يقول الشاعر التشيلي بابلو نيرودا (خيرٌ ألا يحدث أبداً من أن يحدث متأخراً).. هذا بالضبط، ما يمكن أن نقوله للمنتج والمخرج عامر الحمود وهو يواصل، ببطء؛ ملاحقة الموجات و"الصرعات" الدرامية من "نور" في مسلسله "ليلى" وصولا إلى عمله الجديد "ملحق البنات"؛ المحاكي لموجة المسلسلات الأخيرة في الدراما الخليجية، والتي بدأت، تقليداً، بعد النجاح المنقطع النظير لمسلسل (أم البنات) عام (2009)؛ فبعد "بنات آدم" و"بنات الثانوية"..الخ، يأتي الحمود ليقدم "ملحق البنات" علما أن الموجة بدأت تلفظ أنفاسها، عقب دخول المسلسل الشبابي "04" على الخط، وبداية إنتاج مسلسلات أخرى تخرج من جلباب الموجة "البناتية" الأخيرة. أما الجديد الذي يعد به صاحب "طاش الأصلي" وهو يلتحق بهذه الموجة، سيكون من خلال "سعودة" موجة "تفريخ البنات" بأن تنقل من دراما الخليج العربي، لتدخل الفضاء الدرامي السعودي"، بعد أن تخضع حكايات بنات "الملحق"، لمفارقات "الخصوصية" المحلية!. ولكن قبل أن نلقي اللوم على المخرج الحمود، لتقليده هذه الموجة، هنالك أمور يجب ألّا نغفلها ونحن نقارب المسألة، وهي أولا: تحكم وسلطة القنوات المنتجة والموزعين وبعض المعلنين؛ على المزاج العام للمشاهد والفنان على حد سواء؛ إذ ليس بالضرورة أن يكون إنتاج وظهور مسلسل بكامله، جاء برغبة من المخرج أو المنتج وإنما يعود الأمر غالبا، لفرض بعض المحطات الممولة على منتج المسلسل أن يقدم أعمالا ضمن موضوعات محددة، كما هو حاصل الآن مع موجة "تفريخ البنات". كذلك هو الحال مع عامل الجمهور الذي يفرض نفسه بقوة، فالجمهور عندما يؤيد عملا ما، فإن معظم القنوات ستتسارع في استنساخه. أما العامل الآخر، يتمثل في بؤس آلية عمل سوق الإنتاج التلفزيوني والقائم على وأد الابتكار والنظر إلى ما يقدمه الآخرون قبل النظر في احتمالات مايمكن أن نقدم نحن من قصص وحكايات فنية. والحقيقة أن هذه مشكلة ليست في الدراما الخليجية وإنما في الدراما العربية؛ وهي مشكلة أبعد من أن تكون فنية لتصل إلى المسألة الثقافية والهوية العربية المستباحة، من قبل قنوات تجارية عربية، همها تقليد الآخر، ليس بسبب عجزٍ ذهني في الابتكار وإنما لتكريس ثقافةٍ استهلاكية، تطيل أمد هذه المؤسسات الإعلامية القائمة أصلاً على الإعلاء من ثقافة الاستهلاك، في كل شيء ومنها الفنون، بلا ريب. أما المخرج عامر الحمود، فندعوه، أن لا ينظر إلى شاشات التلفاز، بحثا عن موضوع درامي، فالواقع يا سادة، خزان حكايا ونحن في مجتمع غني ومتنوع، لا نحتاج أن نقلد الآخرين لنبدع؛ ولا أن نصغي إلى رغبة القنوات، أكثر من اللازم، فالمبدع الحقيقي، يجب عليه، بعد تجربة طويلة، أن يطرح هذا السؤال الإبداعي وهو: كيف يمكن لنا أن نصنع عملا فنيا دراميا، يؤسس لموجة جديدة يتبعها الآخرون، لا أن نكون محل تقليد ومحاكاة. الدراما السعودية بكوادرها، بدأت قبل أن يدخل التلفاز، بعض الدول المجاورة، وهي قادرة أن تستعيد مجدها، عندما نقوم بموازنة خلاقة بين ما يريد السوق والمحطات، من جهة، ومن أخرى، ما يغامر به المبدع من أجل ولادة دراما تلفزيونية جميلة ومغايرة، رغم كل المعرقلات.. وما أكثرها!. في الإبداع الدرامي، هنا سينقلب الأمر وسنتذكر ماقاله الأديب التشيلي.. ببالون نيردوا عندما هتف قائلا:( خير ألا يحدث أبدا من أن يحدث متأخراً).