هل يمكن القول اليوم بوجود نقد نسوي، أو على الأقل ناقدات في السعودية، من خلال الأسماء التي تنشر مقالات ودراسات وأبحاث، وتصدر أيضا كتباً. يمكن للمتابع أن يحصي أسماء عدة في مجال الكتابة النقدية النسائية، مثل فاطمة الوهيبي، فاطمة إلياس، لمياء باعشن، نورة القحطاني، أميرة القحطاني، سهام القحطاني، سماهر الضامن، شمس المؤيد، أسماء الزهراني وسواهن. ولكن إلى أي حد مثل ما قدمته الناقدة السعودية، إسهاماً فعلياً في رفد الحركة النقدية في المملكة في شكل عام؟ وهل تتميز الناقدة عن الناقد، وبماذا؟ تساؤلات طرحها ملحق «آفاق» على عدد من النقاد، الذين بدورهم أكدوا أهمية المنجز النقدي النسائي، لكنهم أخذوا عليه افتقاره إلى البعد الفلسفي، وأنه يمكن النظر إلى هذا النقد، في إطار النقد الذي ينتمي إلى البلاغة الحديثة، ويتمظهر بالحداثة، وهو ليس كذلك. في حين يرى آخرون أنه توجد من الناقدات من شكلن إضافة نوعية، ليس فقط في المملكة، إنما أيضاً في الوطن العربي. لكنهم يؤكدون الحاجة إلى ناقدة أدبية متخصصة في النقد النسوي، ليجدد أفق الكتابة والحياة. واعتبر بعضهم أن الخطاب النسائي النقدي موجود، ولكنه غير مؤثر، مشددين على طرح حلول تسهم في رفع الوعي النسائي بشكل عام وفي مختلف المجالات. يقول الدكتور سعيد السريحي: «لعل إثارة النقد النسوي يوهم بأن نقد الرجال بخير، لذلك أريد أن أضع النقد النسوي في دائرة الإشكال نفسها عموماً. فالحال متشابهة إذا ما استثنيت بعض الجهود بالدرس النقدي الذي لا يخرج من التعلق بالأكاديمية أو شرك السطحية الصحافية»، مضيفاً: «ففي هذا الإطار ننظر إلى مأزق النقد النسوي في إطار الدرس النقدي المفتقر إلى البعد الفلسفي، فكثير مما يطرح الآن ينتمي إلى البلاغة الحديثة ويتمظهر بالحداثة من دون أن تتحقق من مرتكزاتها الفلسفية». وذكر أنه على رغم كل ذلك فإن «المشهد العام لا يحول دون صدقيته ما قيل فيه بروز نماذج فردية، تشكل نضوجاً في نواحٍ كثيرة». وعدّ مشكلة الناقدة الأكاديمية تكمن حينما «تكون الأكاديمية قيداً يحول بين الباحث ومساءلة النص، فالأكاديمية عيب يتصل بالنقد، ولكن حينما تتطابق الأكاديمية بصفة النقد يصبح علماً وعندها يتساوى النقاد والناقدات». وأثنى السريحي بدوره على عدد من الناقدات «فلا يمكن أن نتجاهل جهود مميزة لناقدات دارسات مثل الدكتورة فاطمة الوهيبي والدكتورة أميرة كشغري والدكتورة فاطمة إلياس». ذاكراً أن هناك اختلافاً بينهن في الاهتمام، «فالوهيبي تبدو أكثر إخلاصاً لمناهج النقد الحديث من حيث التطبيق، بينما تظل كشغري وإلياس في جانب التنظير وذلك بحكم التخصص الذي جعل الأدب الإنكليزي محور اهتمامهما». ووصف ما يجري في الأندية الأدبية الآن بعد دخول المرأة فيه ب«إفاقة أفاقها المجتمع بالدور الذي تنهض به، فأهم ما يميزها الآن هو الاهتمام الواضح بالمرأة بالمشاركة والحضور». الحاجة إلى ناقدة متخصصة في النقد النسوي فيما قال الدكتور معجب الزهراني إن لدينا مجموعة من الناقدات «لهن إسهامات أساسية في إثراء المشهد النقدي المحلي دونما شك، ولعل كثرتهن تعفيني من التسمية. هذا من حيث الكم، أما من حيث النوع فأزعم أن مقاربات فاطمة الوهيبي في الشعريات وأميرة الزهراني في السرديات، ستظل تشكل إضافة نوعية في هذا السياق وربما في السياقات الجهوية والعربية، فطريق النقد سيظل طريقاً مفتوحاً أمام الجميع ولن يصل أحد إلى نهايته، أو إلى ذروته». وأضاف: «أما الذي لا أزال أنتظره شخصياً فهو ذلك الصوت النسائي الذي يتخصص في النقد النسائي، ليجدد أفق الكتابة والحياة في مجتمعات يحاصرها فكر التوحش ويعد بالمزيد». وعن الفرق بين الناقدة الأكاديمية وغير الأكاديمية قال: «النقد الأكاديمي عموماً هو الأكثر عمقاً وجدية، لاحتكامه إلى أسس معرفية وفكرية هي من قبيل ما يتواضع عليه المنتج والمتلقي، وكلاهما هنا قارئ نموذجي بمعنى ما. وبلا شك أن شروط العمل في المؤسسة الرسمية لا تتيح للمغامرات الحرة الخلاقة فرصاً كثيرة لتحلّق بعيداً عن الخطاب السائد». وأكد الزهراني: «من هذا المنظور تحديداً سنظل في أمسّ الحاجة إلى جهود متنوعة من خارج هذا السياق، يمكنها أن تحاور المهمش والمسكوت عنه بصيغ أكثر جرأة وإن بدت للبعض انطباعية كما يقال». وأوضح الدكتور محمد العوين أن الرجل «عندما يكتب عن المرأة نجد أننا أمام اختلاف نوعي في الإبداع، إذ تستوقفنا صفات قطعية المرأة قادرة على الكتابة عنها أكثر منه، لأنها تتوافر لها ذات عميقة ملتصقة بهمومها ومشكلاتها»، مضيفاً: «إذاً هي والرجل لا يوجد بينهما فرق في مسألة الكتابة، ولكن تكمن الفوارق عند القدرة على الولوج إلى باطن النص بشكل جيد. والمرأة متفوقة على الرجل على رغم المساحة الضيقة التي تتاح للرجل ولا تتاح لها، فهي مقيدة بفصل وهمي وضعه المجتمع على رغم أنهما يعيشان حياة ثقافية واحدة، فهي لا تستطيع أن تتواصل مع المكتبات والتجمعات الثقافية والمؤتمرات، وهذا الفصل في المحافل الثقافية يجب أن يزال، بحيث تمنح المرأة المثقفة الثقة، لأنها من أصحاب العقول النيرة التي يجب عليها أن تتجاوز كل ما يعوق طريقها لخوض الحوار المباشر لإيصال فكرتها». واعتبر العوين أن لا فرق بين الناقدة الأكاديمية وغير الأكاديمية، «فكلاهما يكمل بعضه البعض، فالأكاديمية تعمل على تأسيس وتقديم تاريخ وتطور الأشكال والقضايا الأدبية وكذلك غير الأكاديمية تطرح ما تجود به ذائقتها، التي لا يستهان بها طبعاً، فالنقد الأدبي من وجهة نظري أكاديمي وانطباعي، وهذان العاملان يتعاضدان للنهوض بالحركة الأدبية». ووصف الأندية الأدبية بأنها تعاني مشكلة مع الجنسين، «إذ توجد الشللية سواء بين الرجال أو النساء أو بين بعضهما البعض» وشدد على أن «الذي يجب أن ندركه هو أن الأدب مهمة جماعية يجب أن ننهض بها وليس كمجموعات فردية، وعليه يجب أن تؤدي المؤسسات دورها في دعم الثقافة لتجاوز كل المعوقات». ووصف الناقد حسين بافقيه مشاركة المرأة في ألوان الحياة كافة، بجوار زميلها الرجل، ب «الظاهرة الطبيعية والحضارية»، مشيراً إلى أن «العبرة في مشاركتها ليس الكم ولكن الكيف والمشاركة بحد ذاتها». وأضاف: «فالجامعات تخرج مجموعات كبيرة من الطالبات في مجال العلوم النظرية، وأنا أعرف شخصياً أن نشاط المرأة الأدبي مميز جداً على رغم عدم ظهور النتاج العلمي بوصفها رسائل. وهناك أسماء نسائية فعالة في الساحة بدءاً من خيرية السقاف وسعاد المانع وفاطمة الوهيبي ولمياء باعشن وفاطمة إلياس». واعتبر بافقيه أن المرأة وصلت إلى ما وصلت إليه بيدها «وليس من باب المجاملة، والأمل باق في أن تتحرك المؤسسة الرسمية في إدخالها ضمن مجلس إدارة الأندية الأدبية فهي لا ينقصها شيء». وعد النقد الأدبي خبرة جمالية يفسدها الأكاديميون «وذلك عبر تطويقها بالنظرية التي لا تعدو أن تكون تلخيصاً لما يجري في المحافل الغربية، واستغلال ما يطرح في الغرب ما يجعل الناقد مشغولاً بالنظرية كثيراً ما يفقده ذوقه الأدبي، الذي يجب أن يتوافر فيه». خطاب نسائي غير مؤثر واعتبر الناقد والشاعر محمد الحرز «ان الخطاب النسائي النقدي موجود، ولكنه غير مؤثر وهذا نتيجة وليس سبباً، وعليه يجب أن تُطرح حلول مزدوجة تسهم في رفع الوعي النسائي بشكل عام وفي مختلف المجالات، ومن هذه الحلول التعليم الذي يجب أن يتغير، وهذا التغير يكمن في إعادة صياغته وتصوره». وعد من مساوئ التعليم «عدم وجود قيم تعتمد على النقد الجذري للموروث، ما ينمي أصلاًً حاسة النقد لدى الرجل والمرأة في الآن نفسه، لذلك يجب إعادة النظر في التعليم من العمق حيث القيم يجب أن تتغير». وأشار إلى أن أمر الحل أيضاً ليس بيد المثقف وحده، «ولكنه يتمحور حول إستراتيجية الحوار الوطني في طرح القضايا على أن نتجاوز مأزقه وألا نؤجل الحلول ونوغل في المشكلة أكثر فأكثر!». وأكد الدكتور عالي القرشي ظهور أعمال نقدية نسائية، في الآونة الأخيرة «لها حضورها الجيد من ناحية النوع والكيف، في حين أننا في ما سبق كنا لا نشاهد إلا نشاطاً نقدياً محصوراً في جانب الرسائل العلمية كرسائل الماجستير والدكتوراه». وعد هذا النشاط كان محفزاً للأكاديميات «لتحرك أكثر وزيادة نشاطهن النقدي، لذلك برزت أسماء عدة تركت لها بصمة في الساحة كفاطمة الوهيبي وسعاد المانع ولمياء باعشن وأميرة كاشغري». وذكر القرشي أنه «يصعب التفريق كثيراً بين النقد الذي تمارسه المرأة وبين النقد يمارسه الرجل، إلا أن هناك بعض الفروق التي ميزت النقد النسائي، اذ انها استطاعت الغوص في أعمال النصوص لاستخراج خصائص أنثوية قربت لنا فهم معاناتها وهمومها ومشكلاتها واستنباط الرموز الأنثوية في النصوص الإبداعية، سواء كانت شعراً أو نثراً». وقلل كثيراً من مسألة التفريق بين الناقدة الأكاديمية وغير الأكاديمية، «فلا أظن أن هناك فرقاً كبيراً بينهما، بل إنني أرى أنهما مكملان لبعضهما البعض. إذ لا يوجد نقد إلا وهو يحمل بين طياته أدوات وإجراءات نقدية لن تتوصل إليها الناقدة إلا عبر البوابة الأكاديمية من خلال متابعة آخر النظريات النقدية والآراء التي يقدمها النقد الأكاديمي بلا شك». ورأى أن الأندية الأدبية حتى الآن لم تعط المرأة حقها، «فهي حتى الآن تعاني من تهميش واضح، وذلك نظراً إلى أن النادي لا يزال يقع في قبضة مجلس الإدارة المعين من وزارة الثقافة والإعلام وليس منتخباً، وعليه نجد أن اللجان النسائية المنبثقة من هذه الإدارات هي فسحة بسيطة من هذه المجالس الذكورية، التي لا تعطي المرأة كامل حريتها في الإبداع والمشاركة، بل هي خاضعة لما تجود به أنفسهم، في حين أنها تحمل بين طياتها آمالاً وآفاقاً أوسع يجب احتواؤها».