غصة: تقدم لخطبتها شاب بمواصفات عالية جداًّ تطمح له أي فتاة تقليدية، في مجتمع يضع ضوابط وحدود للزواج والارتباط، قبلت مستبشرة وآملة بحياة جديدة تمحو عنها كل ما أساءها في السابق، وبعد عقد القران وقبل الدخلة انفصل عنها؛ لأنها فقط أخبرته عن أحلامها السابقة في الطفولة من الارتباط بابن عمها المتوفى، وعندما سأله والدها عن سبب الانفصال قال: "الله يستر على بنتك أنا ما أتزوج وحدة لها ماضي"!، مخلفاً وراءه فتاة محطمة قبل حفل زفافها بأيام، لن يغفر لها المجتمع طلاقها، بعد أن طبعت دعوات زواجها وبدأ الأقارب والأصدقاء الاستعداد لحضور مراسم الفرح، لتبقى من ضمن العوانس!. يقفون خلف «أسوار الندم» و«النظرات القاسية» تحاصرهم في زوايا الخروج من العزلة ضحية: "صالح" قدّر الله له أن يزوجه والده وهو مراهق في (18) من عمره، بهدف أن يقيه من شرور المراهقة -هكذا كان يعتقد-، ما أن لبث "صالح" مدة يسيرة حتى انفصل عن ذات ال (15) عاماً، ثم عاد لينضج في عمر ال(33) عاماً، وقرّر الارتباط بأخرى بهدف الاستقرار، على أن يختار هو شريكة حياته، لكن طلبه رُفض من أهل الفتاة التي أحبها وأحبته، والسبب قصة انفصاله في زواجه الأول!. نقطة سواد: "مازن" نشأ في منزل غير مستقر، والده فاقد للوعي دوماً، ووالدته عند أهلها لأن زوجها تلفظ عليها، تاركة خلفها أربعة من الأطفال، كبر "مازن" وأصبح مدمناً وسارقاً، إلى أن أرسل الله له معلماً في المدرسة لينتشله من وحل والده وأنانية والدته، ليكمل علاجه ودراسته، ثم السعي للحصول عن وظيفة تتناسب ومؤهله العملي، لكنه لم يجد من يتبناه؛ بسبب سوابق اقترفها لم يكن له فيها حول ولا قوة، بدأ مشروعه الخاص وشق طريقه، بحث عن الاستقرار إلاّ أن أكثر من أسرة رفضته؛ كونه ضحية تصرفات ارتكبها والداه، فبأي ذنب أُقصي؛ ليعود مروجاً ناشراً للسموم في المجتمع، قابعاً خلف قضبان السجون!. تتعدد النماذج والقصص لشخصيات حاولت العودة إلى جادة الحق والصواب والوعي، ولكن واجهت مجتمعاً بعض أفراده لا ينسى الماضي، ولا يمسح الخطأ ويسامح؛ لينتكس الحاضر إلى الماضي بكل ما فيه من أخطاء وتجاوزات. تحقيق "الرياض" يتناول موضوع تنمية وعي المجتمع تجاه التعاطي مع أشخاص ارتكبوا أخطاء في الماضي ويبحثون عن "طريق نجاة"، بعيداً عن نظرات قاسية، وأحكام مسبقة. الحل في بناء الثقة واستشعار المسؤولية وإعانتهم مادياً ومعنوياً على تجاوز الخطأ نظرة سلبية في البداية قال "محمد الزنيدي" -مختص في القضايا الاجتماعية-: إن المجتمع يقابل السجين التائب بنظرة سلبية رافضة، ويقابل الفتاة بالمقت والتحقير، إلى جانب إدخالها في دائرة سوداوية مغلقة، وذلك بعد عودتها من قصة مرفوضة من المجتمع، سواء كانت منزلقات غير أخلاقية أو سلوكية انحرافية أو غيرها، موضحاً أننا نجد الإنسان يتراجع عن تلك الأخطاء عندما يبدأ بمعاتبة النفس بعد أن يصحو ضميره، فيبدأ مرحلة معالجة الخطأ، ومحاولة تعديل السلوك، هذا من الناحية الشخصية، لكن غالباً تقف أمام هؤلاء عقبة نظرة المجتمع السلبية، والتي قد تغيّر من شكل هذا التراجع من الناحية الإيجابية للسلبية مرة أخرى، مشيراً إلى أنه يجب على المجتمع أن يكون مؤسسة إصلاح لا هدم، وأن الدين الإسلامي دعا إلى التجاوز عن الأخطاء واختلاق المبررات، مشدداً على أهمية أن تكون نظرة المجتمع داعمة تجاههم، لاستمرارية التوبة وتعديلها نحو المسار الصحيح، من خلال اعتبارهم جزءاً فعّالاً لا يمكن الاستغناء عنه، متمنياً أن يكون المجتمع داعماً وليس هادماً لطريق التوبة والعدول عن الخطأ؛ لأنهم بشر ليسوا معصومين عن الخطأ. شاب هرب من نظرات المجتمع إلى الجلوس بجوار الشاطيء برامج توعوية وحول تفاوت المجتمع في التغاضي عن أخطاء الرجل بعيداً عن المرأة، أوضح "الزنيدي" أنه مع الأسف هناك تفاوت، مضيفاً أن قبول توبة وتراجع الرجل عن الخطأ تقبل وبشكل أسرع من الفتاة، والتي تمر بعدة عقبات، ففي الغالب يحكم عليها بالسجن المؤبد على أنها مجرمة أو منحرفة، وهناك بعض الأسر ترى أن الحل يكون في تزويجها، مبيناً أنه حتى لو لم تخطئ الفتاة نجد من البعض من يقف منها موقف المتصيد لأخطائها، مشيراً إلى أن الرجال تمنح لهم صك البراءة سريعاً من أي منزلق، بينما الفتاة يستمر عقابها أبد الدهر، بل وتسحب منها الثقة، لتبقى وبشكل دائم محط شك وريبة من أمرها، إلى درجة التحقير مع الأسف الشديد، متمنياً زيادة تقديم برامج توعية وتأهيلية للمجتمع في كيفية التعامل معهم، من خلال توظيفهم، وأنهم جزء لا يتجزأ منه؛ لاستمرارية البناء والعطاء، إضافةً إلى غرس الوعي لدى المجتمع، وبيان أساليب التعامل معهم، وحث المجتمع على الابتعاد عن الازدواجية في التعامل مع الخطأ، وأن الخطأ واحد، سواء الصادر من الفتاة أو الرجل، مطالباً أن يكون هناك دعوة وحث للمجتمع على تقبل خطأ الفتاة كالرجل، كما يجب مسح بعض الثقافات والعادات القديمة ونزعها عن مجتمعنا، والتي تدعو للعودة إلى الجاهلية فيما يخص المرأة، واستبدالها بقيم ديننا الحنيف الذي يحمل الرحمة والمغفرة، والذي لا يميز العقاب والثواب بناء على جنس العاصي أو المذنب. محمد الزنيدي عنصر فعّال وقال "عبدالعزيز الجميعة" -مصلح اجتماعي-: الخطأ مقدر على بني آدم، وليس العيب أن نخطئ، لكن العيب أن نستمر في ارتكاب الأخطاء، مضيفاً أن كل بني آدم خطّاء، وخير الخاطئين التوابون، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَومٍ يُخْطِئُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"، مبيناً أن الأخطاء يقع فيها البشر إلى أن تقوم الساعة، ولكن كيف نقلل منها؟، وكيف نتجنب أضرارها على أبنائنا وبناتنا وأسرنا ومجتمعنا؟، ذاكراً أن الله أنزل المنهج الرباني للتعامل مع المخطئين بالحكمة والموعظة لقوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، فما أجمل أن يسهم الفرد والأسرة في التقليل من الأخطاء في المجتمع، وأجمل من ذلك أن نعين من أخطأ، ليكون عنصراً فاعلاً في المجتمع، وأن لا نعين الشيطان عليه، مشيراً إلى أن الشباب قريبون من الخير أكثر من الشر، ولكن أين الذين يعينونهم على الخير؟، ذاكراً أن الانحرافات والأخطاء الصادرة ليست نابعة من فساد في الأصل، وإنما هي نتيجة تقصير أو عدم اهتمام الأسرة في التنشئة الإسلامية الصحيحة؛ بسبب التفكك الأسري، أو الفراغ العاطفي الذي ينتج عنه البحث عن المفقود سواءً عاطفيًا أو مادياً أو نفسياً، مؤكداً على أن ذلك لا توفره إلاّ الأسرة المتكاتفة والمتحابة فيما بينها وبين أبنائها وبناتها. عبدالعزيز الجميعة مفاهيم خاطئة! وذكر "الجميعة" أنه من الظلم عدم قبول العائدين والعائدات من الأخطاء، مستدلاً بقصة مرت عليه يوماً، حيث جاء جار يريد أن ينبه جاره على بعض الملاحظات التي لاحظها على أبنائه، وقال له: "لقد لاحظت على ابنك أنه يطارد ويعاكس بنات الحي، وشاهدت ذلك بعيني"، وما أن أكمل الجار هذه الكلمات حتى ابتسم ابتسامة عريضة فدهش الجار من تلك الابتسامة، وقال له: لماذا تبتسم وأنا أخبرك عن وضع ابنك؟، فقال: ابتسم لأن ابني أصبح رجلاً!، ليرد عليه بقوله: لدي ملاحظة أخرى وهي أن إحدى بناتك تعاكس، فلم يكمل تلك العبارة حتى أرعد وأزبد وانتفخت وجنتاه ثم أحمر وأسود وجهه، لتغيب تلك الابتسامة المشرقة على محياه، ويهرول مسرعاً إلى داخل المنزل!، مشيراً إلى أن هذا التصرف يُرسخ مفاهيم خاطئة في مجتمعاتنا، وتقوي نزعة التمرد على الأخلاق والقيم الحميدة، بل وتولد اللامبالاة بين الأبناء والبنات داخل الأسرة، مشدداً على أن الواجب هو العدل والأنصاف وتقوى الله، واستحضار الأجر والثواب في تقويم سلوك المخطئين على حد سواء كما أقره شرع الله. تجاوز المشاكل وأوضح "الجميعة" أن من السبل التي تخلص المجتمع من الأخطاء هو الاعتراف أولاً أن لدينا أخطاء، وأنه لا يمكن أن تحل بالتجاهل أو الهروب، مشدداً على أهمية أن يتعلم المجتمع فن إدارة وتجاوز المشاكل، مؤكداً على أن علينا واجب عظيم ديني واجتماعي ووطني بإعادة المخطئين إلى الصواب، وتجاوز المرحلة الصعبة في حياتهم، مبيناً أن نظرتهم هي نظرة استجداء وتوسل من ذويهم والمجتمع بأسره، ليقبلوهم بأن يكونوا عائدين وعائدات من الأخطاء، ذاكراً أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية ترى ذنب الرجل مغفور؛ لأنه "ناقل عيبه بجيبه"، و"ما يضره شيء"، بينما ذنب المرأة غير مغفور، وهي كالزجاجة إذا انخدشت أو انكسرت لا يمكن إصلاحها، بل وتصبح وعاء لا يوثق فيه، مضيفاً أنه مع الأسف يوجد الكثير ممن يرى خطأ الشاب رجولة، وخطأ الفتاة خيانة، وهذا مفهوم خاطئ، وله آثار وخيمة على المجتمع ، فالمرأة في الإسلام قسيمة الرجل، ولها الحقوق المعتبرة، وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وفي الحديث: "إنما النساء شقائق الرجال"، موضحاً أنه يوجد نقص كبير في التوعية بهذا الدور العظيم، والمطلوب من جميع أفراد المجتمع بشتى فئاته وشرائحه، أن يتذكر أن من أعظم القربات إلى الله تفريج الكربات عن المسلم والمسلمة، متسائلاً: هل هناك أعظم من كربة أن يخطئ المسلم ويضيق بها صدره ويريد أن يتخلص منها ولا يجد من يعينه، بل تعظم الكربة أشد عندما تتخلى الأسرة عن هذا المخطئ وتتبرأ منه، مذكراً بضرورة تقوى الله في هؤلاء العائدين من الأخطاء قبل توبتهم وبعد توبتهم، وإعانتهم على الثبات، وأن لا نعين الشيطان عليهم، من خلال دمجهم في المجتمع وإعطائهم الفرصة تلو الفرصة، ليصبحوا عناصر نافعة في المجتمع، مطالباً بتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في نشر الوعي في فن التعامل مع العائدين والعائدات من الأخطاء.