يتبخر الوجد من الحب كما تفوح رائحة العود على الجحر ليزيده الإحراق طيباً.. ويتدفق الوله والشوق على العاشق في اليقظة والمنام.. لا يوجد حب من دون وجد ووله وشوق.. والحبيب يتذكر حبيبه في كل الأحوال.. يقول إبراهيم بن المهوي: «لم ينسيك سرور لا ولا حزن وكيف ينسى لعمري وجهك الحسن؟ وما خلا منك قلب لي ولا بدن كلي بكلك مشغول ومرتهن نور تجسم من شمس ومن قمر حتى تكامل منه الروح والبدن و(الوله) مزيج عجيب من الاشتياق والظمأ والحنين لرؤية الحبيب و(متوله به) أي مغرم هائم.. أما الوجد فهو شدة الحب والشوق وثورة الحنين، يقول ابن الدمينة: (ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجد) فهو وجد مضاعف.. كأنّ فؤادي ليس يشفى غليله سوى أن يرى الروحين تمتزجان واقف على بابكم ولهان ومسيّر يومين مروا عليّ سنتين أو أكثر ومن الصعب اخفاء الوجد والوله.. فالحب والحمل لا يمكن أخفاؤهما.. يقول إبراهيم ناجي صاحب الأطلال: (وكيف أخفي اشتياقي ما بيننا ليس يخفى) ومن رائعته (الأطلال): (يا حبيباً زرت يوماً أيكه طائر الشوق أغني ألمي لك إبطاء المدل المنعم وتجني القادر المحتكم وحنيني لك يكوي أضلعي الثواني جمرات في دمي) ويقول (عيسى بن راشد) في شعر شدا به أكثر من مطرب، لأنه شعر صادق صادر من القلب، ولأنه واضح كالعاطفة الظاهرة: «واقف على بابكم ولهان ومسيّر أسأل عن اللي سأل محبوبي لصغيّر يومين مروا علي سنتين لو أكثر ما قدرت يا منيتي عن شوفتك أصبر هذا النصيب انكتب أحب أنا صغينون يحبني لكن هله يخاف لا يدرون فضحتني يا هوي.. تالي كشفت الراس محدن درى بعلتي.. والحين كل الناس خليتني يا هوى أوقف على البيبان من حرّتن بالحشا، ومن كثرة الأشجان» والوجد يكثر التعبير عنه في شعرنا الشعبي بصيغة (يا وجودي) و(ياتل قلبي) وهي كثيرة في شعر ابن سبيل.. وقريب منها (يا جر قلبي) وكلها كنايات عن شدة الاشتياق وقوة الوجد والاحتراق، قالت امرأة نجدية تحب فارساً عظيماً: (يا جرّ قلبي من علاويه ينجرْ ودموع عيني سيلت كل وادي على عشير يمّه الشرق حدّر يا ناس، حبه بالغ في فؤادي ياليت من رادفه يوم ثوَّر ولوى على كفّه عنان الجواد) كما يعبرون عن الوله والوجد والشوق بالآهات والانين، قال عبدالله بن عبدالرحمن بن سعيد من أهل (ملهم): «ألا يا ونتي ونة غريب قليل المال ودياره بعيده عليل عجز عن داه الطبيب تحيّر ما لقى طبّ يفيده نحيف الحال من كثر النحيب يجر الصوت والونّة تزيده على اللي سل حالي ما درى بي تفرّض له وهيضت النشيده كما بدر الدجي عند المغيب غشاني نور خدينه وجيده شعره أشقر عكاريش لبيب علي عنق كما عنق الفريده هنوف ما لها خصر رغيب كغصن الموز.. مغرور عنيده»! ويقول حمد المغلوث من الأحساء: (يا حمد يا عشيري آه وا ونة لي من هوى جودل بالسوق يسحب ثيابه آه وا ويلاه من خده سوى السجلِّ أو كما بارقٍ يوضي برايح سحابه طير يا اللي على صفق الهوى ما يمل خذ جوابي لخلّي ثم عطني جوابه مقعده في الحسا مهوب صيده جفالي مير يتنى عميل له يخيط ثيابه ارفع الصوت واثر صويحبي ما فطن لي كامل الزين خلي طاغي في شبابه»