قديماً كانت المجالس مدارس، إلاّ أنه في الوقت الحاضر تغيّرت من حيث الشكل والمضمون، بل وفقدت وظيفتها السامية ودورها الاجتماعي. ويرى كثيرون أن المجالس تُعد حالة اجتماعية ثقافية توعوية وتربوية، تسعى إلى تنشئة الأجيال عبر ضوابط وثوابت وحزمة من القيم، بوجود ذي الخبرة والوقار؛ لرصد أي حالة سلبية، أما اليوم فلم تعد بعض المجالس ذات أهمية لدى أفراد الجيل الحالي، حيث سيطرت التقنية على تفكير الشباب، فهذا مشغول بجهاز "البلاك بيري" وآخر ب "الآيفون"، وثالث ترك الجلوس في صدر المجلس وفضّل البقاء بجانب "فيش" كهرباء لشحن بطارية الجوال!. "الرياض" تضع مقارنة بين مجالس الماضي والحاضر، فكان هذا التحقيق. جيل صالح في البداية قال "أبو عبدالله": إنه عندما ننتقد سلوك أي شاب، فإننا نعاتبه بعدم جلوسه مع الرجال، أي: إنه لم تُصقل معرفته من خلال الاحتكاك مع الكبار، الذين يشهد لهم المجتمع بأنهم ذوو خبرة وتجربة في الحياة، بل ويحرصون على تنشئة جيل صالح ومحصن، قادر على مواجهة كافة تحديات الحياة، ومن دون أن ينجرف إلى المغريات. وأوضح "أبو مشاري" أن الشاب الذي يتحلى بالخلق العالي والسلوك الحميد والانضباط الجيد، يُقدَّر ويُحترم، وكذلك تقدم له القهوة العربية، إضافةً إلى جلوسه في المكان الأرحب في المجالس، مضيفاً أن المتخاذل وغير السوي وصاحب السلوك غير المنضبط، فهو مصدر تندر واستهجان، وربما يتم طرده من المجلس، حتى لا يحسب عليه، مشيراً إلى أنه في الوقت الحاضر فإنه يتم احتواء من به شر أو أذى، ما قد يترتب عليه انتشار بعض التصرفات السلبية بين أفراد المجتمع. فقدت دورها وأكد "أبو حمد" أن المقاهي الشعبية فقدت بريقها وحميميتها، وكذلك شكلها التقليدي ودورها، مضيفاً أنه حل عنها "مقاهي الشيشة" ومحلات "الكوفي شوب"، وكذلك محلات الوجبات السريعة، مضيفاً أنه تغيرت طبيعة وشخصيات الرواد لتلك المقاهي، ذاكراً أنه غابت تلك المجالس التقليدية، لتحل محلها مجالس ذات طابع شكلي، تركز في كل ما هو عصري ومغاير، لتفتقد الدور التربوي والتعليمي، ولتصبح بلا معنى إلاّ ما هو شكلي فقط، مشيراً إلى أن المجالس كانت بمثابة الرادع الاجتماعي، وكذلك التربية والصقل لكافة أفراد المجتمع، لكنها اليوم ما عادت موجودة، بل ولم يعد أحد يكترث بها، على الرغم من أهميتها ودورها الريادي والمصلح. وقال "أبوعلي": المجالس حسب تجربتي الطويلة هي مدرسة علمية ومجتمعية، لا تقل أهميتها عن الجامعات، التي تخرج أجيالا علمية صالحة، مضيفاً أنه يقصد المجلس بالطريقة السليمة الصحيحة، التي تصقل هذا الشاب، أو الرجل اليافع وتحصنه، ليصبح رجلاً سوياً مؤثراً ذا سمعة طيبة. تواصل تقني والتقينا عدداً من الشباب في بعض "المراكز التجارية" و"مقاهي الانترنت" وفي الأماكن العامة، وسألناهم عن مقاهي اليوم، ومقاهي ومجالس الأمس، فقالوا: لا نعرف تلك المقاهي القديمة، بل ولا نهتم بها؛ لأننا معنيون بما تقدمه لنا التقنيات الجديدة من أدوات للتواصل تغنينا عما كان سائداً سابقاً. وذكر الشاب "ماجد حمد" أنه ليس معنياً بتلك المجالس والمقاهي القديمة، بل ولا تربطه بها أية علاقة، خصوصاً أنها غير حاضرة في ذاكرته، ولا يسمع عنها إلاّ من جده، ومن هم في جيله، مضيفاً أن كل ما يهمه هو طرائق وأدوات التواصل الاجتماعي والتقني، التي وفرتها لنا ثورة المعلومات والثورة "التكنولوجية" في العالم الافتراضي، مشيراً إلى أنه يتواصل مع من يريد في أي لحظة، مؤكداً أن هذا هو عالم أفراد جيله الذي نحلم فيه ونعمل تحت ظله. وأيده "سعيد عبدالله" قائلاً: "الفيس بوك" و"تويتر" و"الآي فون" هي أدوات تواصلي مع كل الكون، ومن خلالها أتخطى الحدود والتقاليد والعادات الصارمة". وقال "سامر عدنان": لا تهمني مجالس أبي أو جدي، فلهم مجالسهم التي انتهت وولت، ولنا مجالسنا وطرائقنا في التواصل والتعارف، مضيفاً أن علينا مهمة كبيرة هي أن نكون قادرين على مواكبة كل ما هو عصري، من أجل فرض واقع جديد مغاير لما نشأت عليه الأجيال السابقة. اختفى المضمون وقال الشيخ "د. عزيز العنزي" - مدير مكتب التوعية والإرشاد في دبي: كانت المجالس مكاناً للتوعية والتربية والتعليم، من خلال كبار السن الذين هم "أشجار الوقار"، لما يمتلكونه من موعظة غنية وخبرة طويلة وتجربة، مضيفاً أن كثيرا من مشاكل الحي أو الشارع أو القرية تحل من خلال المجلس، أما اليوم فقد اختفى منها المضمون وبقي الشكل فقط، حيث تجد رجالا جالسين بأجسادهم، لكن أفكارهم متعلقة بالموبايل أو اللاب توب، أو تجده سارحاً في عالم آخر. وبين شباب اليوم وكبار السن يبقى السؤال: هل بقي رواد ودور للمجالس القديمة؟، أم أن ما هو حديث وعصري فرض واقعاً جديداً مغايراً؟، وهل يمكن التوفيق والجمع بين الأمس واليوم؟، أي: بين الأصالة والمعاصرة في مختلف الظواهر والقضايا والمشاهدات في عصر "العولمة" و"الانترنت"، وهل يمكننا تجاهل القيم والعادات والتقاليد الأصيلة التي نستمدها من ديننا الإسلامي الحنيف؟، التي يقف على هرمها الأخلاق العالية، قال الله تعالى: "إنك لعلى خُلق عظيم"، وقال الشاعر: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هي ذهبت أخلاقهم ذهبوا".