تثبت الأحداث الجارية في سورية منذ مدة غير قصيرة أن رابطة العروبة من أبرز ما يقيل أوطاننا من عثراتها. ومن حسن حظ الدول العربية جميعا ان يكون لكل وطن صغيرا كان أو كبيرا من أوطاننا ركيزة ثابتة من العروبة الجامعة. وهنا لابد من تذكّر الدور الخاص الذي لعبته مصر والسعودية في انشاء جامعة الدول العربية. والواقع ان لبنان ايضا كانت له مساهمته في تحقيق هذا الانجاز وتمثل بصورة خاصة بالجهد الكبير والفاعل الذي بذله المغفور له تقي الدين الصلح الذي كان وقتئذ سفيرا للبنان في القاهرة. إن المسيحيين العرب سواء في لبنان او غيره من البلاد العربية كانوا على مر الزمن منفتحين على الاسلام بل ومفتخرين به. ولا ننسى ان السياسي الوطني المصري الشهير مكرم عبيد كان يقول انني مسيحي ديناً ومسلم وطناً. وهي عبارة يسلّم بها لا أقباط مصر بل اكثرية العرب على الاطلاق ولاننسى ان لبنان ليس متطفلا في هذا المجال فقد لعب من قديم الزمن دورا نهضويا في تاريخ الامة العربية وليس في تاريخه فقط بالدعوة الى العروبة والى الوحدة منذ العهد العثماني. فبعض الذين تحركوا آنذاك تحت راية الاستقلال والعروبة الجامعة كانوا من اللبنانيين الغيارى والافذاذ منهم من علّقه الحكم التركي العثماني على المشانق، ومنهم من بقي ناشطا حتى آخر يوم من حياته تحت راية الاستقلال والعروبة، ويا لها من ثنائية خلاقة عاشهما لبنان منذ ذلك الوقت ومايزال يعيشهما حتى الان. إنه التنوع داخل الوحدة ، كان اللبنانيون دائما في مقدمة المتحمسين له وبشروا به في وطنهم الصغير وفي المغتربات على حد سواء بل في سائر الاقطار العربية والاجنبية. ولعل ما من قلةٍ خدمت كثرة فأفادت واستفادت كما فعل اللبنانيون بدعوتهم المبكرة للوحدة العربية المتعددة. وقد أثبتت الايام ان التعددية البناءة كانت الطريق الأسلم والأفعل للتخلص من الحكم التركي ثم الغربي فيما بعد، بل إنها كانت ايضا بمثابة فلسفة الدعوة القديمة والدائمة لوحدة الامة العربية وتقدمها. ومن الناحية العلمية ما كان ممكناً ان تسير الكثرة من الامة العربية في المواجهة للدولة العثمانية اذا هي لم تنفتح على الاسلام ايضا وهو دين الاكثرية من العرب. بل إن المسيحي العربي كالمسلم معتز بأنه يفخر بالاسلام بصفته دين الاكثرية من العرب. إن المسيحيين العرب سواء في لبنان او غيره من البلاد العربية كانوا على مر الزمن منفتحين على الاسلام بل ومفتخرين به. ولا ننسى ان السياسي الوطني المصري الشهير مكرم عبيد كان يقول انني مسيحي ديناً ومسلم وطناً. وهي عبارة يسلّم بها لا أقباط مصر بل اكثرية العرب على الاطلاق. ففي العراق وفلسطين وسورية وكل البلاد الناطقة بالضاد مسيحيون يؤمنون بل يعيشون هذا النوع من التعاطي والانفتاح على الاسلام والمسلمين. هذا ولا يجوز ان ينسى احد أن اقباط مصر ومسيحيي سورية ولبنان وفلسطين وغيرهم من المتحمسين ضد كل انغلاق عن المسلمين العرب بل ان غالبيتهم من دعاة عدم الانغلاق عن المسلمين حيثما كانوا. ورحم الله الشاعر اللبناني نقولا فياض الذي كان يؤمن ان الرابطة الشرقية بين المسيحي العربي، والمسلم اقوى من كل رابطة، فهو القائل: الشرق شرقي أين صارت شمسه ودم العروبة في دمي وعظامي سجلت في متنيْه نصرانيتي وكتبتُ فوق سطوره إسلامي وحسب العروبة شرفا انها وحدت المنطقة العربية ضد كل مستعمر سواء أكان المستعمر تركياً مسلماً ام مسيحياً غربياً. وهذه الروح هي محققة النصر ضد كل طامع بالارض العربية سواء أكان يهوديا اسرائيليا ام مسيحيا اوروبيا غربيا. ولعل الاستعمار الغربي لم ينفضح أمره كما انفضح في هذه المنطقة العربية من العالم عندما اتفق الاستعمار مع الصهيونية ضد فلسطين العربية المسلمة - المسيحية. وها هي اسرائيل تواصل عدوانها حتى الان على غزة من دون رادع, وقد يكون صحيحا ان الاستعمار والصهيونية كثيرا ما كانا ينسقان معا في معاركهما ضد اعدائهما ولكن ما نراه اليوم من وحدة الحال بينهما ضد القضية الفلسطينية بل ضد المصالح العربية عامة لم يكن دائما بالوضوح والشراسة اللذين يمارسانها معا ضد الفلسطينيين. وأحداث غزة الاخيرة خير شاهد، خصوصا وان مصر المتضررة مباشرة بهذا العداء الفاجر كانت احيانا موضع مراعاة سياسية على الاقل. اننا كالكثيرين من العرب اليوم مجمعون على اننا امام وضعية جديدة نسميها الحلف الرسمي والصريح المعلن بين الصهيونية والاستعمار، هذا في الوقت الذي يقال فيه عالميا ان الاستعمار أصبح شيئا من الماضي، وان البلاد التي كانت تمارسه باعتزاز كفرنسا وبريطانيا وايطاليا لا تأتي على ذكره لا من قريب ولا من بعيد. فهل حلف الصهيونية والاستعمار مؤسسة سوف تظل ذات شرعية ما دامت هي تعمل لمصلحة اسرائيل وضد فلسطين والامة العربية وربما ايضا ضد مسلمي العالم.؟ والعجيب أن كلمة صهيونية تكاد تكون منقرضة في كل مكان في العالم وإذ بالمستعمرين في البلدان الغربية وخاصة الانجلوساكسونية يحيونها من جديد. أما العراق هذا الوطن العربي الذي منذ ايام الملك فيصل أحد أهم الاقطار العربية والذي لا يزال الكثيرون ينظرون اليه على أنه حجر الزاوية في نهضة العرب، فإن شعراءه الافذاذ يكادون ينظمون المراثي وهم يراقبون أوضاعه. أيا صاحبي أين وجه العراق وكيف عن وصفٍ لعيني غدا أسَدّوا مسارب ليل العراق أم صبغوا فجره أسودا كأن الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري يعبر منذ ذلك الزمن البعيد عن حدسه بأن هناك من بين الدول الكبرى في العالم من يعتقد ان العراق بثرواته وامكاناته المادية ومذاهب أبنائه يشكل ظاهرة تنافسية مع سادة الغرب، فإما أن يتدجن ويخضع لارادة الدول الكبرى راضياً بامتيازاتها او يبقى مصراً على سيادة متفلتة مزعجة للغرب صاحب الارض وما تحتها وما فوقها فتؤخذ منه بالقوة. فليس مالك الملك هو صاحبه بل هو المستعمر للأرض.!! وها هو العراق لايزال يئن رغم انسحاب القوات الاميركية منه، ويئن ايضا رغم جرعة المعنويات العربية التي نالها بانعقاد مؤتمر القمة في عاصمته بغداد..