"أين تذهب العمالة بعد نهاية عملهم في الدوائر الحكومية؟".. الإجابة على هذا السؤال تحمل أكثر من سيناريو قد يكون أقربها يصادفنا في حياتنا اليومية، وتحديداً في مواقف سيارات الأسواق التجارية والمتنزهات، عندما يداهمك العمّال حين تقف بسيارتك ملّوحين ب"منشفة" و"جركل ماء" فاضت منه رغوة الصابون، فضلاً عن أساليب البحث عن موقف شاغر؛ لاستجداء صاحب السيارة أن يتقاول معه على غسيل السيارة.. أما فئة أخرى من العمالة تجدهم إما يعملون في مقاه أملاً في "بخشيش زبون"، أو في "استراحات"، أو يكملون أعمال بناء تناوب على تنفيذها عمال آخرون.. بينما "يتسّكع" آخرون بين الأسواق والأرصفة؛ لبيع "سيديات" برامج وأفلام حاسوبية، أو بيع خضراوات وفواكه، وسلع أخرى. يقيم على أرض المملكة ما يقارب أربعة ملايين عامل تتنوع أعمالهم بين بناء المنشآت وأعمال الصيانة والنظافة داخل المنشآت الحكومية، ويعيشون داخل مجمعات سكنية قد تفتقد لأبسط مقومات العيش، وبالكاد تستوعبهم؛ مما يضطرهم إلى قضاء بقية أوقات يومهم خارج وقت الدوام بحثاً عن موارد دخل إضافية من خلال استثمار كل فرص العمل المتاحة وغير المتاحة. عمل إضافي وقال "د.مضواح المضواح" -باحث في علم الجريمة والعقوبة- على أن خط سير العمالة الوافدة بعد انتهاء دوامهم في القطاعين الحكومي والخاص يتجه نحو سوق العمل؛ لكي يمارسوا كثيراً من الأعمال لقاء أجر مادي بما يسمى "عمل إضافي" في غير المهن التي قدموا من أجلها، مشيراً إلى أن الأمر الأكثر خطورة هو اتجاه البعض منهم إلى ترويج الممنوعات وصناعة المسكرات وترويجها، داعياً إلى إيجاد نظام دقيق لمراقبة العمالة الوافدة ومنعها من الاحتيال وممارسة أنشطة ممنوعة، كون الإجراءات الحالية لم تحد كثيراً من أعمالهم خارج الدوام على الأقل الخاطئة. وأضاف أن معظم العمالة الوافدة تمكنوا من العمل لساعات طويلة في اليوم قد تزيد على 18 ساعة؛ لعدم وجود ارتباطات أسرية أو اجتماعية لديهم بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية، مبيناً أن قلّة المراقبة الفعالة لتحركات هؤلاء العمال ساهمت في تمكنهم بمواقع عديدة في سوق العمل، فضلاً عن مساهمة بعضهم في نشر الممنوعات، وهو ما انعكس على زيادة معدلات الجريمة، وأضر بترابط المجتمع واستقراره. دور الكفلاء وأشار "أنور عشقي" -رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية- إلى أن العمالة الوافدة أصبحوا يعملون في الأسواق العامة بعد انتهاء أوقات أعمالهم؛ وذلك بسبب عدم وجود ضوابط محكمة تملأ أوقاتهم بما يعود عليهم بالنفع ولا يضر بالآخرين خصوصاً العمالة غير المؤهلة بشكل جيد، مقترحاً وضع برامج تملأ أوقات فراغهم بعد العمل إما ترفيهية، أو إصلاحية، أو عملية، حتى لا يجنح البعض منهم في امتهان أعمال سلبية، مطالباً الكفلاء أن يعوا أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه عمالتهم. ثقافات متنوعة وذكر "د.أحسن طالب" -مختص في الجريمة والانحراف وعميد مركز البحوث في جامعة نايف العربية- أن العمالة الوافدة تحضر إلى المملكة حاملةً ثقافات متنوعة تختلف عن ثقافاتنا، وقضاء وقت الفراغ بالنسبة لهم من متطلبات النشاط اليومي في حياتهم، مشيراً إلى أن الحاصل هو إحضار العمالة حين قدومها إلى مواقع العمل فوراً دون تحضيرهم للمجتمع القادمين إليه من حيث عاداته وتقاليده، والأمور المقترحة له أن يقضي خلالها أوقات فراغه، حتى لا يقع في المحظور، ثم يعتاد عليه، ويعلم لاحقاً أنه مخطئ؛ لأنه غير مدرك لطبيعة المجتمع نفسياً واجتماعياً، مبيناً أن دور الشركات والأفراد الذين يستقطبون العمالة يجب أن لا يقتصر على توفير السكن والطعام، بل يمتد إلى متابعة عمالتهم فيما يعملون خارج مقار الأعمال، أو على الأقل توجيههم التوجيه الأمثل بالحلول؛ حتى لا يقعوا في محاذير الاعتداء على الحرمات أو السرقات. فراغ وغياب الرقيب! وأرجع "د.صالح الرميح" -أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود- الكثافة العمالية في المملكة إلى التنمية وتشييد بُنى ضخمة تحتاج إلى أيدي عاملة، مما جعل المملكة مستقطبة لثقافات عديدة، ولم يكن المجتمع قادراً على استيعابها، مبيناً أن بعض الشركات وفرت لعمالتها أماكن ترفيه، وأخرى اكتفت بسكن يعيشون فيه بأقل الاحتياجات البسيطة؛ مما قد يجعل العامل يعيش حاقداً أو ناقماً على محيطه، وينتابه شعور أنه أتى بمثابة أداء فقط، دون وجود بدائل تخفف من غربته. وأضاف:"بدأت تخف أعداد العمالة الضخمة، وانحصرت في أعمال الصيانة والنظافة، ويؤديها أرخص أنواع العمالة، حيث يسكنون داخل مساكن رديئة، ولم يوضع في الحسبان أهمية الجانب النفسي، حتى ينعكس عليهم إيجاباً أثناء أداء أعمالهم"، منوهاً أن المشكلة تكمن في استقطاب أرخص العمالة الذكورية، وهم عادة يسعون للكسب المادي مقابل امتهان أي مهنة بعد نهاية الدوام، كغسيل السيارات، والعمل في المقاهي، ويستعينون بمن سبقهم في معرفة أماكن فرص العمل الإضافية، ويزاد الأمر سوءاً عندما يبيعون سلعاً مغشوشة مثل معلبات منتهية الصلاحية، ويستخدمون الخداع في بيع "سيديهات" مقلدة، دون أن يتورعوا تجاه أي عمل، مما يجعل مخاطرهم أكبر من منافعهم؛ نتيجة لضعف متابعة الكفلاء. ..وتتغير المهنة بعد الصلوات إلى بائع سواك عند أبواب المساجد عمالة اتخذت من بيع «سيديهات» الأفلام مصدر دخل إضافي «أرشيف الرياض» .. وعمال آخرون فضلّوا غسيل السيارات