اشتقت لك يا فرحة العمر وين آنت يا اللي عيوني منك ينبع ضياها إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا إذا طال فراق الأحباب توهّج الشوق في الأعماق فكأنه النار المتوهجة في جزل الحطب تحرق أعصاب المشتاق وتسرق راحته ونومه وتهيّج مشاعره وتكاد تمزقه تمزيقاً وتفرقه تفريقاً كما قال الشاعر القديم: «أيها الراكب الميمم أرضي أقر من بعضي السلام لبعضي إن جسمي كما تراه بأرض وفؤادي ومالكيه بأرض» وحرارة الشوق تزداد مع رداد الذكريات وتصور وجوه الغائبين من الأحباب والأهل والزوجة والأولاد، فقد يظن المشوق لهم أن تصورهم وتذكرهم يخفف لواعجه بينما هو يزيدها ضراماً كما قال محمد بن داود: «فلا تطف نار الشوق بالشوق طالباً سلوا فإن الجمر يسعر بالجمر» ومع أن الشوق يضطرم مع طول الفراق إلا انه يزداد تحرقاً إذا دنا السفر.. وفي الطريق إلى الأحباب: «وأكثر ما يكون الشوق يوماً إذا دنت الديار من الديار» كما يقول الموصلي.. ويطول الطريق على المشتاق: «أقول لصاحبي بأرض نجدٍ وجدّ مسيرنا ودنا الطريق أرى قلبي سينقطع اشتياقاً وأتواقاً وما انقطع الطريق» كذلك حين يقترب موعد لقاء الحبيب فإن الشوق يذوب في الجوانح محدثاً اضطراباً في الوجدان وخفقاناً في القلب يقول الهادي آدم في شعر صدحت به أم كلثوم: «أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غد يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد آه كم أخشى غدي هذا وارجوه اقترابا كنت استدنيه لكن هبته لما أهاب وأهلّت فرحة العمر به حين استجابا هكذا احتمل العمر نعيماً وعذاباً مُهجة حرى وقلباً مسه الشوق فذابا» ولأحمد شوقي «ردت الروح على المضنى معك أحسن الأيام يوم أرجعك مر من بعدك ما روعني أترى يا حلو بعدي روَّعك؟ كم شكوت البين بالليل إلى مطلع الفجر عسى أن يطلعك وبعثت الشوق في ريح الصبا فشكا الحرقة مما استودعك يا نعيمي وعذابي في الهوى بعذولي في الهوى ما جمعك؟! موقعي عندك لا أعلمه آه لو تعلم عندي موقعك» كما أن مسرح الحب ومكان اللقاء إذا رآه العاشق وحيداً وتذكر ما مرّ به من نعيم وانتفض المكان يعيد ما كان غضاً ندياً.. يثير لواعج الشوق: «إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا وللنسيم اعتلال في أصائله كأنما رقَّ لي فاعتلّ إشفاقا والروض عن مائه الفضي مبتسم كما شققت عن اللَّبات أطواقا يوم كأيام لذات لنا انصرمت بتنا لها حين نام الدهر سراقا نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال أعناقا كأن أعينه إذ عاينت أرقي بكت لما بي فجال الدمع رقراقا كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا إليك لما يعد عنها الصدر أن ضاقا يا علقي الأخطر الأسنى الحبيب إلى نفسي إذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا كان التجاري بمحض الود من زمن ميدان أنس جرينا فيه اطلاقاً فالآن أحمد ما كنا لعهدكم سلوتم وبقينا نحن عشاقا» إحدى روائع ابن زيدون في ولاَّدة بنت المستكفي وكانت ملكة جمال الأندلس! والشوق يجعل المحب يسير خلف محبوبه.. أنى يسير.. يقول المرحوم الأمير عبدالله الفيصل: «اشتقت لك يا فرحة العمر وين أنت يا اللي عيوني منك ينبع ضياها لولاك يا الغالي بدنياي ما كنت أشفق على أيامي تطاول مداها رجلي تيامن غصب كانك تيامنت وان خذت باليسرى تياسر خطاها كلن بعينه زين وليا بنت الكل زهق بخلقته ما بغاها لو فات لك بالعمر تسعين ما شنت في عين نفس علقت بك رجاها سرقتني مثل الكرى لا تمكنت من مهجة ما قبلك أحد غشاها» ويجور الشوق في الليل والوحدة والتمني والتذكارات: «الليل والذكرى وطيفك مراسيل حروفها من جابر الشوق والنوح سجّلتها بالدمع والحزن والويل في خوفه جوفه من السعد مجروح الليل كان يجود لي بالمواصيل في ساعة عنا نحا كل مشفوح واسعد بوصل ينعش الروح بالحيل في غفلة احزاني من الروح للروح واليوم ليلى صارهم وغرابيل عني توارت كل بسمات وفروح وذكرى هناك اليوم عندي مواويل من شوقه الخفاق تسعده وتروح» خالد السبيعي