في روعة الشعور، وفي لذة الحب تأتي لحظة الإبداع الشعري.. وفي أجمل صور الحضور الوجداني نجد أن هناك من لهم بصمة حقيقية في صناعة المفردة من الشعراء الذين استطاعوا بالفعل أن يصلون إلى ذائقتنا بكل روعتهم وجماليات ما يصورونه لنا.. ولعل الشعر الجميل يبقى جميلاً بكل حالاته، هذا إذا ما تم غناؤه بروح اللحن العذب الذي يتسلل إلى داخلنا بكل روعته ولذته.. لدينا هنا نص شعري بقي منذ ظهوره يعانق أسماعنا بكل روعته وجماله بصوت فنان مبدع لازالت نبرات صوته معنا.. الفنان سلامة العبدالله، رحمه الله، الذي استطاع في فترة غنائه أن يجسد الفن الشعبي الغنائي الحقيقي بأغنيات عذبة.. وشاعرٌ فذ استطاع أن يرسم لنا طريقاً حقيقياً في بناء النص الشعري المبدع.. شاعر عانق بعذوبته ومفرداته بل وقصائده قلوب الكل.. هو من قال: يا حمامه غريبه.. كل صوت تجيبه من سمعها تصيبه.. حسبك الله حمامه الشاعر العذب أحمد الناصرالشايع، الذي طالما أبدع في صياغة النص الشعري وأجاد في سبك المفردات المبدعة لتبقى لنا على مدى سنوات وسنوات وهي تعانق أسماعنا ومازالت حتى وقتنا الحاضر في قمة إبداعها.. في هذا النص أتى شاعرنا بكل أناقة الشاعر لينادي تلك الحمامة في شكلٍ عذب لأن عذوبة الحمامة تكمن في صوتها وتغريدها فيقول يا حمامة غريبة تلك التي تأتي بكل صوتٍ عذب.. وهنا هو يناديها وكأنه يقول من أنتِ أيتها الحمامة وما هذا الصوت الغريب التي تسمعينا اياه.. ثم أنه يريد الوصول إلى اهتمام تلك الحمامة به فهو شاعر اراد تجسيد احساسه لها بروعة الكلمة ودقة المفردة وفي شكلٍ وصفي قل ما نجده عند الشعراء.. ثم يعود بعد هذا البيت ليبدأ رحلة الذكرى والألم ليقول: ذكرتني وليفي.. مير ماني بكيفي ليت حملي خفيفي.. ياحياة الندامه هنا حواره مع نفسه عن تلك الحمامة الذي كان وجودها على ذلك الغصن سبباً في ذكرياته تلك التي فيها عشقه الجميل، وهو في ذات الوقت يعترف بأن هذا الموقف ليس بكيفه ولكنها تلك الحمامة التي تصدر الصوت والتغريد، ثم انه أيضاً يتمنى ب (ليت) أن يكون ما يحمله من ألم وفراق لمحبوبته كان (خفيف) وكل هذا من صوت تلك الحمامة التي ربما كان لصوتها ذكرى لديه مع محبوبته، ليقول في شكلٍ مبدع يا (حياة الندامة) وهنا اجد افصاحا قريبا من الشاعر عن معاناته الذي بدأ يظهر. الشاعر المبدع أحمد الناصر أجاد بكل صدق في صياغة النص الشعري من خلال إنتقاءه الفريد للمفردات القوية والواضحة في نفس الوقت، إضافةً إلى أنه استطاع أن يجعل من نصوصه الشعرية صوراً عذبة برقة المشاعر وروعة الحرف. استطاع في هذا النص أن يصل بنا إلى ذائقة عذبة مع لحنٍ عذبٍ أيضاً لازلنا حتى الآن نردده، وهو يسترسل في النص الشعري ليقول: عقب فرقي عشيري.. مايلجلج نظيري علتي في ضميري.. وين انا والسلامه هنا توجد وآهات أتت من على ضفاف الشوق والحب.. فالشاعر هنا يصف فراق حبيبه له وبعد هذا الفراق جاءت تلك الحمامة لتذكره وتزيد من جراحه، حتى أنه لا يهنأ بالنوم والارتياح وهو بذلك يخاطب الحمامة التي تصدر الصوت والتغريد العذب ليجاوبها ويقول (علتي في ضميري) أي: أنه مصاب بالتعب والألم ثم يقول في حسره وألم بأن لا سلامة له ولا ارتياح من جراء ذلك الصوت الذي ذكره بوليفه. وهنا اجد صورة عذبة تكاد تكون حقيقية مرسومه بفنيات شاعر جعل من المفردات حقيقة ووجدان تلامس قلوبنا وفكرنا وخيالنا. بعد ذلك يأتي ليقول في جزئية أخرى عذبة: ما قدر اقوي فراقه.. عقب ذيك الصداقه صار شوفه شفاقه.. صاحبي وش علامه جايز لي دلاله.. عنه ماني بداله ما تبدل بداله.. لو لحقني ملامه كأن الشاعر هنا يوجه كلامه لتلك الحمامة فيحكي لها بأنه لا يستطيع ذلك الفراق لمحبوبته بعد كل ذلك الولف والصداقة والحب والآهات، ثم أنه في ذات الوقت يقول بأن شوفة الحبيب أصبحت لدية (شفاقة) يعني شوق وتمني ليتساءل في نفس الوقت ويقول: (صاحبي وش علامه) بمعنى لماذا هو يبتعد عني ويهجرني.. ثم يعاود القول في صورة عذبة بأن صاحبه (حبيبه) يتمتع بدلال مع كل هذا الهجر والصد وبالرغم من كل هذا فأنا لن (أسلا) من غيره أي لن أكون على أحسن حال في غيابه ويؤكد الشاعر أيضاً أنه لن يتنازل عنه أبداً حتى لو قابله لوم من الناس أو من أي أحد وهنا افصاح تام عن مدى جبه وهيامه ووفاءه. وعلى أن الشاعر العذب عُرف بانتقائه الجميل للمفردات في قصائده، إلا أنه استطاع أن يضعنا في صور عذبه تواكب تطلعاتنا القرائية لهكذا شعر، ولذلك فهو هنا يجعلنا في صورة عذبة ليقول في إبداع كتاب: طبع مضنون عيني.. بس بينه وبيني لا هرج كلمتيني.. حط معه ابتسامه راعي الحب مثلي.. في هوى الزين مبلي عنه ماعاد يسلي.. لين يلحق مرامه بالنظر إلى هذه الصورة الفريدة في الوصف، نجد أن الشاعر يملك أدوات إبداعية فريدة وهذا بالطبع لا يختلف عليه اثنان، فصورة كهذه الصورة قل ما نجدها إطلاقاً، وصف بديع وجميل للمحبوبة إذ أنه يقول إن لها (طبع) أي عادة وهي أنها عندما تتحدث اليه تبتسم له فصورة الحديث الشفاف الممزوج بالعشق والهيام عندما تخالطه الإبتسامه تجعل من الموقف شيئاً عذباً يدخل إلى القلب والوجدان وهنا اراد الشاعر وصف ذلك الموقف لأنه في ذاته ربما عاش الموقف ثم يضرب المثل على نفسه ليقول إن (راعي) أي صاحب الحب مثله لابد أن يكون مشغولا في هيامه وحبه للزين أي الجميل وهذه حقيقه اوردها الشاعر هنا ثم انه لن يستطيع أن يصبر عن ذلك الحب والهيام. وشاعرنا عُرف عنه عدم إطالته في قصائدة الوجدانية والوصفية العذبة وهذا ما جعله يبدع اكثر فهو بعد كل ما حدث من تلك الحمامة له يختتم بقوله: شوف خلي تجاره.. وابتعاده خسارة صاحبي به اشاره.. حول شذرات زمامه راعي العود خله.. يظهر الصوت كله ضامري فيه عله.. خافيه ياسلامه حسبي الله علي اللي.. حال من دون خلي يوم فرقاه مسا لي.. مثل يوم القيامة في هذه الجزئية الجميلة يختتم شاعرنا العذب نصه المبدع وهو يجسد أهمية النظرة إلى تلك الحبيبة التي كتب لها وهام بها وسهر الليل من اجلها وتوجده عليها وعتابه لها بكل مافي الهيام من آهات جعلته يسقط على أحرفه فكره ومفرداته التي بها جعل للحن صوتا عذبا وحزينا أسمعنا وأطربنا به الفنان سلامة العبدالله رحمه الله. وبعد كانت تلك أحد نصوص الصور العذبة التي سمعناها ومازلنا نتلذذ بسماعها أو ترديدها بين الحين والآخر.