-1-لم أكن أعد السنين التي عبرتني، ولم أكن أشعر بالخوف، ولم أشتك الفقدان، فكل شيء كان قريباً مني حد التملك، لم يكن ينقصني شيء، شعرت بداخلي بالامتلاء، ولم تكن الطرق التي أمامي مجهولة أو غامضة، ولم تتقيد كلماتي بالقيود، حتى الدمعة التي رافقتني منذ صغري، وجدتها تبتعد عني بهدوء حتى تختفي... كل ذلك شعرت به حين كانت بجانبي ... -2- يا لله يا إلهي القوي يا رحيم، كل ذلك حين كانت معي، وكل ذلك كان وهماً عشته ولم أكن احسبه، حين رأيت وجهها الحقيقي، كنت مخدوعاً بها حتى الصدق، وكنت بالفعل اجهل نفسي، فنفسي قد قدت من بياض، ونفسها قدت من ظلام ،ذلك ما عرفته، وذلك هو اختلافنا!... -3- لم أكن في يوم من الأيام في حياتها عابر سبيل، كنت مسكوناً بها، كانت هي وطني، حين كان الأقربون لي غرباء في عالمي، كنت بها أستدل بها، وكان هي شيء مهماً في حياتي، تتبتر حياتي بدونها.. وبعد كل هذا... وجدتها كذبة عشتها في حياتي سنين طويلة، تصورتها شوقاً وحنيناً، كنت أصدق حتى كذبها الواضح، كنت أرى كذبها دلالاً، وكانت تصدق كذبتها حين ترى صدقي لها، ولكي أصدق أنها كاذبة، كان علي أن أكذب الصدق، وأصدق الكذب !.. -4- يجتاح نفسي القهر، ويعذبني الندم على ما فات، فكيف لي بعد هذا العمر أعرف أنها كاذبة؟!... فلو عدت للماضي، لو عشته مرة أخرى، فسأخرج منه، وأقول إنها لم تكذب قط !... وكذبت علي.. كذبت في وجودها، وفي بسمته، وفي ضحكتها، حتى في شكواها كذبت علي.. -5- لقد كذبت في كل ما قالته، حتى أنها كذبت في صدقها!... كنت كما غيري أشعر بألم حين يكذب من معه أكون صادقاً، وكنت صادقاً معها بكل شيء، حتى إنني أكذب نفسي وأوصفها بالجهالة حين تقول لي " لا أعتقد"!... يقولون "إن حبل الكذب قصير" ولكن حبل كذبها كان طويلاً ، فأنا من يجدل خيوط الحبل !... وأفقت.. بعدما طارت حمامتي في سماء البعد، أفقت لأجد أن لدي ماضياً ثقيلاً من الكذب، أفقت بعدما ملت من سماعي لكذبها.. ورحلت لتبحث عن مستمع آخر لكذبات قادمة!... (6) كلما تذكرت عمري الذي رحل معها، عضضت على أناملي قهراً !...