمعتي ماجرت بالموق ثقيلة.. ترى ما كل موضوع ينثرها إلى تاق قلبي للخلا ردّه المعلوق خطا الروح الأول يا رفيقي محذرها ترى ما يهزك في حياتك مثل طاروق سمو الشعور اللي تضمّه مشاعرها فأجابه الشاوي بقصيدة نقتطف منها قوله: علامك تبدّل فرصة الحاضر بمفهوق يجوز إن وقتك يا سعد ما يكررها تهاون بنورٍ عنه ليل الدجى مفروق ورمش ليا أسبل في همومك يبعثرها وطيفٍ ليا أبحر بالخيال.. المزاج يروق يخليك تنسى السالفه وانت حاضرها ومسك الختام ما دار بين الشاعر الجزل والإعلامي الفذ الاستاذ عبدالله بن محمد الثميري -رحمه الله- الذي قدم للساحة الشعبية الكثير (إبان رئاسته وإشرافه على قسم الشعر الشعبي بصحيفة الجزيرة رحمه الله) وبين الشاعر المعروف إبراهيم بن زيد المزيد -رحمه الله- حيث قال ابن مزيد ضمن قصيدته التي وجهها (لأبو نبيل): أصبح عزيز النفس ماله قيمه والنذل يمرح ما عليه عتاب هذا الذي يقهر نزيه الذمّة إلى اعترض له مبغضٍ كذاب في مجلس أخيارٍ يريد بقوله مضرة المسلم وهو نصاب فأجابه الأستاذ الشاعر عبدالله بن محمد الثميري -رحمه الله- بقصيدة رائعة منها قوله: المال ماهو رأس مال العاقل يذهب بلحظاتٍ ولا ينجاب كم واحدٍ أفلس وخسر أمواله وعادوه منهم بالنفاق أصحاب أمنولٍ هو شيخهم في الجلسه هو رأسهم والحاضرين أذناب