نظم كرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ المدينةالمنورة محاضرة بعنوان «لمحات عن مصادر تاريخ المدينةالمنورة» للأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة الذي استهل محاضرته بالقول إن مصادر تاريخها ينقسم إلى أربعة أقسام هي: ما كتب باللغة العربية من قبل أبنائها ، وما كتب باللغة العربية من غير أبنائها ، وما كتبه المسلمون باللغات الأخرى كالتركية والفارسية والأُردية، وما كتبه الغربيون باللغات الغربية , لافتا إلى أن الموقف من هذه المصادر ليس موقفا لأن الباحث في علم التاريخ هدفه إبراز الحقيقة، وقد عرفت من أهل المغرب من ألفوا في تاريخ المدينة لكنهم عادوا دراساتهم إلى ما كتبه أبناء المنطقة لأن الشهادة التاريخية هي أولى المصادر التي يعتمدها الباحث. وحول ما كتب باللغات الأجنبية قال الهيلة: إن ما وجدته بعد سنوات طويلة من البحث والمتابعة هو أنه من الممكن أن نأخذ كل شيء عن الغرب إلا ديننا أولاً ثم تاريخنا وآدابنا، وما كتبه الغربيون عن تاريخ المدينة أمر يندى له جبين الحرية والصدق، لأن أغلب من كتبوا هم مرسلون من قبل ملوكهم أو كنائسهم أو من نسائهم أيضاً؛ وما كتب من نصوص تاريخية غربية عن المدينة لا يستخرج منه إلا القليل من الفائدة في علم التاريخ. وأكد الهيلة أن الوعي التاريخي هو منطلق الوعي الحضاري، والمدينة هي المنطلق الفكري التاريخي عند المسلمين، فهم الذين شرعوا في كتابة التاريخ بينما بقي العالم الغربي منكراً للتاريخ كعلم حتى القرن الحادي عشر الميلادي، بل استعملوا التاريخ لإذكاء الحروب والاستعمار والاستيلاء، والتاريخ ليس تقديم قصة أو مجد بل هو درس للوصول إلى المجد والعزة، ويكفي أني وجدت خاصية في تاريخ المدينةالمنورة لم توجد في غيرها وهي كثرة العائلات المؤرخة، حيث رصدت أكثر من 15 عائلة متخصصة في تاريخ المدينة، كالزبيريين، والمطريين، والزرنديين، والسمهوديين، وبنو فرحون وغيرهم، فمثل هذه العائلات توالت من عصر إلى عصر لكتابة تاريخ المدينة النبوية، مما أسهم في ظهور مدرسة تاريخية في المدينة شملت أغلب ما يمكن أن يسلكه المؤرخ الصادق المتين في علم التاريخ، وعلى الشباب أن يستمروا في تطوير القواعد والمناهج التي أسسها أسلافهم في مصادر تاريخ المدنية المنورة بدءاً بالسيرة النبوية. وأشار الأستاذ الدكتور الهيلة إلى أنه لا توجد مدينة إسلامية حظيت بالاهتمام والاعتناء التاريخي مثل المدينةالمنورة، بل هي بحسب الإحصاء أكثر من مكة، ومن ذلك العناية بالمسجد النبوي، مما أسهم في الحفاظ على دراسة تاريخ ومجتمع المدينة، كما أسهمت في ذلك كتب الزيارة والأنساب والإعلام والرحلات، أما الوثائق فلم يهتم بها في العالم الإسلامي، والوثائق عموماً سلاح ذو حدين، فيها من القوة وفيها من الكذب الذي لا يصمد أما الكشف وبيان الحقيقة، ولدينا في بلادنا الإسلامية وثائق وتقارير فوق التصور، ويحوي أرشيف الدولة العثمانية أهم الوثائق المدينةالمنورة ويأتي بعده مصر، ودعا الهيلة الباحثين إلى جمع هذه الوثائق والاهتمام بها وهو عمل كبير يحتاج إلى جهد كثير.