وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجازة رتق غشاء البكارة ستر للفتاة الضحية أوالمخطئة وحفاظ على مستقبلها
«عكاظ» تفتح ملف الجدل الفقهي حيالها
نشر في عكاظ يوم 29 - 10 - 2009

أثارت الفتوى التي أطلقها الداعية الدكتور سلمان العودة في برنامجه (حجر الزواوية)، جدلا كبيرا في الأوساط الشرعية والمجتمعية، بعد أن أجاز إجراء الفتاة لعملية رتق غشاء البكارة، حيث قال فيها: «كثير من علماء وفقهاء السلف والمؤلفين لا يربطون العفة إلا بالدرجة الأساسية، بالمعنى النفسي يعبرون عن العفة بأنها حالة نفسية، أو هي معنى يقوم بالنفس يحمل على فعل الأشياء الحسنة، وترك الأشياء الذميمة والقبيحة والفواحش والمحرمات وغيرها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ مِنْ أَعَفِّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلَ الإِيمَانِ»، فدليل على أنه حتى العفاف في القتل يعني أنه لا يقتل بغير حق، ولا يشنع، ولا يغتال، ولا ينتهك الحقوق، وكثير من الناس يولعون بالمظاهر كالعادة، ويغفلون عن الحقائق ولذلك تتحول العفة عندهم إلى لباس معين، وحول عملية ترميم غشاء البكارة قال: «عملية ترميم غشاء البكارة فيها خلاف بين الفقهاء، والذي أميل إليه أنه إذا وجدت التوبة عند الفتاة، فإنه يجوز لها أن تفعل ذلك حفاظا على نفسها، وعلى حياتها، وعلى مستقبلها؛ لأنه من النساء من تقتل، وأنا أعرف منظمة عالمية ذكرت أن خمسة آلاف امرأة تقتل سنويا بسبب هذا الأمر، أو ما يسمى بجرائم الشرف» ، وجاءت هذه الفتوى في ظل معطيات ومؤشرات وأرقام تدل على وجود جرائم شرف غير معلنة، مما دفعت العلماء والفقهاء في السعودية والعالم الإسلامي للنظر في قضية الستر على الفتيات ومن أهم وسائلها إجراء الفتاة لعملية ترميم غشاء البكارة، فسارع بعض العلماء بإصدار فتوى تجيز ذلك وهذه الفتاوى أثارت جدلا كبيرا في المجتمع، بين مؤيد لها بحجة الستر وقابل لها بضوابط، حتى لا تتخذ كحيلة من قبل بعض الفتيات، ورافض لها بشكل نهائي، معتبرا أنها ستتخذ وسيلة لخداع الأزواج والتدليس عليهم ودعوة لتفشي الفاحشة.
بعد انتشار المعاكسات، الابتزاز، التحرش، الاغتصاب، الخلوات غير الشرعية، والعلاقات المحرمة في المجتمعات العربية عموما والخليجية خصوصا، والتي تكون محصلتها في النهاية سقوط الفتاة في فخ الرذيلة وخسارتها لشرفها وكرامتها ومستقلبها، وقد ارتفعت جرائم الشرف وأصبحت تقدر بالآلاف خصوصا في الأردن وسورية ومصر واليمن بغياب أرقام وإحصائيات ودراسات وأرقام توضح الحقيقة، لذلك فإن الصمت دائما سيد الموقف حولها فما أعلن من جرائم الشرف في وسائل الإعلام وتناقله المجتمع لايمثل سوى نسبة ضئيلة من الجرائم التي تحاط بالسرية والكتمان في الغالب، فالتوبة على الفتاة في هذه الحالة محرمة وطريق العودة والأوبة مسدود، فالحاضر والمستقبل بالنسبة لها سيان في ظل مجتمع شرقي ذكوري لايرحم يغفر خطيئة الشاب ويتغاضى عنها، بينما تكال الفتاة بوابل من الشتم والضرب والعنف والقتل في حال استدراجها للرذيلة من قبل ذئب لاضمير له أو تعرضها لحالة اغتصاب في بعض الأحيان أو نزوة طائشة توقعها في حبال الرذيلة وتحيل حياتها إلى جحيم، خصوصا إذا أرادت الفتاة التوبة والعودة.
ولم يكن المجتمع السعودي بدعا عن المجتمعات العربية، فبعض المؤشرات تدل على وجود جرائم شرف قد لاتصل للقتل، ولكن الفتاة قد تتعرض للتعنيف والطرد من المنزل والهجر، وهو مادلت عليه إحصائيات الخلوات غير الشرعية التي ضبطتها الهيئة في السنوات السابقة، وقد أشارت آخرها في العام الماضي إلى 6883 حالة خلوة غير شرعية، وفق المتحدث الرسمي باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة سالم السرواني، وما أوضحه أيضا الشيخ إبراهيم الغيث رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق في حوار سابق له، إن مجموع القضايا التي تم ضبطها خلال عام 2006 بلغ نحو 416 ألف قضية، وعدد الأشخاص المضبوطين في هذه القضايا نحو 434 ألف شخص، «أي ما يعادل 2 في المائة من سكان السعودية، على اعتبار أن عدد المواطنين والمقيمين يزيد عن 22 مليون نسمة». وبلغ عدد من انتهى موضوعهم بالستر والتعهد نحو 392 ألف شخص بنسبة 90 في المائة، بينما أحيل لجهة الاختصاص نحو 42 ألف شخص أي بنسبة 10 في المائة.
أرقام مفزعة
وكشف تقرير آخر صدر عن وزارة الشؤون الاجتماعية في عام 1429 ه عن رصد 1180 فتاة منحرفة في السعودية خلال عام واحد، تم إخضاعهن لتعديل السلوك في أربع مؤسسات رعاية في أربع مناطق، ولفت التقرير إلى أن غالبية المنحرفات يعشن في العاصمة الرياض ويمثلن ما نسبته 67 في المائة من إجمالي عددهن «789 فتاة»، وتلي الرياض العاصمة المقدسة ب 299 فتاة منحرفة بنسبة 19 في المائة ومن ثم منطقة عسير ب 111 فتاة، تمثل 9 في المائة، وأخيرا الأحساء ب 44 فتاة، تمثل 4 في المائة، وبين التقرير أن 26 حالة ممن شملهن الإحصاء لهن سابقة واحدة، في حين أن 14 منهن لهن سابقتان، و 10 حالات ضبطن للمرة الرابعة، ولم تتجاوز الحالات التي زادت انحرافاتهن أكثر من خمس مرات فتاتين، بينما سجلت 100 حالة انحراف للمرة الأولى، ولفت إلى أن 100 حالة منهن يتزوجن من قبل، بينما 36 حالة منهن مطلقات، و 21 حالة متزوجات، فيما سجلت خمس أرامل ضمن الحالات، وذكر التقرير أن 49 حالة منهن يحملن الشهادة المتوسطة.
وفصل التقرير أنواع الانحراف في كل منطقة، وبدأ من العاصمة الرياض التي سجلت 14 حالة انحراف أخلاقي، وأربع حالات بسبب الدعارة، و 11 حالة حمل سفاح، إلى جانب 28 حالة بوادر انحراف، أما في مكة المكرمة سجلت 23 حالة أخلاقيات، و 11 حالة بوادر انحراف، وأربع حالات دعارة، فيما كانت حالات انحراف الفتيات في أبها هي 30 حالة أخلاقية، فيما بلغت حالات الانحراف الأخلاقية بين الفتيات في الأحساء ثلاث حالات، وثلاث حالات بوادر انحراف، وذكر التقرير، إنه بالنسبة إلى مدينة الرياض كانت الأكثرية منهن تتراوح أعمارهن بين 15 و 20 عاما، وذلك ب «30 حالة»، وتم تسجيل أربع حالات للفتيات أعمارهن تقل عن 15 عاما، و27 حالة تتراوح أعمارهن بين 21 و 25 عاما، و 14 حالة تتراوح أعمارهن بين 26 و 30 عاما، وحالة واحدة يزيد عمرها على 31 عاما.
وأوضح التقرير، إن أعمار الفتيات المنحرفات في مكة المكرمة كانت 21 حالة، تراوحت أعمارهن بين 15 20 عاما، وثلاث حالة أعمارهن تقل عن 15 عاما، و10 حالات تتراوح أعمارهن بين 21 25 عاما، و 7 حالات تتراوح أعمارهن بين 26 30 عاما، وفي الأحساء بلغ عدد الفتيات المنحرفات سبع حالات تراوحت أعمارهن بين 21 25 عاما، بينما سجلت حالة واحدة تراوح عمرها بين 26 30 عاما، إضافة لعشر حالات قلت أعمارهن عن 15 عاما، و 14 حالة تراوحت أعمارهن بين 15 20 عاما، و 3 حالات تراوحت أعمارهن بين 21 و 25 عاما و 10 حالات تراوحت أعمارهن بين 26 30 عاما رصدت في أبها.
هذا ما أعلن عنه أما ما أخفي عنه فهو غير معلوم ولا توجد له إحصائية محددة.
فتاوى مجيزة
ولم تكن فتوى الشيخ سلمان العودة الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل انتشار جرائم الشرف وحالات العنف ضد الفتيات فقد سبق فتوى العودة فتوى لمفتي مصر الدكتور علي جمعة أجاز من خلالها ترقيع «غشاء البكارة» للبنات اللاتي فقدن عذريتهن، دون أن يحدد إذا ما كانت البنت فقدته رغما عنها أو بإرادتها، وعلل د. جمعة خلال حديثه في برنامج «البيت بيتك»، الذي بثه التلفزيون المصري، سبب إجازته لهذه العملية بقوله، «الدين الإسلامي يدعو إلى الستر، وإذا كان إجراء الفتاة، التي فقدت عذريتها لأي سبب كان، لعملية ترقيع غشاء البكارة سيؤدي إلى سترها، فإن الإسلام يبيح ذلك»، مضيفا أنه: «على تلك الفتاة ألا تخبر خطيبها بأنها فقدت عذريتها، كما أن الأمر ينطبق كذلك على المرأة الزانية، حيث لا يجوز لها أن تخبر زوجها بأنها ارتكبت جريمة الزنا»، وفي ما يتعلق بقيام بعض السيدات المتزوجات، بإجراء عملية ترقيع غشاء البكارة، لإعادة عذريتهن ومفاجأة أزواجهن بهدف استعادة ذكريات ليلة الزفاف، قال: «لا يوجد نص يحرم ذلك على الرغم من غرابة الأمر، فهو مباح ما دام لا يؤثر صحيا على المرأة»، مفسرا أن «ذلك الأمر يأتي في إطار السعي للحفاظ على وحدة الأسرة، وبهدف مساعدة الفتيات المخطئات على التوبة والزواج، ولا يعد من قبيل الغش والخداع».
وظلت هذه القضية مثار جدل كبير بين العلماء والفقهاء من جهة والمجتمع من جهة أخرى.
«عكاظ» فتحت هذه القضية الشائكة وناقشت أهمية هذه الفتاوى للمجتمع، وهل نحن بحاجة لها؟ وما الضوابط التي يجب أن تسير عليها؟ وهل أثمها أكبر من نفعها؟ ما وجهة نظر الطب والقانون ومؤسسات المجتمع المدني وعلماء النفس والاجتماع حيالها؟ وذلك من خلال استطلاع نخبة من العلماء والفقهاء والمختصين في كافة المجالات.
جدل فقهي
في هذا السياق أجاز نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزير العدل الموريتاني السابق وعضو المجمع الفقهي الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه، أن تقوم الفتاة بعملية ترقيع غشاء البكارة سواء فقدته في حادث أو نتيجة وقوعها في خطأ، شريطة أن تتوب توبة نصوحا وتخبر خطيبها بذلك حتى لا تخدعه وتحتال عليه فتأثم بهذا التصرف. وعلل إجازته لذلك بضرورة تحسين حال الإنسان لنفسه وأن يكون في وضع لائق ظاهرا وباطنا، كما أنه من الزينة التي أمر بها الله (قل من حرم زينة الله التي أخرجت لعباده والطيبات من الرزق)، مشيرا إلى أن هذه العملية من التداوي الذي دعا إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ستر الجريمة
لكن عضو المجامع الفقهية أستاذ الفقه وأصوله في جامعة دمشق الدكتور وهبة الزحيلي أيد الفتوى في حالة وخالفها في أخرى، فأجاز القيام بالعملية لمن وقع لها حادث أو تعرضت لاغتصاب أو اعتداء لا ذنب لها فيه أو قفزت قفزة أثرت على غشائها، فعندها يجوز أن تقوم بإجراء العملية. واستدرك قائلا: أما الفتاة التي وقعت في الزنا فلا يجوز أن تقوم بإجراء العملية بحيث لا يكون طريقا لستر الجريمة، ويجب أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في ذلك، لأن ذرائع الإسلام جاءت للحماية من الوقوع في جريمة الزنا وسد الطريق الموصل إليه، هذا ما نص عليه جميع فقهاء الأمة، ووقوع الفتاة في جريمة الزنا عمل محرم، والقيام بعملية ترقيع غشاء البكارة بحاجة الستر لا يجوز؛ لأنها بذلك تحتال على الشرع.
المراجع العلمية
من جانبه علق عضو هيئة كبار العلماء عضو مجلس القضاء الأعلى وعضو المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي الدكتور علي الحكمي على القضية بقوله: هذه قضية عامة تخص كل المسلمين، وهي قضية اجتماعية بالدرجة الأولى، لذلك ينبغي أن يترك فيها الكلام للمجامع الفقهية والهيئات العلمية مثل هيئة كبار العلماء حتى لا يتولى الرد فيها فرد، لأنها بحاجة لدراسة شاملة وكاملة من النواحي الطبية والاجتماعية والنفسية والشرعية حتى تصدر الفتوى الملائمة، فرأي أهل الخبرة ضروري في مثل هذه المسائل، ولابد أن يتصدى لها المجموعة وليس الفرد، لأن الفتاوى الفردية في مثل هذه القضايا تشوش على الناس وتضرهم أكثر مما تنفعهم وتدخل في نفوسهم الريبة والشك، لذلك فإن الطريقة الأسلم في هذه المسائل السير على المنوال الذي تسير عليه المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء، وهي الدراسة بمشاركة أهل الخبرة والاختصاص والموازنة فيها، ومن ثم إصدار الرأي والقرار السليم والصحيح.
فساد عظيم
ووافق رئيس مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عضو المجامع الفقهية الدكتور حسين حامد حسان رأي سابقيه بأن فتح الباب في هذه العمليات يؤدي إلى فساد عظيم بل إنها تجر إلى مفاسد أكبر من منفعة الستر، ومن ذلك الغش والتدليس على الزوج، مشيرا إلى ضرورة أن يبين ولي الأمر للخاطب ما حصل لابنته في حال إجراء عملية الترقيع سواء بحادث، وهو ما تؤكده تقارير الأطباء، وأضاف: ولقد سبق وصادفتني عدة حالات لفتيات أخفين على خطبائهن حقيقة بكارتهن فاكتشف الزوج ذلك فحدث الطلاق وتبعت ذلك آثار سلبية عظمى. وعلل حسان سبب رفضه لتلك العمليات لأنه لا يبرر الستر على الجريمة بارتكاب جريمة أخرى فسد الذرائع ومنع المفاسد مقدم على كل ما سواه.
وأضاف: أعتقد أن مثل هذه الفتاوى تقلل من قيمة العفاف والطهر رغم قيمتهما الكبيرة.
فقه الموازنات
أما المختص في الفقه الطبي في جامعة الملك خالد في أبها الدكتور عبد الرحمن الجرعي فبين أن هناك قراءة خاطئة للفتوى داعيا إلى ضرورة التروي قبل الحكم على صلاحية الفتوى من عدمها، مشيرا إلى أن هناك ما يسمى فقه العلم وسياسة العلم في عالم الفقه، فربما تكون الفتوى خاصة بحالة فتعمم وهذا خطأ كبير لأنه لا يمكن تعميم الفتاوى في الحالات الشاذة والخاصة.
ممنوع قانونيا
ووافق القاضي والمستشار الاجتماعي الدكتور سعد الحقباني رأي سابقه في ضرورة رد فتوى الترقيع إلى الهيئات الإفتائية الكبرى في السعودية والعالم الإسلامي، مبينا أنه لم يسبق أن مرت عليه فتاة تقدمت بشكوى للمحكمة بسبب منعها من إجراء عملية الترقيع، لأن هذه القضية تستر تحت بند العيب والحياء والخوف ولا تظهر على السطح، مؤكدا أنه إذا تقرر نظاما منع إجراء عمليات ترقيع غشاء البكارة فإنه لا يجوز إلا إذا اثبت أن تعرضت لحادث أو جريمة أو اغتصاب بحقائق، أما إذا وقعت في الخطيئة وقررت إجراء العملية فإنه لا يجوز قانونيا أن تجرى لها، وفي حال قيام الطبيب بذلك فإنه سيكون معرضا للمساءلة والعقاب.
وأبدى المحامي والمستشار القانوني الدكتور عدنان الزهراني مرونة أكثر في توليه معالجة قضايا فتيات منعن من إجراء عمليات رتق للبكارة شريطة أن يكن مظلومات وضحايا جريمة محددة، حيث قال: إن مثل هذه الفتاوى مفيدة للفتيات ممن وقعن ضحية للاغتصاب أو أجبرن على ممارسة الرذيلة أو تعرضن لحوادث وغيرها من الأمور التي لا دخل للفتاة فيها، خصوصا أن المجتمع ينظر لمن فقدت بكارتها نظرة سلبية، مبينا أن عمليات رتق غشاء البكارة مرفوضة شرعيا واجتماعيا لأنها غش وتدليس بالإضافة إلى أنها تساعد الفتيات على التحايل وممارسة الخطيئة دون خوف أو رادع، فالصدق والاعتراف للخاطب أفضل من إجراء عملية قد تنكشف وتتحول حياة الفتاة إلى جحيم أكبر.
وقال إن الفتوى مفيدة في بعض الحالات، لكنها لا تفيد في أحيان أخرى فهي بحسب الحالة، لذلك من الخطأ تعميم هذه الفتوى خصوصا أن هناك رجالا لديهم رغبة في الستر على بعض الفتيات التائبات. ورأى أنه يجب عدم الانصياع لبعض الدعوات العالمية من قبل هيئات حقوقية ومناصرة للمرأة تطالب بالحرية في تصرفاتها وأفعالها، مشددا على أن هذه المطالبات تصطدم أحيانا بمبادئ الإسلام وتؤدي إلى انتشار الفاحشة والرذيلة، فنحن نرفض هذه الوصايات والفتاوي التي تسهل لها ذلك.
حقوق وضوابط
واتفقت عضو جمعية حقوق الإنسان سهيلة زين العابدين حماد مع الزهراني حيث ترى أن الفتاة التي فقدت بكارتها بسبب اغتصاب أو تابت من ماض سيئ، يمكن أن يؤذن لها في الترقيع لكن بضوابط، وهذا من حقوقها، حتى لا تتحول المسألة إلى تشجيع للرذيلة. هناك حالات تحتاج فيها الفتاة إلى علاج لإنقاذ مستقبلها وحياتها، فقد اتصلت علي فتاة قالت إن والدها اغتصبها وهي في التاسعة من عمرها، فبعد موته أصبحت تشكو من فقد عذريتها، ولا أظن أن أحدا سيقبل بفتاة مغتصبة من أبيها، وإن كانت بلا ذنب.
إن المشكلة الكبرى ليست في فقد البكارة، وإنما في طبيعة المجتمعات العربية والإسلامية التي تغفر للرجال أخطاءهم وتأخذ النساء بأكثر من ذنوبهن.
من جانبها، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة نيتها افتتاح مراكز للضيافة لاستقبال الفتيات حال رفض ذويهن استقبالهن، سواء بعد خروجهن من دار الرعاية أو السجون، والعمل على تزويجهن من خلال الوكيل الشرعي، وهو يشمل الفتيات اللاتي وقعن في علاقات محرمة.
وقال الدكتور علي الحناكي مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة: «هناك معاملات سيئة من قبل المجتمع تقود إلى العديد من المشاكل التي تجبر الفتيات على الانتحار والهروب والانحراف وغير ذلك من السلبيات التي نراها اليوم، وهذه مأساتنا في معظم المجتمعات العربية». وأبان مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة: «أن التعامل مع المرأة حينما تخطئ بهذه القسوة ويصل جزاؤها من بعض أفراد الأسرة إلى حد القتل مثل ما حدث مع فتاتين لقيتا مصرعهما على يد أخيهما عند عودتهما من دار الحماية بالرياض – جريمة كبرى وذنبها عند الله عظيم»، مؤكدا على أهمية مثل هذه الفتاوى مطالبا العلماء والفقهاء بدراسة أكبر لهذه المواضيع. واعتبر الحناكي تعميم فكرة رفض الأسر تقبل بناتها اللاتي أذنبن أو وقعن في الحرام، مبينا أن العقلاء يقبلون توبتهن. وأشار بقوله: «أنا أقول ذلك من خلال ممارستي، فهناك الكثير من الأسر التي تتفهم الفتاة وتسامح الزلة والخطأ، لأنه ليس من مصلحتها أن تحاكم الفتاة وتقاضيها لكن من حق هذه الفتاة أن تأخذ فرصة ثانية، ومن واجبنا أن نساعدها على ما يمكنها من شق طريقها، ومن ضمن ذلك دراسة أوضاع من فقد عذريتهن ومرجعية ذلك العلماء ».
منع رسمي
وأوضح رئيس الجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة أستاذ الطب في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور حسن جمال، أن النظام في السعودية لا يجيز لأي طبيب أو مستشفى إجراء عملية رتق غشاء البكارة، إلا في الحوادث الموثوقة والتي تستند إلى دليل ويكون ذلك تحت دراسة لجنة مختصة، لأنه في حال فتح الباب على الغارب، فإن المشكلة سوف تتعقد وتنتشر عمليات الرتق بشكل يساعد على انتشار الرذيلة بين الفتيات، مشيرا إلى أن هذه الفتاوى تساعد على العلاقات غير الشرعية، مشددا على أن الطبيب أو المستشفى الذي يقوم بإجراء العملية، فإنه يعرض نفسه للمساءلة والعقاب مثله مثل قضية الإجهاض، وبين جمال أن عددا كبيرا من الأطباء الغربيين يرفضون إجراء مثل هذه العمليات غير الأخلاقية مثل الإجهاض التي يرفض 96 في المائة من أطباء الكلية الملكية في بريطانيا إجراؤها ويوافق فقط 4 في المائة، مطالبا بضرورة التشديد في مثل هذه القضايا ووضع ضوابط من خلال فتاوى شرعية تساندها.
واعتبر استشاري الأمراض الباطنية ومدير مركز أخلاقيات الطب الخبير في المجامع الفقهية الدكتور محمد علي البار، أن من يقوم بإجراء هذه العمليات لرتق غشاء البكارة للفتيات اللاتي وقعن في الرذيلة، بأنه خائن للأمانة الطبية ولأخلاق الطبيب المسلم، وخائن لولي الأمر الذي منع بقرار رسمي القيام بهذه العمليات، إلا في حالات محددة، وهو إن قام بهذه العملية بالسر والخفاء، فهو مخطئ وآثم، مشيرا إلى أن هذه الفتوى يجب أن لا تكون مطلقة، بل لابد من ضوابط لها، مبينا أن هذه القضية سبق أن نوقشت عدة مرات في مؤتمرات طبية، ومنها في الكويت قبل عشر سنوات وحضرها عدد كبير من العلماء والفقهاء والأطباء وخرج الحاضرون بضرورة أن يدرس هذا الموضوع جيدا ويصدر فيه فتوى جماعية، وهو له مسوغاته التي تحلله في بعض الحالات وتحرمه في الأخرى، لأن فتح الباب في مثل هذه المسائل فتح لباب شر كبير.
إعادة الثقة
لكن استشارية النساء والولادة في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني زميلة كلية الجراحين البريطانية الدكتورة ميسون الأدهم: رأت أن الأطباء ليسوا سلطة عقابية لمحاسبة الناس على أخطائهم التي وقعوا فيها، مشيرة إلى أن بعض النساء لا يشرحن للطبيب أو الطبيبة حقيقة ما حدث معهن، بل إن بعضهن يبين أنهن كانوا متزوجات وطلقوا ونحن كأطباء لا نستطيع أن نمنع أحدا ونسير وفق القانون، وإذا أثبتت فعلا حالتها بأنها قد تعرضت لحادث أو اغتصبت، فإننا نقوم بإجراء العملية لها والأمر يعود في النهاية لقناعة الطبيب وضميره، فالبعض يقوم بإجرائها من باب الستر على المسلمات خاصة إذا أردن التوبة والرجوع، والبعض الآخر يمتنع عنها، ولفتت إلى أن الإقبال على هذه العمليات في السعودية ضعيف ونادر جدا، ففي السنة لا تمر أكثر من حالتين على المستشفى.
وبينت الأدهم أن الفتاة التي تقوم بهذه العملية، غالبا ما تقصد أطباء أو طبيبات تثق فيهم وتتأكد من سرية الموضوع، لذلك لا نجد حالات ظاهرة تقصد المستشفيات لإجراء هذه العمليات.
وامتدحت الدكتورة ميسون مثل هذا الفتاوى التي تساعد على الستر وتقلل من جرائم الشرف، مشددة على أن الفتاة لا تقصد إجراء مثل هذه العمليات، إلا إذا كانت ضحية فتبحث عن بصيص أمل يعيد لها الحياة، خصوصا أن كثيرا من الفتيات تعرضن وهن صغار لزنا المحارم، وهذا أمر مسكوت عنه، لذلك لابد أن تقوم بهذه العملية حتى يعاد لها الأمل في الحياة، فبعضهن يقتلن بجرائم الشرف رغم براءتهن أو يحاولن الانتحار هربا من الحياة، فمثل هذه العمليات التصحيحية ستساهم في رفع الظلم عنهن وإنقاذهن من مستقبل مجهول قد يدفعهن لممارسة الرذيلة واستسهالها، مؤكدة أن هذه العملية لها أثر نفسي إيجابي كبير على الفتاة وأهلها من ناحية إعادة الثقة لها وجعلها إنسانة صالحة ومحبة لأهلها ومجتمعها.
تعديل أو تجميل
وأكد أستاذ واستشاري جراحة الأطفال والتجميل الدكتور ياسر جمال، أن عمليات تصحيح غشاء البكارة منتشرة في السعودية لدى الأطفال، بسبب تعرضهن لحوادث سقوط أو نتيجة عيب خلقي وخلافه، مبينا أنه يتم إجراء العمليات لهن بشكل عادي، ولفت جمال إلى أن البعض يذهبن لدول أخرى لإجراء هذه العمليات، لكن تبقى القضية معلقة بفتاوى العلماء حيال هذه القضية الشائكة.
ورفض استشاري التجميل الدكتور نادر القلعدي تسمية هذه العمليات بالتجميلية، وقال هذه عمليات ترميمية، ومثل هذه الفتاوى التي إجازتها تعتبر سلاحا ذا حدين، خصوصا أن هناك فتيات ضحايا لعمليات اغتصاب أو تعرضن للاعتداء أثناء الخطبة قبل الزواج ومن ثم تركن، فهي تساعد في مثل هذه الحالات على الستر، ولكن قد يتخذها البعض وسيلة للتحايل وارتكاب الرذيلة.
قرار المجمع
يذكر أن هناك قرارا صدر من قبل مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته ال 18 من 9 إلى 14 تموز 2007م، حول الموضوع نص فيه على التالي: «يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه، ولايجوز شرعا رتق الغشاء المتمزق بسبب الفاحشة، سدا لذريعة الفساد والتدليس»، ويستثنى من هذا الحكم ما إذا غلب على الظن أن عدم الرتق يؤدي إلى مفسدة عظمى، فإنه يجوز إجراء عملية الترقيع، كما هو الحال في أعرافنا، فإن الفتاة إذا اكتشف ليلة زفافها أنها فاقدة للعذرية تطلق، وفي طلاقها مفسدة لها وعار لأهلها، وقد يؤدي الأمر إلى قتلها من قبل ذويها، وفي حال وجود مفسدتين ترتكب الأخذ دفعا للعظمى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.