إذا كان الفرنسي الكبير غوستاف لوبون قد قال عبارته الشهيرة: ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب فهو قد قالها في الوقت الذي كانت فرنسا تمارس أبشع أنواع الاستعمار للشعوب الاخرى. اما حكم العرب في الاندلس فهو بشهادة كل المؤرخين بدءاً بالأسبانيين صفحة ناصعة للامة العربية وللإسلام.. لعل الظالم أسقى بممارسة الظلم من متلقيه، فللعدالة حساباتها الأدق من أن تدركها النفوس غير المنارة بأضواء الحق... وحدهم الأنقياء الحقيقيون يرون جوهر الحقائق ولو كانت مغطاة بنقائص البشر من كل لون وجنس. صدقتَ يا رسول الله أولاً وآخراً في كل ما أوصيت به، وقد أوصيت بأن انصرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فرفعت عنه سقطة ممارسة الظلم ولكن كيف لي أن أنصره ظالماً وقد طلبت مني ذلك أيضاً فجاءه الجواب: تأخذ بيده فترده عن ممارسة الظلم فالظالم والمظلوم غير المباليين برفع الظلم عن نفسيهما، كلاهما غريق. صدقتً يا رسول الله في كل ما أوصيت به ولكن كيف تراني أن أفهم وأنا القاصر دعوتك لي غير المشروطة بأن انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، أفليست هذه دعوة للانسان المسلم الى القبول بقيم الجاهلية حيث للقوي أن يفعل ما يشاء. فما كان من الرسول إلا الاجابة شارحاً بأن مساعدة الظالم هي بالامساك بيده ومنعه عن ممارسة الظلم أما المظلوم فيرفع الظلم عنه. وفي الحالتين لا مشروعية للظلم. مقاربتان أشبه ما تكونان متوحدتين منهما بأي شيء آخر فالمظلوم يفهم أن جانب الحق في قضيته هو الذي ضمن له الكسب في النهاية، والظالم يفهم أن ممارسة الظلم تجارة خاسرة وملبسة العار لصاحبها. رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي القائل: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا من المفارقات المشرفة في حياة العرب اليوم مشهد الصمود الغزاوي في فلسطين حيث يقوم الشعب هناك على الحدود الجنوبية القصوى بتمسك بطولي بآخر حبة تراب على أرض فلسطين المقدسة في الوقت الذي كان يُشاع أن عائلات المدينة الحدودية مع مصر هي الخاصرة الرخوة التي كان حلف الصهيونية والاستعمار البريطاني يضرب عليها كي يفتت آخر ذرة من ظواهر المقاومة عند الفلسطينيين فإذا كان جدار مصر أقوى الأقطار العربية لم يؤمن المناعة للوجود الشعبي الفلسطيني فأي شيء يمكن أن يوفر المعجزة المطلوبة؟ وأي سم قاتل لروح المقاومة في وجه المحتل الصهيوني يكون قد دخل الجسم الفلسطيني إذا كان جدار القطر العربي الأقوى أي مصر لم ينفع فلسطين في وجه الطمع الصهيوني بها؟ لقد تراكمت الأدلة بمرور الأيام والسنين على أن لا بديل عن إعادة الروح الى الجسم الشعبي الفلسطيني على أرض وطنها المقدس. من المؤلم أن يكون بين العرب بل بين الفلسطينيين أكثرية تعطي أهمية لكل جانب من جوانب القضية الفلسطينية ما عدا السهر على إحياء الروح داخل العمل الفلسطيني والنضال الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية. هناك مع الأسف شعلة وجود للروح الفلسطينية يجب أن تعود للاشتعال على ساحة النضال الفلسطيني والعمل الفلسطيني والتكوين السياسي الفلسطيني؛ فالقضية الفلسطينية أهم من أن تعتبر واحدة من قضايا الأمة العربية الكثيرة فشعلة الروح للقضية الفلسطينية هي الأكثر ضرورة بين كل الضرورات الفلسطينية الأخرى، وربما ايضا الكثير من القضايا العربية. إن كل حديث عن وجود القضية الفلسطينية لا ينطلق ولا يطمح إلى استحضار روحٍ حية للعمل الفلسطيني يبقى محدود الاطار والجاذبية والأثر. في فترة من الفترات كانت عمامة الحاج أمين الحسيني توحي بأنها هي رمز وجود هذه الروح، ومع المجاهد العسكري فوزي القاوقجي كان هناك إيحاء بوجود هذه الروح. أما ما بعد ذلك فقد خبت الروح في كلّ من النضال المسلح، والعمل المؤسساتي الفلسطيني. فهل هذا يعني أننا سلّمنا نهائيا بسقوط رمزية العمل لاستعادة أرض فلسطين بعدما نجحت إسرائيل في رفع العلم الصهيوني عليها؟ وهل منا من نسي أن إسلام المسلم العربي يمنعه من أن يسلّم بصهينة أرض فلسطين، كما أن مسيحية المسيحي العربي تمنعه هو الآخر من التسليم بالصهينة للأرض الفلسطينية المقدسة؟ إن النضال من أجل الحفاظ على عروبة فلسطين واجب على المسلم العربي وغير العربي كما هو واجب على المسيحي العربي، بل وغير العربي بل على كل نصير للحق لأي جبهة أو دين انتمى. إن على المسلم العربي وغير العربي، كما على المسيحي العربي وغير العربي واجباً إنسانياً يفرض نفسه وهو مقاومة الصهيونية في كل مكان في العالم، وإلا فإن خطر التحالف الغربي - الصهيوني سيدفع ثمنه المسلم والمسيحي حيثما كانا، بل يدفع ثمنه اليهودي غير المتصهين نفسه.. والمعروف أن روح الحرية الحقة تكون في كل مكان عندما تكون صادقة مع نفسها في أي مكان. إن كثيراً من القضايا الحية فرضت نفسها في العالم لمجرد كونها محقة، أما قضية فلسطين وهي كبرى قضايا الحق في العالم فالمناصرة لها في العالم لم تجد إجماعاً عليها في القارات المختلفة. فلا فلسطين ولا العروبة تحظيان بتأييد عالمي لهما رغم وضوح جانب الحق في كليهما. فهل هناك إجماع دولي على أنهما بالفعل أهم قضايا الحق في هذا العصر؟ ومن هنا حلف الصهيونية والاستعمار. محاصرة الظلم قبل وقوعه وليس معاقبته بعد حصوله فقط ذلك ما دعا إليه الرسول العربي، فالرواية التاريخية تقول: إنه ما من نبي عانى من بني قومه ما عاناه الرسول محمد بن عبدالله من أسرته قريش وكأنها جعلت من الكفر رسالة تتبرأ بها من كل ما كان يجسده من قول وعمل تحت راية الاسلام. مواجهة الظالم القوي ونصرة المظلوم لمجرد أنه مظلوم دعوتان التزم بهما فرسان العرب حتى في الجاهلية وما أعظم ذلك الجواب الذي أجاب به الرسول ذلك الاعرابي الذي جاء يعاتبه في قوله الشهير: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. لم يذهب الاسلام الى حد تبني مقولة السيد المسيح: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم ولكنه أوصى المؤمن بالدفع بالتي هي أحسن في قوله: ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وإذا كان الفرنسي الكبير غوستاف لوبون قد قال عبارته الشهيرة: ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب فهو قد قالها في الوقت الذي كانت فرنسا تمارس أبشع أنواع الاستعمار للشعوب الاخرى. اما حكم العرب في الاندلس فهو بشهادة كل المؤرخين بدءاً بالأسبانيين صفحة ناصعة للامة العربية وللإسلام..