برقية خادم الحرمين الشريفين للرئيس اللبناني لخصت الموقف بأن «أطرافاً خارجية لا تريد الخير للبنان والعرب» ومن يفسر هذا الكلام بتحليل واقعي يدرك أن لبنان تخلص من الحرب الأهلية باتفاق الطائف، لكن ذيولها باقية، وصارت ثلاث قوى قادرة أن تتلاعب بمصيره بوجود جيوب لها داخل البنية السياسية والاجتماعية.. فسوريا حاضرة بقوة، وهاجس أن لبنان اقتطع منها بمؤامرة دولية، أبقى الأمر متحركاً ومتجدداً في تأزيمه أو انفراجه لأي سبب كان، وعقدة أنه كان مطبخ المؤامرات والانقلابات عليها شكّل عقدة المواجهة، وقطعاً هناك من يخدمها على مر عصور حكومات لبنان، سواء كان الحكم في سوريا وحدوياً قومياً، أو راديكالياً يطرح شعارات المواجهة والممانعة، وأسباب أزمته الأخيرة أن سوريا في غالب ظروفها لا تريد ازدهار لبنان واستقراره لأنه يستفز سلطتها وشعبها معاً.. إسرائيل جعلته حقل تجارب، لتمرير جواسيسها، وخلق فوضى وحروب سهلت مهمات احتلالها للبنان قوى داخلية، كانت تعتقد أن تحالفها مع قوة إقليمية كبرى، سوف يساعدها على الهيمنة السياسية والعسكرية عليه، وقد أفرزت حربه الأهلية صوراً وأشكالاً لتحالفات لا تزال موجودة قابلة للعودة لذات السياسات مرة أخرى، حتى لو كان سبب الاحتلال إنهاء قوة الفلسطينيين. إيران، كقوة ثالثة، لم تكن بالقوة، أو الزخم الذي يجعلها تتحكم بلبنان، فقد كانت أمل الذراع مع الفلسطينيين الذي يقف ضد إسرائيل، ولأن لبنان يتحرك ساسته وفق مصالحهم فقد انقلبت أمل على الفلسطينيين، وكانت أحد أسباب تحجيمهم وطرد قياداتهم لتونس، ليرى النور حزب الله والذي تواجه مع أمل ليصل، بدعم من إيران أن يكون القوة المنفردة في ساحته الداخلية كلها، ويصبح لإيران هذا القوس الشيعي في هذا البلد وقت ما تشاء.. حالة الصدام الأخير بين العلويين المدعومين من سوريا وحزب الله، مع الطائفة السنّية، هي اختبار لمدى وزن السنّة، والذين تشعر سوريا أنهم رأس الحربة في دعم المناوئين لسلطة الدولة، غير أن الواقع لا يفهم منه سذاجة هذا الفعل، بل جاء مخططاً لإشعار الدولة اللبنانية، أنها إذا لم تتدخل وتردع من يساندون ثوار سوريا، فالبديل حرب أهلية لكل الطوائف، ومع أن السلاح موجود بين جميع العناصر التي خاضت الحرب الأهلية، إلا أن حزب الله القوة الأكبر والأهم، والقادر على حسم الأمور لصالحه، ولسوريا معاً.. هذه القوى المتلاعبة بلبنان قد تختلف استراتيجياتها وفقاً لرؤية كل بلد وتقويمه الوضع الداخلي، وإسرائيل رغم أنها طرف مكروه، فهي عند اللبنانيين مطلوبة أن تنهي قلقهم من حزب الله وقوته في حال أي صدام معها، ومن جانب إسرائيل تتمنى حرباً أهلية تستنزف إيران وحزب الله معاً، وتبقى الأطراف المسيحية والإسلامية والسنّية والدروز في وضع يجبرهم إما التحالف، أو التشرذم، وسوريا تعرف أن ميزان قوتها أكبر، ولذلك فخلق فوضى جديدة بجارتها الصغيرة يضع الغرب في خوف من تكرار الحرب الأهلية وخاصة فرنسا، لكن ربما ينقلب السحر على الساحر، فتكون بيروت قاعدة تمويل وتموين للمعارضة السورية بتعهد عربي ودولي، وهنا قد تضيع كل الحسابات، لكن لبنان يبقى بؤرة تصادم دولي في أي لحظة أو ساعة..