تعدّ ظاهرة السجينات السعوديات اللواتي يقبعن خلف السجون بسبب تهم جنائية وأخلاقية إحدى أهم الظواهر الاجتماعية التي باتت تؤرق كثيرًا من الخبراء الاجتماعيين والحقوقيين بل وحتى صناع القرار، فهناك كثير من الفتيات لا زلن يقبعن في السجون حتى بعد انقضاء فترة محكوميتهن، وذلك بسبب تخلي الأهالي عنهن، فالخوف من نظرات الناس الازدرائية والمليئة بالشك لن تتوقف تجاه السجينة المفرج عنها حتى بعد أن أخذت جزاءها العادل، مما يجبر الأسرة على مسح «العار» الذي يلاحق الفتاة صباحا ومساء، وجعلها وديعة في السجن حتى إشعار آخر، ترى ما الأسباب التي أدت إلى نشر مثل هذه المفاهيم والمعتقدات الخاطئة في المجتمع، وكيف يمكن الارتقاء بفكر وثقافة المجتمع من أجل إزالة حاجز ما يعرف ب«العار» لدى تلك السجينات، ثم ما هو دور الجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني في الحد من هذه الظاهرة، وأين برامجها التأهيلية للارتقاء وتطوير السجينات وإعادة دمجهن في الحياة ضمن مجتمع آمن، ودورها كذلك في التأثير على أهالي السجينات من خلال تغيير كثير من المفاهيم والأفكار العالقة لديهم، «الرسالة» طرحت أبعاد القضية على الشرعيين والخبراء الاجتماعيين والحقوقيين في ثنايا التحقيق التالي: في البدء أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور محمد فهد القحطاني أنّ المشكلة تكمن في نظرة المجتمع الغريبة إلى الفتاة السجينة، حتى لو لم تكن مذنبة، فقد تدخل الفتاة السجن لتهمة قد وجهت إليها وهي بريئة منها، مما يؤدي إلى النظرة السلبية تجاهها من قبل المجتمع حتى لو كانت تهمتها بسيطة أو لم ترتكب أي جرم أصلًا، حينها يبقى الخيار الوحيد أمامها هو البقاء في السجن، لأنّها ستكون مهددة بالقتل من قبل أهلها. زيارة السجينات في الوقت نفسه أبدى استغرابه من منع الجهات المعنية كمؤسسات حقوق الإنسان ووزارة الشؤون الاجتماعية من زيارة السجينات، وقال: كثير من الحالات مهددة بالقتل ولا يبقى خيار أمام الفتاة إلَّا الاستنجاد بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهي الجهة الوحيدة المخولة بمتابعة تلك الحالات، إذ إنّ السجون محاطة بالسرية التامة، مشيرًا إلى أنّ مؤسسات وهيئات حقوق الإنسان تعاني من نقص كبير جدًا في الكفاءة والتعامل مع الظاهرة، إضافة إلى أنّ المجتمع نفسه يعاني نقص الوعي وعلى الدولة أن تقوم أيضًا بدورها من خلال إنشاء ملاجئ تحتضن الفتيات اللواتي قد يتعرضن للعنف، خاصة وأننا في مجتمع قبلي، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن تفقد الفتاة المذنبة حياتها، وأضاف هناك بعض الملاجئ لا تستطيع أن تفرقها عن السجون حيث لا تؤدي الغرض الكافي وتعاني من قلة الاهتمام والعناية بها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، والحديث عنها محرم ولا يلتفت إليها كظاهرة مهمة في وسائل الإعلام. الجمعيات الأهلية وحول دور الجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني في الحد من هذه الظاهرة، اعتبر القحطاني أنّ مؤسسات المجتمع المدني هي جزء من المشكلة فهي قليلة جدًا، وبناء على ذلك لابدّ من إصدار نظام «الجمعيات الأهلية» الذي أوصى به مجلس الشورى قبل عدة سنوات يتم تبنيه من قبل الدولة، لأنّ هناك رغبة كبيرة من العديد من الجهات والشخصيات لإنشاء جمعيات تقوم بأدوار اجتماعية خصوصًا في مجال ضمان حقوق السجينات، كما أنّه لابد من تزويد الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية بالكوادر المؤهلة لضمان التواصل مع السجينات، وإصدار التشريعات والقوانين التي تسمح للجمعيات والمؤسسات من العمل في المجال المجتمعي. الوعي الشرعي من جانبه أرجع الفقيه والباحث الشرعي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد هذه الظاهرة إلى قلة العلم والوعي الشرعي لدى الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في حادثة الإفك لعائشة: (يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار)، والعبد إذا أذنب ذنبًا وتاب استغفر الله منه فإنّه يغفر له، وهنا لم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا حصل منك هذا الذنب فسوف أقتلك أو أحجر عليك وإنّما أشار عليها بالندم والاستغفار. وأشار العبيد إلى أهمية الارتقاء بفكر وثقافة المجتمع من أجل إزالة عادات وسلوكيات المجتمع الخاطئة، إذ لابد من تغيير أنماط الخلق، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يسعى لتغيير أنماط وأفكار البشر، لذلك سأله الصحابة عن كثير من الأمور الخاطئة التي كانت سائدة في عصر ما قبل الإسلام، فكانوا يسألونه في شيء ويجيبهم بشكل آخر، مشددًا على أنّ من كان لديه نمط خاطئ في التفكير علينا أن نسعى لتغييره ونقول له غيّر من نمط تفكيرك من خلال الدورات التأهيلية والتأصيلية التي تسعى للارتقاء بفكر الإنسان، معتبرًا أنّ الجمعيات والمؤسسات المجتمعية عليها الدور الأكبر في التخفيف من حدة هذه الظاهرة من خلال إقامة الحملات التوعوية التي تستهدف المجتمع، سواء كان ذلك في الأماكن العامة أو في الأعياد والمحافل والمناسبات لتوعية الناس والجمهور بخطورة هذه الظاهرة، وكذلك إيجاد متخصصين في علم الاجتماع والنفس حتى وإن كانوا غير مسلمين ليقوموا بهذا الدور المهم، والاستفادة من علمهم وثقافتهم للحد من هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أنّ هؤلاء عليهم رسالة عظيمة لابدّ أن يؤدوها شريطة أن يكونوا مؤهلين تأهيلًا جيدًا، حيث تجد الكثير منهم يدعون العلم والثقافة وهم براء منه. إصلاحات حقيقية في السياق ذاته رأى الناشط الحقوقي والقانوني فهد العريني أنّ حل مثل هذه الظاهرة يكمن في سن نظام «الجمعيات الأهلية»، فهناك حاجة لتكوين هيئة تنظّم شؤون الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية وهذا لم يتم حتى هذه اللحظة، إذ لا بدّ من إجراء إصلاحات حقيقية في القوانين والتشريعات، منوهًا إلى أنّ نظام «الجمعيات الأهلية» يعدّ مشكلة قائمة منذ 6 سنوات ولم نر أي تحرك ملموس تجاهه، حيث إنّ السماح بإنشاء هذه الجمعيات والمؤسسات من شأنه أن يخفف من حدة الظواهر السلبية القائمة في المجتمع وعلى رأسها قضية «السجينات» بعد انتهاء فترة محكومتيهن وتمتعهن بالحرية، مؤكدًا ضرورة تحديث وإصلاح كثير من قطاعات الدولة، حيث إنّ العديد من المسؤولين في تلك القطاعات غير معنيين بإيجاد مثل هذه التغيرات والإصلاحات داخل هذه الدوائر، وهذا سينعكس بالسلب أو الإيجاب على الواقع الاجتماعي. الرعاية والتأهيل وأوضحت الداعية والناشطة في القضايا الاجتماعية الدكتورة خديجة بادحدح أنّ سبب مثل هذه الظاهرة عائد إلى قلة الوعي والمعرفة بالقضايا الشرعية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (خير الخطائين التوابون)، والفتاة إذا ما ارتبكت محظورًا أو جرمًا ورجعت عنه فإنّه ليس عليها شيء ومن حقها أن ترجع وتمارس حياتها بشكل طبيعي، فلو وجدت هذه الفتاة الرعاية والتأهيل الكافي والجيد لتمّ انتشالها مما هي فيه، علاوة على أنّ التربية والرعاية الاجتماعية للفتيات منذ الصغر من شأنّه أن يخفف من حدة هذه الظاهرة وانتشارها في المجتمع، محذرة في نفس الوقت من التعصب القبلي الذي بات أشبه ما يكون بالجاهلية. وعن كيفية الحد من انتشار هذه الظاهرة تشير بادحدح إلى أنّ الدورات التثقيفية، والمشاريع الاجتماعية، والحملات التوعوية في المدارس والجامعات وفي المحافل العامة، وفي وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت من شأنها أن تسهم في التقليل من الظاهرة، مؤكدةً أهمية التربية والإشباع العاطفي منذ الصغر الذي يجعل من إهماله سببًا في انتشار 80% من المشاكل الأخلاقية، فالأبناء يحتاجون إلى العاطفة الكافية منذ الصغر ليتفادوا كثيرًا من المشكلات الاجتماعية، إضافة إلى أنّ تعزيز القيم والمبادئ بين الأبناء من شأنه أن يسهم في الحد من تلك الظاهرة. الصلاحية الكافية وشددت بادحدح على ضرورة إعطاء الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية الصلاحيات الكافية لممارسة وتنظيم أنشطتها وفعالياتها على الصعيد الاجتماعي، مشيرة إلى أنّ هناك كثيرا من العقبات والإجراءات التي تحد من حريتها، فلدى رغبة هذه المؤسسات والجمعيات تنظيم إحدى الفعاليات فإنّها تحتاج إلى كثير من الروتين والإجراءات المعقدة، بالإضافة إلى أنّ قضية التمويل والدعم المالي يشكل إحدى العقبات الرئيسية في عدم قدرتها على تغطية الرواتب والمصروفات المترتبة على ممارسة أعمالها وأنشطتها المجتمعية. الأعراف الخاطئة من ناحيته اعتبر الحقوقي وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور صالح الشريدة أنّ السبب يكمن في تأثير العادات العرفية الخاطئة التي سادت المجتمع السعودي من الناحية العشائرية والقبلية، مضيفًا: عندما تخطئ الفتاة في عرفهم يرفضون العفو عنها، ولا يوجد مبرر ديني أو أخلاقي يجعلنا متحاملين على الفتيات المذنبات مدى الحياة، فكل هذا عائد إلى الأعراف والتقاليد والمفاهيم الخاطئة السائدة بين أفراد المجتمع. وأكد الشريدة أهمية الحاجة إلى تكاتف الجهود بين العلماء والدولة والمجتمع، إضافة إلى دور الجمعيات والمؤسسات الخيرية من أجل إعادة تهيئة كثير من المفاهيم الخاطئة السائدة في المجتمع، وإنهاء معاناة كثير من السجينات اللواتي يقبعن خلف السجون بلا ذنب، وبيان سماحة الدين الإسلامي، وتابع: هناك دور كبير يقع على عاتق الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والجهات الخيرية للتخفيف من الظلم الكبير الواقع على السجينات، فلابدّ من أن تتكاتف الجهود في مسار واحد لكي تكلل الجهود بالنجاح. مسح العار وأوضحت الاستشارية في الشؤون الأسرية الدكتور هويدا الحاج أنّ ترك السجينة في السجون حتى بعد انتهاء فترة عقوبتها من أجل ما يعرف بمسح العار لدى بعض الأهالي هي من العادات والتقاليد البعيدة عن روح الأصالة في مجتمعاتنا، وأكدت أنّ مسح العار لا يكون بهذه الطريقة، إنّما يكون بالتربية والتنشئة الصحيحة، فحالات الطلاق في المجتمع السعودي وصلت إلى 52 حالة عن كل 100 حالة زواج، مما ينعكس بالسلب على الأبناء في الأسرة، ويؤدي إلى خلق المشكلات والاضطرابات الاجتماعية لدى الأطفال في سن مبكرة، وأضافت أنّ كثيرا من الأسر تغفل عن ملاحظة ومتابعة الفتيات منذ الصغر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فأين هو التعاطف الأسري مع الفتيات منذ صغرهن وإعطائهن العاطفة والحنان الكافي؟ وأكدت الحاج أهمية أن تكون هناك توعية كبيرة بين أفراد المجتمع من خلال غرس الثقافة الاجتماعية الصحيحة، وتنظيم الدورات التأهيلية لتثقيف المتزوجين والمقبلين على الزواج حديثًا في كيفية تربية وتوجيه أبنائهم وضرورة القيام بالمهام الموكلة إليهم، مشددةً على أنّ كثيرا من الأسر تعاني من عنف وتغريب أسري، حتى وصلت إلى حافة الهاوية، وهذا يرجع إلى أنّ الأب والأم الذين لا يعرفون مسؤوليتهما الحقيقة تجاه أبنائهم، وغافلون عن متطلباتهم، مما ينعكس بالسلب عليهم. الفتاة المذنبة من جانبه أرجع أستاذ علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالله الصبيح، انتشار هذه الظاهرة إلى المفهوم الخاطئ الموجود في أذهان الناس عن الفتاة المذنبة، إضافة إلى وجود المجتمع القبلي المتماسك والذي لديه حساسية مفرطة من خطأ المرأة أكثر من الرجل، مشددًا على ضرورة حل مثل هذه الظاهرة عبر نشر الوعي والمعرفة بين أفراد المجتمع، وعبر المؤسسات الاجتماعية ووسائل الإعلام ومنابر المساجد، وضرورة استيعاب هؤلاء النسوة وإعادة تأهيلهن لضمان العيش الكريم وممارسة حياتهن مرة أخرى بشكل طبيعي سواء عبر العمل أو الزواج أو الدراسة أو العيش في ظل مجتمع آمن. وعن دور الجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني في الحد من هذه الظاهرة، اعتبر الصبيح أنّ الأمر يعتمد في مجمله على إنشاء مجتمع مدني يفسح المجال أمام المؤسسات والجمعيات الأهلية للعمل ضمن النطاق الاجتماعي، وأنّ الدولة غير جادة في إنشاء المجتمع المدني القائم على العمل المؤسسي والمدني، وهذا سيقف حجر عثرة بحسب الصبيح لحل كثير من المشكلات الاجتماعية، فلو صدر قرار يقضي بالسماح لإنشاء هيئة مستقلة تعنى بتنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية لأدى إلى معالجة كثير من الظواهر السلبية المنتشرة في المجتمع. التفكك الأسري من ناحيته أشار الأستاذ علي بن فايز الشهراني مدير دار الملاحظة الاجتماعية بمحافظة جدة، إلى أنّ التمسك ببعض العادات والمفاهيم الخاطئة في المجتمع أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة، كما أنّ الثقافة الصحيحة لم تنتشر بشكل صحيح بين أفراد المجتمع، وأرجع سبب وقوع كثير من الفتيات في الجرم أو الذنب نتيجة التفكك الأسري الحاصل بين الزوج والزوجة، مؤكدًا أنّ دور الجمعيات والمؤسسات الخيرية مازال ضعيفًا جدًا في التخفيف من وطأة الظاهرة وانتشارها لكن علينا في المقابل ألا نغفل دورها، أملًا في نفس الوقت أن يكون دورها أكبر حيال هذه الظاهرة. وألمح الشهراني إلى أهمية دور الإعلام والصحافة في مكافحة الظاهرة، وأضاف أن تنظيم الحملات في الأماكن العامة وفي الجامعات والمدارس والدورات التثقيفية والتأهيلية من شأنه أن يؤدي إلى التغيير في المفاهيم والأفكار الخاطئة السائدة عند كثير من الناس. حبيسة السجن وأكد المشرف العام على الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور حسين بن ناصر الشريف، أنّ مثل هذا الأمر يعود إلى الثقافة الموجودة في المجتمع والتي تنظر للمرأة المرتكبة للجرم أو الذنب على أنّها قد انتهت أو توقفت حياتها، فهي حينما ترتكب جرمًا معينًا وتحاكم عليه ترفض الأسرة فيما بعد استلامها وتظل حبيسة السجن إلى أن يتم إيجاد حل لها، مشددًا على أنّ الثقافة الغير متسامحة الموجودة في المجتمع تقف حجر عثرة وراء تقبل المجتمع لها ومحاولة إعادة دمجها مرة أخرى فيه. وأشار إلى أنّ غياب التشريعات والقوانين الواضحة التي تنظم العلاقة بين الأسرة والفتاة مرة أخرى يتسبب في تزايد واستفحال الظاهرة، وطالب بإيجاد آلية واضحة في التعامل مع مثل هذا الموضوع وإجبار ولي الأمر على استلام الفتاة، ومن ثمّ إدخالها مركز تأهيلي يعمل على إعادة تنشئتها، وفي حال تعذّر وجود ولي الأمر يجب أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بإنشاء دور الإيواء والضيافة لتستضيف الفتيات المنتهية محكوميتهن، وأكد أنّ الفتاة بعد انقضاء فترة محكوميتها يجب أن تكون خارج أسوار السجن، وهذا يقتضي إيجاد تشريع يلزم الأسرة باستلام الفتاة، ويتم متابعة أمرها مع وزارة الشؤون الاجتماعية لتنظيم وترتيب مسألة الخروج من السجن، ومن ثم استضافتها في دار الضيافة أو الإيواء من أجل تهيئة الظروف أمامها حتى تعود مرة أخرى للعمل أو الدراسة أو الزواج، ولتشق حياتها من جديد بشكل سليم داخل المجتمع. وكشف الشريف عن أنّ الهيئة رصدت العديد من الحالات عن طريق زياراتها المتكررة للسجون، ومعاينة حالات أخرى بواسطة تقديم شكاوى من قبل بعض الفتيات، مثمنًا في نفس الوقت الدور الفاعل الذي تقوم به اللجنة الوطنية لرعاية السجناء «تراحم» على صعيد رعاية السجناء والسجينات المفرج عنهم وإعادة تأهيلهم، وأكد ضرورة إعادة تفعيل نظام الجمعيات الأهلية والذي نوقش في مجلس الشورى، إذ إن تفعيل مثل هذا النظام وإصداره على ارض الواقع من شأنه أن يحرك عجلة الجمعيات الراغبة في التخصص بمثل هذا الأمر. مبدأ الحكم وأوضح المشرف العلمي على موقع الاسلام اليوم الشيخ الدكتور عبدالوهاب بن ناصر الطريري أنّ الأصل فيمن وقع في خطأ أو ذنب وتاب منه فإنّه ليس عليه شيء، والأصل أنّ من تاب من ذنبه فإنّه يبدأ حياته من جديد، وباب التوبة من جميع الذنوب مفتوح للإنسان إذ ليس هناك ذنب أعظم من الشرك لكنّ الله يقبل التوبة على عبده منه، مؤكدًا أنّ الشريعة لم تأت بالتفريق بين ذنب الرجل والمرأة، فالجميع سواسية في مبدأ الحكم على الذنب، ومن الخطأ أن ينظر المجتمع لذنب المرأة على أنّه أشد من ذنب الرجل، مشددًا على أنّ المجتمع بحاجة إلى التوعية الحقيقية بالهدي الإسلامي وأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأنّ ذنوب الرجل والمرأة متساوية فيما بينها، فلا ينظر للمرأة على أنّ جرمها أعظم من الرجل فكلاهما متساويان بالنسبة للجرم. وحول دور الجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني في الحد من هذه الظاهرة أكد الطريري أهمية الدور الذي تلعبه مثل هذه الجمعيات على صعيد إعادة تأهيل السجينات اللواتي انتهت فترة محكوميتهن ورفض آبائهن استقبالهن، فالفتاة إذا وجدت أنّ المجتمع لا يقبلها فإنّها حتمًا سترجع إلى خطيئتها السابقة، مشيرا إلى أنّ دور الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية مهم للغاية في بداية علاقات جديدة للفتاة حتى لا تضطر إلى العودة إلى بيئتها الاجتماعية السابقة، فإذا وجدت مسلكًا جديدًا لتبدأ فيه حياتها فإنّها حتمًا ستتغير وتتأهل نحو الأفضل. سجن المجتمع بدورها اعتبرت الناشطة الاجتماعية والحقوقية ورئيسة الملتقى النسائي الثقافي السنوي الأستاذة إنعام العصفور، أن المجتمع يتحمل الجزء الأكبر من الظاهرة، مشيرة إلى أنّه يمثل السجن الأكبر، وأسواره أعلى من أسوار السجون، ولياليه أكثر ظلمة من ظلمات القبر، مضيفةً أنّ الناس لا يرحمون وألسنتهم اللاذعة ونظراتهم الازدرائية المشوبة بالشك والظلم والقهر لا تتوقف وهي لا تحيط بالسجينة المفرج عنها فقط بل تكون سهمًا مسلطًا على الأهل أيضًا مما يزيد في تعقيد الأمور وتفاقمها أكثر مما هي عليه. وحول كيفية الارتقاء بفكر وثقافة المجتمع في التعامل مع مثل هذه الظاهرة قالت إن المجتمع بحاجة إلى توعية وتثقيف، ويجب أن يظهر دور الإعلام لاستغلال أثره في تغيير هذه النظرة، وأيضا دور مؤسسات المجتمع المدني، وشددت على أهمية أن يتقبل المجتمع المرأة الخارجة من السجن كما يتقبل خروج الرجل منه وأن يسمح لها بممارسة حياة كريمة، كما يجب على الدولة استصدار قرار يؤكد استلام الأهل للسجينات بعد الإفراج عنهن وعدم بقائهن في السجن لفترة طويلة، إضافة إلى أهمية توفير مؤسسات تتابع حياة تلك المرأة بعد الخروج من السجن والتأكد من أوضاعها الأسرية والنفسية لتكون مواطن فاعلة في المجتمع. وعن دور الجمعيات والمؤسسات الأهلية أضافت حتى يتحقق هذا الدور ينبغي علينا توفير دراسات حقيقية توضح أوضاع السجينات في السجون وأوضاعهن خارج السجن، كما يجب إنشاء جمعيات ومراكز خاصة لتأهيل مثل هذه الحالات سواء للسجينات أو للمجتمع، ملمحةً إلى أنّ هناك دورًا غائبًا من الضروري أن يفعل حتى نتخلص من هذه المشكلة. عقوبة الفضيحة وأرجع الأكاديمي والباحث في الشؤون الشرعية الدكتور خالد الماجد أسباب الظاهرة إلى قيام الأهل بمعاقبة الفتاة من خلال إبقائها في السجن كعقوبة لها على الفضيحة، والخوف من معاودة ارتكابها للجريمة وعدم القدرة على السيطرة عليها، والتخلي عن المسؤولية من قبل أولياء الأمور إما لضعف الشعور بها وإما لشدة كلفتها والأنانية وحب النفس، إضافة إلى الخوف من تأثيرها بعد خروجها من السجن على بقية العائلة تأثيرًا سلبيًا، وشدد على أهمية وجود وسيط برعاية الدولة أو الجهات الخيرية للمساهمة في إعادة تأهيلهن أخلاقيًا ودينيًا ومحاولة جسر الهوة بينهن وبين أهاليهن وإعادة الثقة لهن لممارسة الحياة بشكل طبيعي بعيدًا عن ضغوطات ونظرات المجتمع، خصوصًا عند الأسر التي توجد لديها مشكلة في إعادة استقبال فتياتها مرة أخرى. الجهل الحقيقي وفي سياق ذاته أكدّ الباحث والخبير في الشؤون التربوية والاجتماعية الأستاذ علي القرني أنّ هناك العديد من الحالات التي شاهدناها وعايناها، تبقى في السجن بعد قضائها فترة الحكم، وهذا ينطبق بطبيعة الحال على السعوديات بالدرجة الأولى، حيث إنّ المقيمات يرحلن فورًا لبلادهن، منوهًا على أنّ الجهات الرسمية تفاجأ بأنّ الأهل قد تخلوا عن ابنتهم وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى الجهل الحقيقي وعدم الوعي، والوهم بوجود عقدة العار بعد خروجها من السجن وهذه العقدة ورثها كثير من أبناء المجتمع السعودي من قصص الأوائل، والتي تغص بها مجالس الرواة وأبيات الشعراء النبطية لحوادث وتبرؤات مثيلة. وعن دور الجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني في الحد من هذه الظاهرة أوضح القرني أنّ الأمر يبدأ بتثبيت معاني التوبة التي ذكرت في قصص السلف من هذه الأمة المحمدية، وأنّ الخطأ محتمل ووارد وأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، مع توعية مجتمعية بكل الوسائل الممكنة، بأهمية رعاية هؤلاء السجينات بعد خروجهن من السجن، والالتفاف عليهن وإعادة تأهيلهن نفسيًا وماديًا ومعنويًا، وأكد أنّ المجتمع يجب أن يحتوي أبناءه وبناته بدلًا من تركهم لمزيد من الضياع والشتات. وأضاف القرني للإعلام والصحافة دور كبير في الحد من هذه الظاهرة من خلال التوعية والتحذير من استفحالها في المجتمع، إضافة إلى أنّ البرامج الإرشادية الورقية والمسموعة والمرئية تدخل في باب التوعية الحميدة والرشيدة لمثل هذا النوع من الظواهر الاجتماعية»، واعتبر أنّ الجهات الحكومية مسؤولة كل المسؤولية عن مثل هذا الأمر، حيث أنّ هناك نوعًا من الاهتمام والمتابعة التي تحتاج إلى مزيد من التطوير والتجديد والدعم، وأما ما يخص مؤسسات المجتمع المدني فلا عذر لها إن تخلت عن أبناء وطنها وبناته.