ويمتد القول مع شخصية الشاعر محسن بن عثمان الهزاني من شعراء الأمس ، ذلك الشاعر الذي طالته محبة المتلقين والرواة حتى ألبس جلباب عزله في غزله وفي بعض شعره وغيبت بقية أشعاره ، في حين بدا الظاهر أقل من أن يفي بحقه ذلك لأنه كما يقال من الحب ما قتل ، فمحبتهم لجانب عشقوه كان سببًا في تغييب ما جهلوه . فيمكن أن يقال إن بعض الرواة وناقلي أخبار وروايات شخصيات الأمس لم ينصفوا العديد منهم . ذلك لأنهم أخضعوا جوانب الشخصية المراد نقل صورتها ، إلى رغباتهم وعواطفهم وركزوا على جانب يميلون إليه وهم قلة ، فأضفوا عليه كامل المعلومة وصبغوا الشخصية كاملة بهذا الوجه المرغوب من قبلهم ، حتى ولو كان لا يمثل سوى بعض الحقيقة أو حتى غير مرغوب من المجتمع ، مثل ما ظهر حميدان الشويعر هجاء للديار والأشخاص متعرضا لجوانب حول المرأة قد تثير حساسية المتلقي وينفر من نقده لها ذلك النقد الذي يصل العظم ، ولا يكاد يصلنا منه إلا أقل من أربعين قصيدة ليس فيها أي قصيدة مطولة . وهذا غير معقول أن يكون من شاعر له عمر ممتد ، ولم يظهر له بدايات ضعيفة ولا نهايات قوية ، بل اندرجت ضمن القصائد القصيرة المتشابهة إلى حد كبير وكأنها قيلت في يوم واحد ، إلى درجة أن رواة المشافهة عاثوا فيها بكل رغبة ولهجة . والأمر نفسه بالنسبة للشاعر محسن الهزاني . شاعر بحجم قامة محسن الهزاني وثقافته وسيادته وتسيده ، التي ستتضح عندما نورد بعض قصائده التي إن ذكرت من الرواة فإنما تذكر على أنها استثناء وأنها قيلت في ظروف محددة وكأنها نوع من إثبات المقدرة على قول قصيدة تخلوا من الغزل لكنني أذكرها على أنها هي الأساس وغيرها استثناء وهو من حق الشاعر علينا كمتلقين منصفين ، إنها تعد عنوانا لنهج مخفي وقمة جبل ثلجي مغمور في محيط إبداعه الذي قبر بدعوى الغزل ، لم يصلنا منه إلا عنوانه الجميل المتمثل في هذه القصائد . وهي بالطبع لم تتولد لغتها ومفرداتها فجأة عند الشاعر بل إن محتواها و مفردات لغتها تعد أصدق دليل على عمق ما لدى الشاعر من هذه المفردات والثروة اللغوية والمبادئ الخيرة التي وظفها كثيرا في قصائد لم تصل إلينا ، فالشاعر لم يكن يدخر أو يختزن مفرداته في ذاكرة جانبية ويختزنها للحاجة كما يخزن المال ، بل اللغة وحصيلة الشاعر وتراكيبه وصوره الشعرية تفرض نفسها وتلبي رغبته في التعبير وتتبادر مع كل إحساس وشعور وتستجيب ولا تنتظر في مخزون لديه مستبعد ، ومن المؤكد أنه وظفها فعلا في قصائد كثيرة جميلة وفق ما مر به من أحداث تمر على كل الناس لكن أين هي؟ . فشعر الغزل عند محسن الهزاني ما هو إلا فرع وربما ملزمة صغيرة من ملازم دواوين شعرية جثمت عليها قصائد من الغزل بهالتها ولكنها لا تعد شيئا لو ظهرت بقية القصائد التي لها جمالها واستقامة شاعرها وعلو مكانته وثقافته وترفعه عن أي هبوط . ولنأخذ بعض جوانب الحكمة عنده ، ونحاول أن لا نصفه بأمير الغزل حتى ولو تأمر بالفعل فيه ، فهو أمير في الشعر عموماً تربط بين معانيه الحكمة والاتزان والعقل والفضيلة . يقول في قصيدته : دع لذيذ الكرى وانتبه ثمّ صل واستقم في الدجى وابتهل ثم قل يا مجيب الدعا ياعظيم الجلال يا لطيف ٍ بنا دايم ٍلم يزل واحد ٍماجد ٍقابض ٍباسط حاكم ٍعادل ٍكلّ ما شا فعل ظاهر ٍباطن ٍخافض ٍ رافع سامع ٍعالم ٍما بحكمه ميل أول ٍ آخر ٍ ليس له منتهى جلّ ماله شريك ٍ ولا له مثل بعد لطفك بنا ربنا افعل بنا كل ما أنت له يا إلهي أهل يا مجيب الدعا يا متمّ الرجا اسألك بالذى يا إلهي نزل به على المصطفى مع شديد القوى وأسألك بالذى دكّ صلب الجبل الغنى والرضا والهدى والتقى والعفو العفو ثمّ حسن العمل واسألك غادي مادي كلما لجّ فيه الرعد حلّ فينا الوجل وادق ٍصادق ٍغادق ٍضاحك ٍ باكي ٍ كلما ضحك مزنه هطل المحثّ ألمرثّ المحنّ ألمرنّ هامي ٍ سامي ٍ آني ٍ متصل وأسألك بعد ذا عارض ٍسايح ٍ كنّ به طق مثنى سحابه طبل داير ٍ حاير ٍ عارض ٍ رايح ٍ كل ّ من شاف برقه تخاطف جفل من سحاب ٍ حقوق ٍ صدوق ٍ جفول ٍ عريض ٍ مريض ٍ وني ٍ عجل كنّ مزنه إلى ما ارتدم وارتكم في مثاني السدى دامرات الحلل ناشي ٍ غاشي ٍ سداه فوق السها كنّ مقدم سحابه يجرجر عجل مدهش ٍمرهش ٍمرعش ٍمنعش ٍ لمع برقه كما سيوف هند تسل كن نثر الطها يوم هبّ الهوى فرق ريم ٍ جفل و ارتهش واجتول كلما اختفق واصطفق واندفق و استهل وانتهل انهمل كالهلل أدهم ٍمظلم ٍموجف ٍمركم ٍ جور سيله يعمّ الوعر والسهل به يحطّ الحصا بالوطا من علا منحي ٍ بالرفا والغنا بالشلل حينما استوى وارتوى واقتوى واستقل وانتقل إضمحل المحل بعد ذا آخر ٍ ما حمي جور ماه ثم يشيل الشجر في مسيل الفحل كلّما ازدجر واندجر وانفجر ماه حطّ الحجر في جروف المحل والفياض اخصبت والرياض اعشبت والركايا ارجعت والمقلّ اسفهل والحزوم اربعت والجوازي سعت والطيور أسجعت فوق زهر النفل كن وصف اختلاف الزهر في الرياض اختلاف الفرش والزوالي تفل بعد ذا علّها مرهش ٍقالط ٍ في بقايا أربع ٍ من سماك العزل بعد هذا يعله ّ زلال بدلال قدر شهر ٍسقى راسيات النخل راسيات المثاني طوال الحظور منصلات المقادم جريد ٍ المظل حيثهنّ الذخاير إلى ما بقا بالدهر ما يدير الهدير الجمل وهذه أبيات من قصيدة أخرى: يا ورق ما تبدع غريبات الافنان باح العزا حيثك بشكواي تدري عذري ولو جاوبت ورقٍ ٍبالالحان لو نحت نوح الورق وا كبر عذري كم عاقلٍ قلبه من العقل مليان فاجاه من عقب السكات التهذري يا لا يمي صابك من البين ما بان تاتيك غاراتٍ على غير تدري دنياك ما تصفي لحيّ بالاحسان إلا إن سقته من الشري والسقطري قبل نبيّ الله بنى بيت الاحزان وبكى على يوسف والفراق عسري ويقول : أيّس وقال اللي كتب بالقلم كان وماكان مكتوب ٍ على العبد يجري وعجّل عليه الموت للروح ديّان كم واحد ٍفي الناس فاجاه عذري ياربنا مامن الموت جزعان والموت مكتوب ٍعلى العبد يجري والموت لارواح المخاليق ديّان ما يندفع من بعد عسر ٍ ويسري غارت خيول الموت ركض ٍبلا ارسان والعبد منها غافل ٍ ليس يدري ويقول أبا الله مايبقي من الخلق واحد وكل نعيم ماسوى الخلد نافد لكل امرئ ٍفيها مقام ٍوينقضي وكل عمل ماهوب لله فاسد فلا تبتغي من غير مولاك مطلب فلا عنك يوم ٍيمنع الرزق حاسد ولياك تجلي في حجى جال مبغض ولا تتّصل بحبال من لا يساعد ولا تامن الدنيا وإيّاك مكرها فكم ضعيّت بالغدر من راي واحد إلى امّنت أهلها مع الأمن جاتهم بغارات بين ٍمالها من يطارد ولا منهم اللي من هواه قضى وطر وعوايدها تنهى عليهم فقايد بكثر التمنى والتولى والدعا وكثر التمنى واكتساب الفوايد إلى حيث حطّتهم بالأجداث كلهم جثوا تحت الأجداث صرعى خوامد ويقول: وأنت ياربِّ قلت: ألست بربكم بلى شهدنا إنك الله واحد رحمن في الأرضين والبحر والسما بالغيث غثنا عند كرب الشدايد ثلاث ليال ٍيلتبس فيهن السما وللغيث سمّاح ٍوللرب حامد دقّن كما وصف الريالات كلّما تعلاه نسج الريح ظلٍّ بزايد ويقول لا تبدي اسرارك لغيرك فلربما يلومك من لا فيه ما فيك رامع ولا عز إلا في لقا كل متعب بسمر القنا والمرهفات القواطع دع الناس من لا يبتدي منك رقة ومالناس الا من حسودٍ وشانع واحذرك عن درب الردى لا تبي الردى فتصبح طريح بين واشٍ وشافع تشمت عليك عداك في كل مجلس وكن عاقلٍ واترك كثير المطامع فكم واحدٍ يمدحك في حدّ حضره وهو ربما في عرضك وان غبت راتع يرميك بالبهتان والزور واحد من العقل جيعان من الجهل شابع ويقول إترك الغيّ وامسك بكف الهدى العرى التي ما ابد تنفصم كلما ناظر لبيب الكرى ارم ثوب الكسل والتأني وقم والبس اردان جلاليب الدجا واتزر بالمسا وارتهب واستقم ثم صلّ اربع باربع يا فتى ثم من بعدها بالوتر أختتم ثم بعد الفراغ إساله ذاك من أوجد السبع والسبع بعد العدم جامع الناس في يوم لا ريب فيه جابر العظم من بعد ما ينقصم ذو جلال يرى ما يلج بالثرى واحترك في غسق ذي ثلاث ظلم شاعر يتحرك في أفق عريض واسع من الاتزان والحكمة والرشد والعقل والفضائل الجمة وحسن التوجيه والعطاء المميز ، لبيب بمعانيه واضح في مبانيه مشيد للفضيلة مرشد لطريقها ، كيف يغطس في بحر الغزل ويصطبغ بها على وجه إعلامي كأنه يتفق على ذلك الإقصاء في لفائف كثيفة تحجبه . سؤال يبقى محيراً على الأقل لدي .