الحب الصادق الشريف من أرقى العواطف البشرية وأبقاها وهو إذا أصاب شاعراً جرى في أبيات شعره جريان الكهرباء في الأسلاك، وسرى في صوره ومعانيه كما يسري الماء في عروق الشجر حاملاً الحياة والنماء .الشاعر الصادق في حبه شعره حي ينبض بالوجد.. ويختلف شعر الغزل اختلاف الزهور في الرياض الخضراء، فمن رقيق أنيق إلى جزل عميق، ومن شقي حزين، إلى متفائل جميل، وقد يجري مجرى الحكاية كما نجد عند عمر بن أبي ربيعة ومحسن الهزاني في كثير من قصائدهما، وقد أكرمهما الله بتوبة نصوح. ومهما اختلفت ألوان الزهور في شعر الغزل فإنها تتفق فيما يفوح منها من عطور، تلك العطور التي تنم عن شخصية العاشق، ومدى تجاربه، وأبعاد عواطفه، وآماد موهبته الشعرية. يقول مجنون ليلى أو ابن الدمينة: سقى الله (نجداً) والمقيم بأرضها سحاب غواد خاليات من الرعد إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى على غصن بان أو غصون من الرند بكيت كما يبكي الوليد ولم أكن جلوداً، وأبديت الذي ما به أبدي وقد زعموا ان المحب إذا دنا يمل وان البعد يشفي من الوجد بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على ان قرب الدار خير من البعد على ان قرب الدار ليس بنافع إذا كان من تهواه ليس بذي ود ويقول كثيّر عزة: نظرت إليها نظرة فتحيرت دقائق فكري في بديع صفاتها ولمحمد بن بكار: عذلاني على هواه فلما أبصرا حسن وجهه عذراني ومن شعر الحب الرقيق قول البهاء زهير: لو تراني وحبيبي عندما فر مثل الظبي من بين يدي ومضى يعدو وأعدو خلفه وترانا قد طوينا الأرض طي قال: ما ترجع عني؟ قلت: لا! قال: ما تطلب مني؟ قلت: شي! فانثنى يحمر مني خجلاً وثناه التيه عني لا إلي كدت بين الناس ان ألثمه آه لو افعل ما كان علي! وقول محسن الهزاني يتغزل في فتاتين أحبهما دفعة واحدة! (بالجملة): يا بكرتين ناطحني ضوايع عفر سهاويات جذع قرايع والله يا من شدهن بلايدين ما اداهن الا له العقل ضايع ذولي يبوقهن اللي ما بعد باق ويسرقهن اللي كان ما هو بسراق يوم استمرن في حلي المماشي قامت له العفرا الطويله تراجع وقفت له الأخرى وردت له الراس وهذيك جتها كنها ظبي الاطعاس يتعبثن من الهوى عدم الأجناس وحطن في قلبي طعون فنايع سمر الجدايل بكرتين فتاتين ما هقوتي خلن شي من الزين ليلة لهن في مفرق السوق وافيت أصبحت قلبي من حواشيه ضايع بياعهن يبشر له الخسر مضمون واللي يبي الاطماع فهن المطامع! نعم أنا مشتاق وعندي لوعة، ولكن مثلي لا يذاع له سر (أبو فراس الحمداني) وفي حبه الصادق، يستوحي الشاعر مساعد بن محمد الدويس مواقف محسن الهزاني وعواطف نمر بن عدوان فيقول: على ما يشقا روحي على ما تزيد النار في قلبي على ما؟ وش اللي غير دروب المحبه يخوفي واشي زاد الكلاما انا شفت من الغواني ما كفاني ولا شفنا بمثيله من قواما انا ما همني هرج الوشايه لانه سيدي سيد الكراما كتبت بطرق لمحيسن وونى بقبره غافى هو والاناما (وهزاني) جرحه الحب قبلي تولع في (هيا) وما هو حراما ونمر بن عدوان في تالي حياته تربع بالهوى وارخى اللثاما ومن شعر الحب العميق قول جميل بثينة: الا ليتنا نحيا جميعاً وان نمت يتجاور في الموتى ضريحي ضريحها أظل نهاري مستهاماً ويلتقي مع الليل روحي في المنام وروحها فهل لي في كتمان حبي راحة وهل تنفعني بوحة لو أبوحها؟ قلت: كان مصعب بن الزبير أمير العراق، وكان وسيماً كأوسم ما يكون الرجال، فيقول جميل بن معمر: ما رأيت مصعباً يختال في البلاط إلا غرت على بثينة وبينهما ألف ميل!! وهذا من عمق حبه لبثينة، فالغيرة هي دخان الحب ودليله.. وجميل مع عمق حبه ذو خيال يرتجف!