لم يعد التسلل عبر الحدود من الدول المجاورة قاصراً على البقاء داخل المدن والقرى التي هي بمحاذاة الحدود , فمنذ سنوات والمتسللون يواصلون السير حتى الوصول إلى المدن الكبيرة كالرياض ,وجدة ,ومكة , وغيرها من المدن دون أن يوقفهم أحد او يعترض طريقهم . لأنهم يخترعون طرقاً جديدة للهروب من حرس الحدود , والجهات الأمنية المسؤولة من أجل الدخول للمملكة , وما أكثر وأطول الحدود مع الدول المجاورة والتي يصعب ضبطها أو السيطرة عليها مهما كانت المحاولات جادة . ولا يقتصر التسلل فقط عن طريق البر والهروب والتخفي من نقاط التفتيش , ولكن هناك تهريباً وتسللاً عن طريق البحر وبالذات من الصومال التي تعاني المجاعة واريتريا حيث يدفع هؤلاء الغلابة والفقراء ما لديهم من أجل الوصول إلى حدود المملكة والدخول سراً للبحث عن لقمة العيش الامان , والهروب من الحروب والاقتتال , ومقابل ما يدفعون هناك , قد يجدون من يساعدهم على الدخول لدينا إما بمقابل مادي , أو عن طريق الفزعة والعطف , دون أن يكون لديهم أي وازع وطني أو أمني بمدى خطورة الخطوة التي يقومون بها , وهل ستشكل ضرراً على المملكة , أم أن الأمر لا يتعدى حدود الإيواء والصدقة. ؟؟ آلاف المتسللين خبراء في الحدود وكيفية اختراقها دون المرور على نقطة التفتيش وأركز آلاف بل عشرات الآلاف، هذه الخبرة أُكتسبت من المحاولات المتعددة للدخول والفشل ثم معاودة المحاولة ثم النجاح الذي يدفعهم للتوقف المؤقت في المناطق الحدودية وقراها , ثم العبور حسب خطتهم إلى المدن الكبيرة كجدة , والرياض التي تعج شوارعها بالمتسولين , وبائعي الفل وألعاب الأطفال , ومن يشاهدهم وهم يتنقلون أمام السيارات , ويتقافزون لبيع زجاجات الماء في لهيب صيف جدة , وحرارة الظهيرة القاسية يؤمن أنهم من أصحاب الإقامات , ولكن بمجرد وصول دورية , تجدهم يغادرون المكان ركضاً . ويتم اختفاؤهم بسرعة شديدة وبالذات المتسولين الذين يقفون أمام الاشارات ويطرقون زجاج السيارات حيث يركضون إلى الشوارع الجانبية التي درسوها جيداً , وهناك يجدون من يقوم بجمعهم وتهريبهم في سيارته , حسب خطة مرسومة. أهمية هذا الأمر الذي لا يخفى على أحد أن هؤلاء المتسولين , والمتسللين , والذين لا يحملون أي إقامة نظامية عندما يقبض عليهم ويرحلّون , يعودون في الأسبوع الذي يليه , أو حتى قبل ذلك , والسبب أنه بمجرد دخوله إلى دولته لا يعود إلى أهله وهو الخبير بالطرق , لأنه يعاود مرة أخرى الدخول عبر الصحراء والعودة إلى ماكان عليه وممارسة حياته , أيضاً هناك عمال يعملون باليوم بمجرد ما يرحلّون , يخبرون من يعملون لديهم أنهم عائدون قريباً وفعلاً يعودون حتى وسط المملكة وليس أطرافها .... منذ فترة نشرت جريدة «الرياض» خبراً طريفاً ليمني خبير في التهريب , عندما قال ل(الرياض) واللجنة الأمنية لمكافحة التسول بالرياض أنه عائد مرة أخرى عبر تسلل الحدود وفعلاً عاد وقبض عليه للمرة ال(41) بتهمة التسلل والتسول في شوارع العاصمة الرياض. الطريف أنه بدا في الصورة ضاحكاً وسعيداً للإجازة القصيرة التي سوف يأخذها ثم سيستأنف نشاطه مرة أخرى بالعودة , فهو كما يقال يطلق عليه (خبير تهريب) حيث اعترف قبل ستة أشهر ل(الرياض) عندما قبضت عليه اللجنة الامنية لمكافحة التسول في كمين أمني بأحد منازل وسط الرياض أنه نجح في التسلل عبر حدود المملكة لأكثر من أربعين مرة لممارسة مهنة التسول عند اشارات المرور , وفي كل مرة يقبض عليه لا تظهر عليه علامات الخوف أو القلق , أو الندم لأنه يعلم بأن الأمر طبيعي فالعقوبة سوف تكون الترحيل خارج المملكة على حد اعترافاته وأنه سوف يعود قريباً بعد ترحيله . وعندما قبض عليه للمرة الحادية والأربعين قال إن الأمر لا يكلفه شيئاً فقط (حذاء اضافي ) ليسهّل عليه عملية السير في الصحراء حيث يقوم مهربون بوضعه قبل نقاط التفتيش على الحدود السعودية ثم يسير على قدميه في الصحراء حتى يتجاوز نقاط التفتيش وبعد أن يعبر الحدود يجد مهربين آخرين يقومون بنقله للمدن والقرى أو مواطنين ينقلونه من باب الفزعة أو العطف ولا يسألون عن وضعه , هذا الرجل من المؤكد أنه اذا لم يجد من يساعده على التسول وإعطائه ما عاد مرة أخرى ولأننا نمنحهم المكان والصدقة سيعودون عشرات المرات. بقي أن أقول إنه يضاف لدينا غير هؤلاء المتسللين , بقايا الحج والعمرة وهم بمئات الألوف , والشغالات والعمالة الهاربة وكلها تصب في صالح تكثيف من هم غير نظاميين , ويشكلون عبئاً على المملكة , وهذه القضية الشائكة والتي تقلق كثيراً من الدول ليست قصراً على المملكة ولكن تتعلق بكل الدول التي لها حدود طويلة ممتدة كالمملكة , فمثلاً الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يتسلل إليها المهربون بالمخدرات والمهرّبون بحثاً عن حياة أفضل وبالذات حدودها مع الدول المجاورة التي أغرقتها بالمتسللين ولم تستطع أمريكا بقوتها وتقدمها أن تضبط حدودها لا بحراً ولا براً رغم كل المحاولات والإمكانيات وسيظل التهريب مهنة مستديمة طالما هناك من يبحث عنه ويستفيد منه للبحث عن الأمان , أو المأوى , أو الطعام.